السبت 11 تشرين أول , 2025 01:07

إسرائيل وإيران: التحرك في مسار اللا عودة!

تشير التحركات العسكرية في المنطقة، إلى استعدادات لوجستية واسعة النطاق لمواجهة أخرى وشيكة، إلا أن السؤال حول أي من الطرفين سيبدأ عملياته المفاجئة في المرحلة القادمة من الصراع – وربما أكثر عنفاً من ذي قبل – تعتمد على ظروف وعوامل متعددة، لكن الأمر الذي يبدو حتمياً في هذا السياق هو وقوع مواجهة أخرى بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. ومع أن بعض المراقبين يرون أن الكيان الصهيوني ليس في وضع يسمح له بشن هجوم واسع النطاق آخر، إلا أن التجربة المُكلفة للهجوم السابق القائم على استراتيجية المفاجأة تؤكد على ضرورة الواقعية وتجنب التفاؤل التحليلي؛ لأن الكيان الصهيوني قد أثبت عملياً أنه لا يلتزم بأي اتفاق أو سلام، وطبيعته العدوانية الشريرة لا تسمح له بالاستقرار أو الهدوء. وكما أظهر خلال العامين الماضيين، فهو لا يعترف بأي خط أحمر في استراتيجيته الهجومية، وهو خائف على أمنه الوجودي إلى درجة أنه لا يتردد في فتح أي جبهة حرب جديدة، وهي استراتيجية لم تكن لتصبح ممكنة دون الدعم السخي من أمريكا والغرب.

والآن، يرى الكيان، تحت قيادة حكومة ائتلافية من قوى اليمين المتطرف مثل نتنياهو، وسموتريتش، وبن غفير، نفسه في معركة مقدسة ومهمة إلهية! تقوم على تفوق العرق اليهودي، وتُجيز أي عنف من أجل تحقيق الردع الأقصى، وإنشاء منطقة عازلة، وكذلك تغيير المعادلات الأمنية في المنطقة بهدف تعظيم حماية الدولة اليهودية. وقد انتهج خلال العامين الماضيين مواجهة عنيفة تركزت بشكل رئيسي ضد المدنيين في غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، واليمن، وإيران.

ومع أن الدوافع الدنيوية داخل الأراضي المحتلة، فضلاً عن الدعم السخي من الغرب لإسرائيل، قد أديا إلى عرض آلة الحرب التابعة لهذا الكيان لمشاهد لا تُصدق من العنف أمام أنظار العالم، إلا أن الكيان لم يحقق عملياً أي مكسب ذي قيمة سوى الدمار والموت للقطاعات المدنية في أهدافه.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن اغتيال القادة العسكريين للمقاومة أو استهداف قواعدها اللوجستية قد تمكن بدرجات متفاوتة من عرقلة أو إيقاف بعض القدرة التشغيلية للمقاومة، إلا أن المقاومة لا تزال محتفظة بقوتها الهجومية. ومن ناحية أخرى، فإنها حتى الآن لم تنفذ قوى المحور عمليات عسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بناءً على قيادة مشتركة موحدة، وإذا ما تحقق هذا الأمر، فسوف يصبح الكيان في وضع مفاجئ ودفاعي هش للغاية. وهذا الهدف لا يواجه اليوم العديد من العقبات والقيود السابقة، وإذا تحقق، فإنه سيغير بشكل جذري المعادلات الأمنية والعسكرية.

وعليه، يبدو أن حدة التوتر لا مفر منها، ويمكن توقع أن تتجسد في شكل عملي في المستقبل القريب، مما يجعل من الضروري اتخاذ جميع الترتيبات اللازمة لذلك، وحتى وضع استعدادات العمل الاستباقي على جدول الأعمال، لأن الحرب قد توقفت مؤقتاً فحسب، ولا تزال الظروف الحربية قائمة. وهذا الأمر، نظراً لأهمية عامل المباغتة في الهجوم السابق ومستوى الخسائر البشرية والمادية، يتطلب درجة أعلى من اليقظة.

ومع كل هذا، يبدو أن إسرائيل، في إستراتيجيتها الهجومية، لا تسعى إلى الدخول في حرب طويلة الأمد مع إيران، وربما ستنفذ إستراتيجيتها بناءً على قيود زمنية.

ومع أن تحليل الظروف وبيئة التوتر يشير إلى استئناف التصعيد، إلا أنه لا يمكن التجاهل أو التقليل من أهمية الدبلوماسية حتى في أسوأ الظروف الحربية، فالدبلوماسية أداة فعالة لإدارة التوتر في الظروف الحربية. لكن يظل القانون الدولي والقوة التفاوضية الدبلوماسية غير مجديتين في مواجهة نظام عدواني قاتل للأطفال، وفي هذا الصراع، فإن القوة الهجومية والتشغيلية وتعبئة الموارد والقدرات المتاحة هي وحدها التي يمكن أن تمنع شرور هذا الكيان الشرير.

كما يجب الانتباه إلى أن تحليل سلوك الفاعلين الإقليميين مثل السعودية وتركيا، وكذلك الفاعلين على مستوى النظام الدولي مثل روسيا والصين، إزاء التطورات المذكورة، يمثل متغيرات مهمة يمكن لكل منها أن يؤثر بدرجات على مسار التطورات. مع انه لم يُلاحظ حتى الآن أي مؤشر واضح في سياساتهم الخارجية على رغبتهم في منع حدوث التوتر.

بشكل عام، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الرغم من القيود الكبيرة في الموارد والعقبات التي تعترض طريق عملها على مستوى النظام الدولي، إلا أنها بسبب خصائصها الجيوستراتيجية والجيواقتصادية والجيوپوليتيكية، تمتلك إمكانيات كبيرة للتواجد بشكل أكثر فاعلية على مستوى المعادلات النظامية، وكذلك لإعادة هيكلة ذاتها. وهذا الأمر، في إطار منطق نظري واقعي، يمكن أن يمهد الطريق لفهم الواقع الميداني وكذلك لكيفية تعبئة الموارد.

إن “الواقعية الذكية”، التي هي مزيج متزامن من تعزيز القوة الصلبة، وبناء القوة داخلياً، وكذلك توسيع نطاق العمل الموازن مع قوى النظام الدولي، هي إستراتيجية مفضلة للسياسة الخارجية والدفاعية الإيرانية في هذه المرحلة، حيث يمكن بالاعتماد على إستراتيجياتها التوجيهية إدارة التصعيد الحتمي مع الكيان الصهيوني أو احتمال التدخل العسكري الأمريكي فيه.


الكاتب:

محمد محمودي كيا

كاتب وباحث سياسي من إيران.
عضو الهيئة الأكاديمية لمعهد الإمام الخميني (رض) والثورة الإسلامية.




روزنامة المحور