الخميس 14 آب , 2025 04:17

من إخفاق 7 أكتوبر إلى المراقبة الشاملة: القصة الكاملة لشراكة مايكروسوفت مع وحدة 8200

وحدة 8200 وفي الخلف شعار شركة مايكروسوفت

منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2023، تكشفت سلسلة من التقارير الصحافية والتحقيقات الاستقصائية التي أوضحت حجم الانخراط العميق للتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في عمليات الاستهداف والقتل، في سياق ما يمكن وصفه بـ"عسكرة التكنولوجيا". فقد لعبت شركات عالمية كبرى، مثل مايكروسوفت (Microsoft) وأمازون (Amazon) وجوجل (Google) وميتا (Meta)، دوراً محورياً في هذا المسار عبر توفير خدمات ومنتجات متطورة، أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم المجهود العسكري الإسرائيلي.

في هذا الإطار، برز دور وحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وهي إحدى أبرز الوحدات الاستخباراتية المتخصصة في جمع المعلومات وتحليلها. بالتعاون مع جنود احتياط يعملون في شركات تكنولوجيا عالمية، أسست الوحدة ما يُعرف بـ"الاستوديو"، وهو برنامج ابتكاري يهدف إلى تطوير حلول تكنولوجية لدعم العمليات الأمنية والاستخباراتية. من بين مشاريعه، جرى ابتكار "روبوت محادثة" قادر على مسح وتحليل الرسائل النصية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، واستخلاص بيانات استخباراتية منها.

تحقيق استقصائي مشترك أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية ومنصة +972 Magazine كشف جانباً بالغ الحساسية من هذا التعاون، حيث أطلق الجيش الإسرائيلي مشروعاً ضخماً لجمع وتخزين المكالمات الهاتفية الخاصة بالفلسطينيين على خوادم سحابية تابعة لشركة مايكروسوفت في أوروبا، ضمن خطة طموحة تحت شعار "مليون مكالمة في الساعة".

من إخفاق 7 أكتوبر إلى الطموح التقني

شكّل فشل الجيش الإسرائيلي في مواجهة هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 صدمة استراتيجية داخل المؤسسة الأمنية، وأدى إلى إعادة التفكير في أساليب جمع المعلومات ومعالجتها. وفق تقرير نشره موقع People and Computers، مثّلت الحرب الجارية ذروة الاعتماد على التكنولوجيا في تاريخ إسرائيل. بناءً على ذلك، تسارعت الجهود لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة قادرة على دمج البيانات وتحليلها بسرعة، بما يتيح اتخاذ قرارات ميدانية فورية وأكثر فعالية.

في هذا الإطار، أولى "المشهد الإسرائيلي" الصادر عن مركز مدار اهتماماً خاصاً بهذا الجانب، واستعرض ثلاث مقالات محورية:

- "وحدة 8200 تبني نموذج لغة بالعربية المحكية": مشروع يقوم على تدريب نموذج لغة كبير (LLM) على نحو 100 مليار كلمة مأخوذة من محادثات الفلسطينيين، بهدف تمكين ضباط الاستخبارات من الحصول على إجابات دقيقة وفورية حول أهدافهم.

- "مايكروسوفت توظف GPT-4 في خدمة الجيش الإسرائيلي": تحقيق اعتمد على وثائق مسرّبة يكشف استخدام مايكروسوفت لمنصتها وتقنيات GPT-4 لدعم القوات الجوية والبحرية والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

- "الحرب الأكثر دموية بفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي": يسلّط الضوء على تغيّر قواعد الاشتباك، حيث جرى توليد عدد هائل من الأهداف المحتملة خلال وقت قصير، ما ساهم في مستويات غير مسبوقة من القتل والدمار في غزة.

ما هي منصة Azure ودورها العسكري؟

تعد Azure منصة الحوسبة السحابية التي تطورها مايكروسوفت، وتقدم عبر مراكز بيانات عالمية خدمات تشمل التخزين، وتشغيل الخوادم الافتراضية، وإدارة قواعد البيانات، وتحليل البيانات الضخمة، وتطوير وتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى حلول الأمن السيبراني. وقد ارتبط اسمها في السنوات الأخيرة بمشاريع عسكرية وأمنية، بينها دعم عمليات الجيش الإسرائيلي عبر توفير بنية تحتية لتخزين البيانات وتشغيل أنظمة المراقبة والتحليل.

بدأت ملامح المشروع أواخر 2021، عندما اجتمع قائد وحدة 8200، يوسي ساريئيل، بالرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، ساتيا نادالا، في مقر الشركة قرب سياتل. جرى الاتفاق على إنشاء بيئة سحابية خاصة داخل Azure لمعالجة وتخزين كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية فائقة السرية، بهدف جمع وتخزين تسجيلات ملايين المكالمات الهاتفية التي يجريها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، مع الاحتفاظ بها لفترات طويلة. دخل المشروع حيز التشغيل الفعلي في 2022.

يعترض النظام المكالمات الهاتفية الفلسطينية ويخزنها على خوادم Azure في هولندا وأيرلندا، مع طبقات أمان خاصة صممتها مايكروسوفت بتنسيق مع وحدة 8200. يتم تحليل الرسائل النصية أيضاً عبر نظام "Noisy Message"، الذي يبحث عن كلمات أو عبارات مشبوهة، ويصنفها حسب درجة الخطر.
الميزة الأخطر هي "العودة بالزمن"، التي تتيح للوحدة استرجاع مكالمات سابقة لأشخاص لم يكونوا تحت المراقبة حينها. وبحلول يوليو 2025، كانت خوادم مايكروسوفت في هولندا وحدها تحتفظ بنحو 11,500 تيرابايت من البيانات العسكرية، أي ما يعادل نحو 200 مليون ساعة صوتية، إضافة إلى كميات أقل في أيرلندا.

مكّن النظام الجيش الإسرائيلي من استهداف أوسع وأدق، وسهّل الإعداد لغارات جوية، مستفيداً من السيطرة الإسرائيلية التاريخية على البنية التحتية للاتصالات الفلسطينية. انتقل المشروع من مراقبة أهداف محددة إلى مراقبة شاملة تطاول المجتمع الفلسطيني بأسره، مستعيناً بخوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة لاستخلاص الرؤى.

الانتقادات والجدل الداخلي

على الرغم من السرية العالية التي أحاطت بالمشروع، برزت انتقادات من داخل مايكروسوفت نفسها، حيث قاطع أحد الموظفين خطاب الرئيس التنفيذي في مايو 2025، محتجاً على دور Azure في "تغذية جرائم الحرب الإسرائيلية". مايكروسوفت نفت علمها بجمع محادثات المدنيين، وأكدت أن تعاونها يقتصر على الأمن السيبراني، لكنها في الوقت ذاته رأت في الصفقة فرصة تجارية مربحة قد تدر مئات الملايين من الدولارات.

أما في الجيش الإسرائيلي، فقد قوبل المشروع بحماس، وروج له ساريئيل بين 2021 و2024 كشعارين: "تتبع الجميع، في كل الأوقات" و"مليون مكالمة في الساعة"، مستفيداً من الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات المراقبة. ورغم الانتقادات التي لاحقته بعد 7 أكتوبر، بدعوى التركيز على التقنيات المثيرة على حساب الأساليب التقليدية، ما أدى إلى فشل استخباراتي، استمر المشروع في العمل بكثافة خلال الحرب على غزة والضفة.

هذا المشروع يجسد التحالف الوثيق بين القوة العسكرية الإسرائيلية وأكبر شركات التكنولوجيا العالمية، حيث تتحول البنية التحتية السحابية والذكاء الاصطناعي إلى أدوات حرب ومراقبة شاملة، تترك آثاراً عميقة على حياة الفلسطينيين وحقوقهم، وتفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات أخلاقية وقانونية حول حدود استخدام التكنولوجيا في النزاعات المسلحة


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور