الجمعة 22 آب , 2025 10:39

اقتدار 1404: رسائل ردع إيرانية في الخليج أيضاً

المناورة الإيرانية

نفّذت إيران أول مناورة عسكرية بحرية في صباح 21 من أغسطس/آب 2025، منذ الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل عليها في حزيران/ يونيو الماضي. المناورة، التي حملت اسم "الاقتدار 1404"، جاءت في توقيت حساس إقليمياً ودولياً، حيث تسعى طهران إلى تثبيت صورتها كقوة قادرة على الصمود والردع بعد التصعيد غير المسبوق الذي تشهده المنطقة.

المناورات أُجريت بمشاركة وحدات من البحرية الإيرانية، أبرزها الفرقاطة IRIS Sabalan وسفينة IRIS Ganaveh. وقد أطلقت هذه القطع صواريخ كروز متطورة من طراز قدير (Qader) ونصر-1 (Nasr-1) على أهداف في خليج عُمان والمحيط الهندي. كما دخلت بطاريات صاروخية ساحلية على خط التمرين، ما منح المناورة بعداً تكتيكياً يجمع بين القوة البحرية وقدرات الدفاع الساحلي.

على الصعيد التقني، يعكس استخدام هذه الصواريخ مستوى التطور في الصناعة العسكرية الإيرانية. صاروخ قدير يتميز بمدى يصل إلى نحو 300 كيلومتر، برأس حربي يزن قرابة 200 كيلوغرام، ويُصمم للتحليق على ارتفاع منخفض قرب سطح البحر، ما يصعّب مهمة رصده واعتراضه. أما صاروخ نصر-1 فيتسم بمدى أقصر يبلغ نحو 35 كيلومترا، وهو مخصص لاستهداف السفن الصغيرة والمتوسطة بفعالية، ويعتمد على أنظمة توجيه دقيقة تعزز فرص إصابته للأهداف المتحركة. هذه التركيبة بين صاروخ بعيد المدى وآخر قصير المدى تتيح لإيران بناء شبكة ردع متعددة الطبقات، تجمع بين العمق العملياتي والقدرة على الاستجابة السريعة.

إلى جانب البعد العسكري المباشر، تنطوي المناورة على دلالات سياسية واضحة. فهي تأتي بعد أسابيع من تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة وُصفت أوروبيا بالتصعيدية، حيث لوّحت فرنسا وألمانيا وبريطانيا بإمكانية إعادة فرض العقوبات الدولية إذا لم يتم التوصل إلى تسوية بحلول نهاية الشهر. استعراض القدرات البحرية بهذا الشكل يرسل رسالة مزدوجة: إلى الداخل لتعزيز ثقة الرأي العام المحلي بقدرة الدولة على حماية سيادتها، وإلى الخارج لتذكير الخصوم بأن أي تصعيد إضافي سيقابله ردع متدرج ومتعدد الأبعاد خاصة وان الاساطيل المنتشرة في الخليج هي اساطيل أميركية، يخشى الرئيس دونالد ترامب تعرضها لاستهدافات مباشرة.

كما أن المناورة تعكس تحوّلاً في العقيدة العسكرية الإيرانية بعد الحرب الأخيرة. فإذا كان كيان الاحتلال قد نجح نسبياً في إلحاق خسائر بإيران في حزيران/ يونيو، فإن طهران تسعى الآن إلى إظهار أن بنيتها الدفاعية لم تتفكك، وأنها قادرة على إعادة الانتشار والاختبار في ظرف زمني قصير. ولعل تسمية المناورة بـ"الاقتدار" تحمل رسالة رمزية بحد ذاتها، مفادها أن الجمهورية الإسلامية قادرة على استعادة توازنها الاستراتيجي حتى بعد مواجهة صدمات عسكرية عنيفة.

من زاوية أخرى، تبرز المناورة أهمية البعد البحري في حسابات الردع الإيرانية. فمضيق هرمز والمياه الجنوبية لإيران يشكلان مركز ثقل استراتيجي ليس فقط في معادلة الأمن القومي الإيراني، بل أيضاً في أمن الطاقة العالمي. تعزيز القدرات البحرية عبر صواريخ كروز محلية الصنع مثل "قدير" و"نصر-1" يجعل من أي مواجهة مستقبلية مع إيران أكثر كلفة على خصومها، سواء كانوا إقليميين أم دوليين.

في المحصلة، لا يمكن قراءة مناورة "الاقتدار 1404" باعتبارها حدثاً روتينياً فحسب، بل بوصفها جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة بناء صورة الردع الإيرانية بعد حرب قاسية. فهي تحمل رسائل عملياتية وسياسية في آن واحد، وتؤكد أن إيران تعمل على ترسيخ معادلة جديدة قوامها الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية المحلية وتوظيفها في خدمة الردع متعدد المستويات. ومن شأن هذا التوجه أن يعيد رسم موازين القوى في الخليج الفارسي ويزيد من تعقيد الحسابات أمام أي طرف يفكر في اختبار حدود القوة الإيرانية مجدداً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور