تُمنح جائزة نوبل للسلام سنوياً في العاشر من كانون الأول/ديسمبر، تزامناً مع ذكرى وفاة مؤسس الجائزة، الصناعي السويدي ألفريد نوبل. وتُعد هذه الجائزة الوحيدة ضمن جوائز نوبل التي لا تُسلّم في السويد، بل في أوسلو، النرويج، وفقاً لوصية نوبل التي خصّت البرلمان النرويجي بتكليف لجنة نوبل النرويجية باختيار الفائز. تُقام مراسم التكريم في قاعة بلدية أوسلو، وتُمنح الجائزة لشخص أو منظمة "قدمت أكبر مساهمة للسلام العالمي"، وفقاً للنص الأصلي لوصية نوبل.
لطالما قُدمت "جائزة نوبل للسلام" على أنها أرفع وسام يُمنح لمن يسهم في نشر السلام في العالم. لكن نظرة فاحصة إلى قائمة الفائزين على مر العقود تكشف عن مفارقة خطيرة: كثير من هؤلاء لم يكونوا دعاة سلام بقدر ما كانوا مهندسي حروب، أو شركاء في جرائم جماعية، لا سيما تلك المرتكبة بحق الشعوب المضطهدة.
ترامب رجل سلام؟
أحد أبرز الأمثلة الحديثة هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي رُشّح للجائزة -بمباركة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو- على خلفية ما يسمى "اتفاقيات أبراهام"، التي طبّعت بموجبها دول عربية علاقاتها مع كيان الاحتلال مقابل وعود أميركية. رغم أنه الرئيس الذي اعترف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، وبارك صفقة القرن التي شرّعت الاستيطان واغتصاب الأراضي الفلسطينية. ترامب أيضاً ضاعف الدعم العسكري للكيان وهو من أعطى الغطاء السياسي الكامل لأبشع مجازر الاحتلال في غزة، وآخرها العدوان المستمر منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي وصفه مراقبون بأنه أكبر عملية إبادة جماعية منذ الحرب العالمية الثانية. وأشعل الحرب مع إيران، وفرض عقوبات أنهكت شعوباً بأكملها. فأي سلام يمكن أن يمثلّه؟
إن معظم من يدعم ترشح دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام ينتمون إلى تيارات سياسية تكنّ ولاءً واضحاً للاحتلال الإسرائيلي وتعمل على شرعنته بأي وسيلة. في طليعتهم أعضاء من الكونغرس الأميركي اليميني، الذين باركوا "اتفاقيات أبراهام" واعتبروها فتحاً دبلوماسياً. كذلك، يبرز الدور المحوري لما يُعرف بالصهاينة الإنجيليين، الذين يرون في دعم "إسرائيل" واجباً دينياً. أما الأنظمة العربية المطبّعة، فترى في ترامب حليفاً استراتيجياً ساعدها على تعزيز تحالفها الأمني مع الاحتلال، ولو على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه. بهذا المعنى، فإن ترشيح ترامب ليس سوى تتويج لسلسلة من المصالح التي لا علاقة لها بالسلام.
من حصد الجائزة؟
وإذا عدنا للوراء، نجد رئيس وزراء كيان الاحتلال الأسبق مناحيم بيغن، أحد مؤسسي منظمة "إرغون" الصهيونية التي نفذت مجازر مروعة، مثل مجزرة دير ياسين، قد حصل على الجائزة عام 1978. كذلك شمعون بيريز، الذي عُرف بتخطيطه لمجزرة قانا، حيث ارتكب جيشه مجزرة في جنوب لبنان راح ضحيتها أكثر من 100 مدني خلال عدوان 1996، حصل على الجائزة بعد توقيع اتفاق أوسلو. بل إن الجائزة نفسها مُنحت لجورج مارشال، واضع خطة مارشال الأميركية، رغم خلفيته العسكرية وضلوعه في قرارات استراتيجية خلال الحرب العالمية الثانية.
نوبل بلا سلام
إن استعراض الأسماء التي حصدت جائزة نوبل للسلام عبر العقود يكشف بوضوح أن الجائزة لا تُمنح بناءً على معيار الضمير والأخلاق أو العمل الحقيقي من أجل وقف الحروب وإنقاذ الأبرياء، بل باتت أداة سياسية بامتياز. فكل من نالوا الجائزة كانت أيديهم مغموسة إما في الحروب أو في صناعة القرارات التي أدّت إلى كوارث إنسانية. الجائزة اليوم تُمنح بناءً على مدى التزام المرشّح برؤية الغرب للعالم، لا على أساس مدى إخلاصه لحقوق الشعوب أو سعيه للعدالة. من يتبنّى "السلام الأميركي" أو "السلام الإسرائيلي"، حتى لو كان زائفاً لا وجود له، فالجائزة تنتظره. أما من يدافع عن المقهورين فعلاً، من يقاوم الاحتلال أو يرفض التطبيع، فيصنف "إرهابياً"!
من يستحق جائزة نوبل للسلام فعلياً هم أولئك الذين يدفعون ثمن التزامهم الإنساني على الأرض، بتجاهل تام دون تأمين أي حماية دولية لهم. أطباء غزة الذين يواصلون العمل تحت القصف وفي ظروف انعدام الدواء والكهرباء وخروج المستشفيات عن الخدمة، والمسعفون الذين يُستهدفون أثناء محاولتهم إنقاذ الجرحى، والصحفيون الذين يكشفون الجرائم رغم التهديد والتصفية.
الكاتب: غرفة التحرير