لعلّ الشهيد اللواء محمد سعيد إيزدي "الحاج رمضان"، قائد وحدة فلسطين في "قوة القدس" التابعة لحرس الثورة الإسلامية، نال أكثر مما يتمنى عند استشهاده، بحيث لم يقتله الكيان المؤقت غيلةً فقط، على دوره الكبير والمحوري في دعم الشعب والمقاومة الفلسطينيين، بل على قتله أيضاً خلال أدائه للصلاة، وهو ما يحلّم به الكثيرين من القادة الجهاديين في محور المقاومة.
والحاج رمضان الذي استمرت حياته الجهادية، أكثر من 4 عقود في دعم حركات وقوى ودول المقاومة والتحرر، عاش القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، بكل تفاصيلهما وجزئياتهما، وآمن بأن المقاومة بكل أشكالها العسكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والثقافية، هي الخيار الوحيد مهما كانت التضحيات.
وفي هذا المقال، نستعرض بعض الأسرار التي كشفها مسؤولان رفيعا المستوى في محور المقاومة، حول بعض الجوانب في مسيرة الحاج رمضان، وتحديداً خلال عقدين من تسلمه لمسؤولية قيادة ملف فلسطين في قوة القدس (2005 – 2006). ومهما تكشف من أسرار حول علاقة اللواء محمد سعيد إيزدي بفلسطين ومقاومتها، ستبقى هذه العلاقة لغزاً كبيراً، إلى أن تتحرّر فلسطين كاملةً من البحر الى النهر، وهذا الأمر حتمي بإذن الله ومشيئته.
الحاج رمضان وخطة الجليل
ووفقاً لمسؤول أمني كبير في محور المقاومة، تعاون الحاج رمضان مع القائد الجهادي الكبير في المقاومة الإسلامية – حزب الله الشهيد الحاج إبراهيم عقيل "الحاج عبد القادر"، خلال السنوات الماضية، على إعادة تفعيل المقاومة الفلسطينية انطلاقاً من لبنان، لتكون شريكة قوة الرضوان النخبوية في خطة الجليل وشريكة المقاومة الإسلامية في الدفاع عن لبنان. فكانت عمليات جبهة الإسناد في طوفان الأقصى وما قبلها ومعركة أولي البأس، أولى هذه الخطوات العملية ضمن هذا المسار، والتي أغضبت إسرائيل كثيراً.
ففي هذا المسار، عمل الحاج رمضان على إيجاد أساسيات التعاون والتنسيق الميداني بين مجموعات من مقاومي حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، مع مجموعات قوة الرضوان، من أجل التخطيط والإعداد والتدرب على سيناريوهات الدفاع عن لبنان وتحرير الجليل. والصورة التي انتشرت للواء إيزدي بعد استشهاده، وهو جالس الى جانب الشهيد اللواء محمد رضا زاهدي والشهيد الحاج عبد القادر خلال إحدى اللقاءات، تُشير بوضوح إلى هذا الدور المهم وغير المسبوق في تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن "خطة حزب الله لغزو الجليل" استغرقت حوالي ١٥ عامًا، وتضمنت غزوًا بريًا، وإطلاق صواريخ وقذائف على عمق فلسطين المحتلة، وحتى غزوًا بحريًا.
الدعم الإنساني ركيزة الصمود والمقاومة
في جانب متّصل، وكما كان اهتمام الحاج رمضان كبيراً بالشق العسكري، كانت أولويته أيضاً دعم عوائل الشهداء في فلسطين، ودعم صمود الفلسطينيين المهجّرين في مخيمات الشتات، مادياً وخدماتياً وصحياً وغذائياً ومعنوياً.
وعلى هذا الصعيد، اهتم القائد إيزدي كثيراً بعوائل شهداء فلسطين، من خلال رعايته لكل برامج الدعم لهذه العوائل، الى الحد الذي كشفت زوجته بأنه كان يتابع التحصيل العلمي لأولاد الشهداء، ويطلب منها شراء وإرسال الهدايا للناجحين والمتفوقين منهم.
أمّا بالنسبة للاجئي مخيمات الشتات، فكان الحاج رمضان لا يتوانى عن أي القيام بأي مشروع من شأنه تعزيز صمودهم عبر: تقديم مساعدات مادية وغذائية، ودعم إنشاء مشاريع اقتصادية، بناء ودعم المستوصفات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، وتقديم الدعم للمؤسسات الاجتماعية، وتقديم المساعدات والمنح للطلاب الفلسطينيين الراغبين بالدراسة الجامعية في إيران وحتى خارجها، ودعم الكثير من المبادرات الثقافية والدينية والترفيهية (مثل دورات تعليم تجويد القرآن، زيارات سياحية،....)، وتنسيق 3 الى 5 زيارات سنوية لجمعية "الأطباء الرساليين بلا حدود" الإيرانية من أجل إجراء مسح طبي في كافة الاختصاصات لأبناء المخيمات الفلسطينية.
وفي سياق متصل، كشف مسؤول رفيع المستوى في محور المقاومة بأن الحاج رمضان كان يخصص سنوياً خلال شهر رمضان المبارك، ما يزيد عن 10 آلاف سلّة غذائية تكفي العائلة لمدة شهر كامل.
كل هذه الأمور في هذا الجانب من شخصية الحاج إيزدي، تثير علامات الاستفهام والتعجب حول مواقف الكثير من الدول العربية (الذين يصفون أنفسهم بأنهم أشقاء)، التي ترفض دعم الشعب الفلسطيني، ولو حتى في الجانب الإنساني خشيةً من غضب أمريكا وإسرائيل.
العلاقة الشخصية مع قادة فصائل وحركات المقاومة
وقد تميزت علاقة الحاج رمضان بفلسطين، بلد وشعب وقادة المقاومة، يُخالف الكثير مما أوردته وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي أو حتى بعض وسائل الإعلام العربية، التي تتخيل شكل علاقة على نسق علاقة الغرب بتابعيه، فيما الحقيقة والواقع بأنها على نسق رفيع بالقيم الإنسانية، يمكن وصفها بالخُلّة (الصداقةُ والمحبَّة التي تخلَّلت القلب فصارت خلاله أي في باطنه).
لذلك تميزت علاقة الحاج رمضان مع فلسطين وقادة المقاومة في فلسطين بالتالي:
1)كان مخلصاً لقضية فلسطين ويعمل من أجلها ليلاً ونهاراً وكرّس معظم وقته لها.
2)لم تكن علاقته بقادة المقاومة الفلسطينية ذات صفة جهادية وسياسية، بل تعدتها لتكون إنسانية واجتماعية وعائلية، فيها الكثير من الصداقة والأخوة "الخليلية".
3)كان يدعم المقاومة الفلسطينية دون إملاء أي أمر على قادتها (وهو أسلوب الجمهورية الإسلامية الدائم مع حلفائها).
لذا تم التأكيد على أن الحاج رمضان لم يكن من مخططي عملية طوفان الأقصى، كما يُحاول الإسرائيليون ادعاء ذلك بعد شهادته. وكما قال قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي في الخطاب الأول ما بعد العملية الكبيرة، بأنها تخطيطها وتنفيذها فلسطيني بشكل خالص.
4)في العام 2017، عندما أعلن الإمام الخامنئي ضرورة تسليح المقاومة في الضفة الغربية، وأن الجمهورية الإسلامية ليس لديها موقف ضد أي فريق فلسطيني. كان الحاج رمضان هو القائم على تنفيذ هذه السياسة الواضحة، من خلال قيادة جهود الدعم المالي والتنفيذي والتدريبي والتسليحي، والتدريب على كيفية صناعة الأسلحة لمقاومي الضفة.
5)من الصفات اللافتة بأنه كان يحرص دائماً على التشاور، ويأخذ بآراء الأخرين، ويتبناها أيضاً. كما عُرف بهدوئه اللافت ومرونته العالية وقدرته على تفهّم اختلاف وجهات النظر.
ذكرى أخرى من ذكريات الحاج رمضان مع
— نهج||???? (@nahj127) July 3, 2025
الحاج قاسم سليماني pic.twitter.com/TOReQghX4p
6)كان يفهم فلسطين بجميع جوانبها كما تفهمها أي شخصية علمية واجتماعية وسياسية فلسطينية.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر، كان له إحدى الجلسات مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلّح التي امتدت لـ 5 ساعات، للتحدّث فقط عن المجتمع اليهودي والعادات والتقاليد فيه.
7)تتهمه أجهزة استخبارات الكيان بأنه كان المخطط لتهريب الأسلحة وتجنيد عملاء داخل الكيان والضفة الغربية. وادّعوا بأن الشاباك كشف عدة محاولات لتهريب وتجنيد تم تنظيمها من قبله. كما اتهموه بتوجيه عمليات إرهابية واغتيالات انتقامية داخل إسرائيل.
8) تميّز بقدرة فائقة على إدارة الملفات المعقّدة والمهام الصعبة، وكان يُنسب إليه الإشراف المباشر على مختلف مستويات العمل المرتبط بفلسطين، بما في ذلك تأمين الدعم السياسي للفصائل، وتنظيم خطوط الإمداد، وتنسيق عمليات التدريب والتسليح، وصولاً الى الجوانب الإنسانية والإعلامية.
9)أقام علاقات وثيقة مع جميع فصائل المقاومة الفلسطينية من دون استثناء، من حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى حركات الجبهة الشعبية والديمقراطية والجبهة الشعبية - القيادة العامة وسواهم. فلم يكن يشكل انتماء الفصيل أو خلفيته الفكرية أي عائق أمام التواصل الصريح والداعم معهم، وفق هدف أسمى هو تحرير فلسطين.
10)رغم دوره الكبير، ظل الحاج رمضان بعيداً من الأضواء، متعمداً التغيب عن أي حضور علني أو إعلامي. فلم تُعرف له صور كثيرة، ولم يُرصد في المؤتمرات أو المناسبات العامة، مكرّساً حياته بالكامل للعمل بصمت، ومعتبراً أن الظل هو المكان الطبيعي لمن يحمل عبء القضية وواجباتها الاستراتيجية. لذلك بقيت تفاصيل شخصيته وأدواره طي الكتمان لسنوات طويلة، حتى كُشف بعض منها بعيد استشهاده.
ماذا كان رأيه بعملية طوفان الأقصى وما حصل بعدها من تطورات؟
وفي تسجيل خاص تحدّث به الخميس 12/06/2025، أي عشية العدوان الإسرائيلي الأمريكي على الجمهورية الإسلامية، حصل مواقع الخنادق على بعض تفاصيله، قال الحاج رمضان:
_طوفان الأقصى حقّق إنجازات كبيرة على مستوى جبهات محور المقاومة، وبالأخص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
_بالرغم من كل التضحيات، إلا أن الإنجازات التي تحققت عظيمة جداً.
_ حزب الله بالرغم مما تعرض له من "خضّة" إلا أن بات أقوى بكثير من مرحلة ما قبل الطوفان، وهذا الأمر ينطبق على كل جبهات المحور، حتى في فلسطين وقطاع غزة.
_ هذه المرحلة هي جزء لا يتجزأ من الصراع الأبدي بين الحق والباطل، وأن مشروع الحق لا يتوقف على الأفراد وشهادة القادة، بل المسيرة ستظلّ بمسار تصاعدي.
_إنجازاتنا أكبر بكثير من إخفاقاتنا. يعني بتعبير آخر، نحن اكتسبنا مكاسبة استراتيجية، وخسرنا خسائر تكتيكية. وما جرى للعدو أكبر بكثير من الذي صار علينا.
الاغتيال
كان يتواجد في شقة بمدينة قم المقدسة، كان قد انتقل اليها قبل يومين من استشهاده، واستشهد خلال أدائه للصلاة.
وختم المسؤول الرفيع المستوى في محور المقاومة بعض استعراض بعض هذه الأسرار، بأن فلسطين خسرت اللواء محمد سعيد إيزدي وخسره شعبها. وأن ما أعطاه الحاج رمضان لفلسطين كان أكبر من حياته، ويندر لشخص أن يعطي مثله.
الكاتب: غرفة التحرير