الجمعة 02 أيار , 2025 02:43

تأثير طوفان الأقصى على مؤشرات المكانة الدولية لـ"إسرائيل"

ورقة علمية: تأثير طوفان الأقصى على مؤشرات المكانة الدولية لـ”إسرائيل“ … أ. د. وليد عبد الحي

لم تستقر أدبيات العلاقات الدولية على تعريف مفهوم المكانة الدولية أو على البعد الإجرائي في قياس وتحديد هذه المكانة، كما أن وحدة تحليل المكانة الدولية تتباين عند القياس الفردي المطلق للدولة، أي حساب مدى التقدم والتأخر في مؤشرات المكانة من خلال تتبع الاتجاه العام لحركية هذه المؤشرات صعوداً وهبوطاً في الدولة ذاتها، وعند قياسها على أساس المقارنة في المكانة من خلال مزاحمتها للدول الأخرى على الترتيب في المكانة عبر التفاعل مع تلك الدول، أي أن لدينا نموذجين أحدهما مقارنة الدولة مع ذاتها من خلال مؤشرات القياس عبر فترات تاريخية، أو من خلال مقارنتها مع الدول الأخرى في مؤشرات القياس ذاتها، وهو ما يسمى المكانة "الفردية – العلائقية".

فالدولة التي تنجح في تواتر الزيادة السنوية في معدل نموها الاقتصادي تفترض أن ذلك يعزز من مكانتها الدولية والعكس صحيح، كما أن الدولة التي ترفض قبول المساعدات الدولية المشروطة تعزز من مكانتها في الصورة الذهنية عنها في المجتمع الدولي، وهو ما نعنيه بالمستوى الفردي في المكانة الدولية، بينما الدولة التي تكون عضواً في أكبر عدد من المنظمات الدولية أو تنتمي لمنظمات تشترط لعضويتها مؤهلات مؤسسية أو مجتمعية عليا، مثل مجموعة السبع G7 أو العشرين G20…إلخ، تعزز من مكانتها الدولية من خلال الصورة الذهنية لتلك المنظمات في المجتمع الدولي ومن خلال قدرتها على توظيف هذه الكيانات الدولية لتوسيع دائرة تفاعلاتها بما يخدم مصالحها، ومن هنا فإن الحراك على سُلّم المكانة الدولية قد يؤثر على مكانة الدول الأخرى، فتقدم دولة في مجال معين قد يكون على حساب مرتبة دولة أخرى على الرغم من أن الدولة الأخرى لم تتراجع في معدلات مؤشر القياس لكن درجة تقدم الدولة الأولى يفوق درجة تقدم الثانية، أما ما يجمع بين المكانة الفردية وبين المكانة العلائقية هو التفاعل المتبادل بين البعدين لتحديد مكانة الدولة دولياً، فمثلاً يتم قياس درجة الاحترام والإعجاب كمؤشر على المكانة الدولية لدولة معينة، كما يمكن قياس المكانة من خلال درجة تأثير دولة معينة على مجريات الحياة الدولية وسلوك الدول والمنظمات الدولية أو الأوضاع الاقتصادية أو مساحة تأثير قرارات دولة معينة على بقية الوحدات.

يثير بروفيسور التاريخ الإسرائيلي إيلان بابيه Ilan Pappe تصوراً مستقبلياً يتمحور حول ما وصفه بـ"انهيار الصهيونية"، مشيراً إلى ستة مؤشرات لهذا الانهيار المستقبلي من بينها "العزلة الإسرائيلية الدولية" إلى جانب تشظي البنية الاجتماعية الإسرائيلية والأزمات الاقتصادية وضعف الجيش الإسرائيلي والتغير في توجهات الشباب اليهودي في العالم يقابله المتغير الأخير وهو تجدد الطاقة الوطنية لدى الشباب الفلسطيني. ويشارك بعض الإعلام الصهيوني بابيه رؤيته، إذ تشير بعض وسائل الإعلام الصهيونية لمؤشرات التراجع في التأييد الدولي لـ"إسرائيل" إلى عدد من المظاهر، مثل:

1. اختفاء شركات الطيران الأجنبية من مطار "إسرائيل" الرئيسي (مطار بن جوريون Ben Gurion Airport) بشكل متكرر، فمثلاً هناك 66 شركة طيران أجنبية كانت تعمل في المطارات الإسرائيلية قبل الحرب، لم يتبقَّ سوى 14 شركة، بالإضافة إلى شركات الطيران الإسرائيلية.

2. تعليق بعض الدّول مبيعات الأسلحة للحكومة الإسرائيلية.

3. إلغاء معارض فنية للفنانين الإسرائيليين.

4. توقّف التّعاون الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية في مناطق عدة من العالم.

5. انسحاب شركات البنية التحتية الدولية من عدد من المشاريع الإسرائيلية.

6. كان لمذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت Yoav Gallant عواقب على الاستثمارات الأجنبية في "إسرائيل"، ناهيك عن تأثيرات قرارات محكمة العدل الدولية باعتبار السياسة الإسرائيلية "إبادة جماعية"؛ حيث تبنّت المحكمة ما يسمى "التدابير المؤقتة"، وهي أوامر ملزمة تطالب "إسرائيل" بمنع الإبادة الجماعية، كما وصفت المحكمة طلب جنوب إفريقيا في موضوع الإبادة بأنّه "معقول". وقد كشفت إحدى الدراسات الأكاديمية أنّ نسبة الاستثمار في أيّ دولة تتأثر بمعدل 27% مقابل تغيّر نقطة واحدة في معدل مكانة الدولة.

7. أكثر من 300 باحث إسرائيلي خضعوا لمقاطعة أكاديمية منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وشمل ذلك حظر نشر الأبحاث، وإلغاء المحاضرات والمشاركة في المؤتمرات، وسحب منح بحثية من الأكاديميين الإسرائيليين.

8. في المجال الرياضي، ذكرت التقارير الإسرائيلية أن الأندية الرياضية الإسرائيلية تواجه صعوبات في إبرام عقود مع مشاهير الرياضيين الأجانب.

9. تضرّر قطاع السياحة بشدة، حيث اضطر 90 فندقاً إلى إغلاق أبوابه منذ بدء الحرب، وهو ما يمثل 20% من قطاع الفنادق في "إسرائيل".

وتقدم الباحثة بنينا شارفيت باروخ Pnina Sharvit Baruch المسؤولة عن برنامج "إسرائيل والقوى العالمية Israel and the Global Powers" في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي The Institute for National Security Studies (INSS)، المصنّف في المرتبة الأولى بين مراكز الأبحاث الإسرائيلية، والاستاذة الجامعية سابقاً في كلية القانون في جامعة تل أبيب Tel Aviv University، تقريراً شاملاً حول العزلة الدولية التي تعاني منها "إسرائيل" نتيجة الحرب في غزة، وتشير إلى:

أنّ قوة إسرائيل ترتبط ارتباطاً وثيقاً باندماجها في النظام الدولي، إلا أنّ هذا الارتباط يتعرض حالياً لتهديد كبير، إذ تواجه البلاد حملة دولية غير مسبوقة تتجاوز التحديات السابقة في نطاقها وشدّتها في المجالات السياسية والإعلامية والعامة، وقد أدى هذا الجهد المتواصل إلى شيطنة ملحوظة لإسرائيل وتراجع ملحوظ في مكانتها العالمية. إنّ الفشل في التصدي الفعال لهذه الحملة يُشكّل مخاطر على اقتصاد إسرائيل وأمنها القومي وقدرتها على تحقيق أهدافها العسكرية، مما قد يُعيق تقدّمها على جميع الجبهات، وهو ما يتطلب لمواجهة هذه التحديات تغييرات جذرية في نهج إسرائيل.

لقد كشف رصد مؤشرات المكانة الاسرائيلية دولياً أنّ هذه المكانة تراجعت في 8 مؤشرات من 13 مؤشراً مركزياً، أي ما نسبته 61.5%، على الرغم من أنّ المساندة الرسمية العربية لموقف المقاومة وخصوصاً من الجانب الإعلامي كان في أضعف حالاته، بل إنّ أطرافاً عربية كانت أكثر تحريضاً على المقاومة قياساً للفترات السابقة، وهو ما يعني أنّ السياسات العربية ووسائل إعلامها وبعض نخبها المرتبطة بهذه السياسات لم تستثمر هذه البيئة الدولية المواتية لمزيد من الضغط على "إسرائيل"، بل ساعدت في تخفيف التسارع في التراجع في المكانة الإسرائيلية من خلال التشبّث بالتطبيع معها بل والزيادة في بعض قطاعات التطبيع.

وكشفت هذه الدراسة المرفقة أدناه من إصدار مركز الزيتونة للدراسات، للكاتب أ.د وليد عبد الحي، أنّ مقارنة معدل التغيّر السلبي والإيجابي في المكانة الإسرائيلية في المجتمع الدولي يشير إلى أن التغيّر السلبي بلغ 78.8% مقابل 21.2% للتغيّر الإيجابي.

ولما كانت المساندة الدولية خصوصاً من القوى الكبرى هي أحد المتغيّرات الرئيسية في استمرار المشروع الصهيوني، فانّ الشرخ الذي تركه طوفان الأقصى في بنية هذا التأييد يمثل عاملاً استراتيجياً ستظهر آثاره في فترة تتراوح بين المدى المتوسط والبعيد.

إنّ تراجع الدول العربية والإسلامية عن مسار التطبيع وتعليق، على أقل تقدير، العلاقات مع "إسرائيل" يعزّز من وطأة العزلة الإسرائيلية والتأثير على مكانتها الدولية، كما أنّ مساندة المقاومة وتعزيز التلاحم بين قوى المقاومة يؤسّس لتفعيل الآثار الاستراتيجية للتراجع في المكانة الإسرائيلية والتي أوضحنا مؤشراتها.

لتحميل الدراسة كاملاً من هنا


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: أ. د. وليد عبد الحي




روزنامة المحور