الإثنين 18 آب , 2025 03:41

مستقبل التطبيع الإسرائيلي – العربي: نموذج التطبيع الشامل والسلام بين الشعوب

صورة القادة العرب في إسرائيل مع ترامب ونتنياهو

منذ اندلاع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب "السيوف الحديدية"، دخل مسار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية مرحلة دقيقة ومعقدة. فقد انتقل المشهد من دينامية "اتفاقيات إبراهيم"، التي حملت وعود السلام الدافئ والشراكة الإقليمية، إلى واقع أقرب إلى "السلام البارد"، حيث بقي التعاون الأمني والاستخباراتي قائمًا، بينما تراجعت مظاهر العلاقات المدنية، من السياحة والثقافة إلى المنتديات الاقتصادية.

هذا التراجع كشف هشاشة التطبيع عندما يُبنى على المصالح الضيقة وحدها دون إطار سياسي جامع. فبينما استمرت المصالح الاستراتيجية المشتركة – خصوصًا مواجهة المحور الإيراني – في تشكيل أرضية صلبة للتعاون خلف الكواليس، إلا أن غياب الانخراط المدني الواسع جعل العلاقات عرضة للاهتزاز عند كل أزمة.

أمام هذا الواقع، تطرح الدراسة المرفقة أدناه، من إصدار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، سؤالًا جوهريًا: هل يُنظر إلى التطبيع كترف دبلوماسي يمكن تأجيله، أم كضرورة استراتيجية لبقاء إسرائيل في المنطقة وتعزيز مكانتها الدولية؟ الجواب الذي تميل إليه الدراسة هو أن التطبيع الواسع والشرعي ضرورة لا غنى عنها، لأنه يمنح الاتفاقيات صلابة في مواجهة الأزمات، ويخلق مصالح متبادلة تعزز مناعة السلام على المدى الطويل.

غير أن القضية الفلسطينية بحسب الدراسة برزت من جديد كشرط أساسي لفتح آفاق التطبيع. فشركاء السلام العرب – الحاليون والمحتملون – لم يعودوا يقبلون فكرة "تجاوز" الفلسطينيين، بل يشترطون إنهاء الحرب في غزة، إعادة الأسرى، وتفكيك البنى العسكرية والسياسية لحماس، بالتوازي مع إيجاد أفق سياسي تدريجي لحل الصراع. ومن هنا جاء التشديد السعودي على ضرورة إدراج مسار سياسي نحو حل الدولتين ضمن أي اتفاق تطبيع، بما يجعل الرياض لاعبًا محوريًا في تحديد مستقبل هذا المسار.

الدراسة تستعرض أيضًا المعضلات التي تواجه إسرائيل:

- هل تكتفي بالتطبيع الأمني السري الذي يضمن الحد الأدنى من الاستقرار، أم تنتقل إلى نموذج أكثر علانية وشمولية يمنح العلاقات شرعية شعبية؟

- هل تعطي الأولوية لتعميق العلاقات مع مصر والأردن (التطبيع العمودي)، أم لتوسيعها مع دول جديدة مثل السعودية (التطبيع الأفقي)؟

- هل تسعى لدمج الفلسطينيين ضمن معادلة التطبيع، أم تواصل الرهان على إمكانية تجاوزهم رغم المعطيات التي أثبتت عكس ذلك؟

وفي مواجهة هذه المعضلات، تقترح الدراسة خطوات عملية لإطلاق نموذج جديد من التطبيع يقوم على ثلاثة محاور:

- إعادة بناء الثقة مع شركاء السلام القدامى: عبر استعادة الحوار مع مصر والأردن، وطمأنة مخاوفهما من الضغوط الإسرائيلية والفلسطينية، وتجديد المشاريع الاقتصادية والزراعية والمائية المشتركة.

- توسيع اتفاقيات إبراهيم: عبر الانفتاح على السعودية ودول أخرى، بما يقتضي مرونة إسرائيلية في الملف الفلسطيني، وتنسيقًا وثيقًا مع الولايات المتحدة لتأمين ضمانات سياسية وأمنية.

- توسيع نطاق التطبيع المدني: عبر الاستثمار في مشاريع التكنولوجيا، والطاقة، والزراعة، والتعليم، وإبراز ثمار التعاون للشعوب لا للحكومات فقط، بما يمنح الاتفاقيات عمقًا شعبيًا يحصنها من التراجع.

كما تدعو الدراسة إلى مراعاة الحساسية تجاه القضايا المتفجرة مثل القدس وملف اللاجئين، وتجنب التصريحات أو السياسات الاستفزازية التي قد تنسف جهود التطبيع. وتشدّد على أهمية الدبلوماسية العامة والإعلامية في مخاطبة الرأي العام العربي بلغة المصالح المشتركة، لا بلغة التفوق العسكري وحده.

وتخلص في النهاية إلى أن نجاح إسرائيل يتوقف على تبني نموذج تطبيع شامل وشرعي، يدمج الأمني بالمدني، والسياسي بالاقتصادي، ويُحوّل "السلام بين الحكومات" إلى "سلام بين الشعوب". فبهذا فقط يمكن للتطبيع أن يشكّل رافعة استراتيجية تُعزز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وتبني تحالفًا إقليميًا راسخًا، يكون قادراً على مواجهة المحاور المعادية، وإطلاق مرحلة جديدة من التكامل الإقليمي وإعادة إعمار المنطقة بعد الحروب.

لتحميل الدراسة من هنا


المصدر: معهد دراسات الأمن القومي

الكاتب: أوفير وينتر وأودي ديكل




روزنامة المحور