الثلاثاء 14 تشرين أول , 2025 02:57

الحقّ في مواجهة الباطل: قراءة فكرية في خطابات السيد الخامنئي حول فلسطين

السيد علي الخامنئي والقدس

في عالمٍ تتكاثر فيه الحروب وتتشابك فيه المصالح، جاءت حرب طوفان الأقصى لتعيد تعريف المعركة بين الحق والباطل، ولتكشف عن صراعٍ حضاريٍّ لا يقتصر على حدود الجغرافيا، بل يمتدّ إلى جوهر الوعي الإنسانيّ نفسه. لم تكن هذه الحرب مجرّد مواجهة عسكرية، بل لحظةً فاصلةً في ميزان التاريخ، أحيت فيها المقاومة الفلسطينية روح الإسلام المقاوم، وأعادت إلى الأمة معنى الكرامة والإرادة بعد عقودٍ من الانكسار.

في هذا السياق، برزت خطابات السيد علي الخامنئي بوصفها مرجعاً فكرياً وروحياً يؤطّر الصراع في بعده القرآني والإيماني، حيث اعتبر أن السابع من أكتوبر شكّل زلزالاً غير قابل للترميم داخل الكيان الصهيوني، وأنّ ما جرى لم يكن حدثاً طارئاً بل ثمرة طبيعية لسنواتٍ من الظلم والاستكبار والعدوان. وقد أكّد السيد أنّ "الطوفان" لم يكن صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم المظالم، وأنّ الكيان الصهيوني تلقّى هزيمةً تاريخية لا يمكنه تجاوزها، مهما حظي من دعمٍ أمريكي وغربيٍّ شامل.

منذ الأيام الأولى للمعركة، أعاد السيد علي الخامنئي التذكير بأنّ المقاومة الفلسطينية إنما عبّرت عن ضمير الأمة، وأنّ ما يصيب غزة اليوم هو امتحانٌ للأحرار في العالم، لا سيّما للحكومات الإسلامية التي دعاها إلى تجاوز بيانات الإدانة نحو مواقف عملية، كقطع الشرايين الاقتصادية والسياسية عن الكيان الغاصب. فالمعركة في جوهرها ليست بين فصيلٍ ومحتل، بل بين محورٍ للحق وآخر للباطل، بين من يحمل راية الإيمان ومن يتكئ على منظومة النفاق الدولي.

ومع تصاعد المجازر بحقّ المدنيين في غزة، كشف السيد الخامنئي في خطاباته عن الوجه الحقيقي للغرب، مؤكداً أنّ الحضارة الغربية التي تتغنّى بحقوق الإنسان قد سقطت أخلاقياً حين برّرت قتل الأطفال والنساء، وأنّ أمريكا ليست راعياً للسلام بل شريكٌ في الجريمة حتى المرفق. ورأى أنّ ما يجري في غزة هو محكمة للتاريخ الإنساني، تُدان فيها الليبرالية الغربية وتُبعث فيها روح الإسلام الأصيل من جديد.

في المقابل، شدّد السيد على أنّ مظلومية الشعب الفلسطيني تتكامل مع اقتداره، فبينما يواجه القصف والحصار بصبرٍ إيمانيٍّ نادر، يحقق في الوقت نفسه أعظم انتصاراته المعنوية والسياسية. واعتبر أنّ العالم اليوم بات يرى في الفلسطينيين نموذجاً للمقاومة النقية، وأنّ هذا الصمود ألهب ضمير الشعوب في الشرق والغرب، حتى خرجت الجماهير في أوروبا وأمريكا لتدين جرائم "إسرائيل" وتكشف زيف حضارة الاستكبار.

لم تقتصر خطابات قائد الثورة على توصيف الأحداث، بل قدّمت رؤية استراتيجية لمستقبل الصراع، مفادها أنّ "حلّ قضية فلسطين" بات أقرب من أيّ وقت، وأنّ الاستفتاء الذي دعا إليه لتقرير مصير الأرض من قبل أهلها الأصليين هو الطريق الحضاري العادل، وأنّ زوال الكيان الصهيوني ليس احتمالاً سياسياً بل وعدٌ إلهيٌّ محتوم. كما دعا إلى توحيد جبهة المقاومة الإسلامية التي بناها الشهيد قاسم سليماني، باعتبارها الضامن الحقيقي لاستمرار الصمود وتكامل المحور المقاوم في المنطقة.

وفي سياقٍ أوسع، اعتبر السيد أنّ حرب طوفان الأقصى لم تزلزل أركان "إسرائيل" وحدها، بل كشفت انهيار المنظومة الأخلاقية الغربية، وأعادت التوازن إلى مفاهيم القوة والعدالة في الوعي الإنساني. لقد باتت غزة اليوم ـ كما قال ـ قلب العالم الإسلامي وحدوده المتقدمة، ومنها ينبض مستقبل الأمة. فصبرها هو صبر الأنبياء، ومقاومتها هي البرهان الحي على أنّ الإيمان وحده يصنع المعجزة حين تذوب الأنظمة في صمت العجز والتواطؤ.

وفي ختام هذه المرحلة من الحرب، أطلّ الإمام الخامنئي مطمئناً إلى أنّ المستقبل بات واضحاً: "العالم المقبل هو عالم فلسطين"، والكيان الصهيوني إلى زوالٍ حتمي، لأنّ معادلة الصراع باتت بين الإيمان والمادية، بين الوجدان الإنساني والوحشية المصطنعة. وإنّ النصر، كما قال مراراً، وعدٌ إلهيٌّ لا يتخلّف، وسيكون من نصيب الشعب الفلسطيني والمجاهدين الذين صمدوا في وجه الطغيان بقلوبٍ عامرة باليقين.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور