الخميس 14 آب , 2025 03:54

نتنياهو: مهمتي روحية إقامة "إسرائيل الكبرى"

نتنياهو يشير إلى حدود "إسرائيل الكبرى"

 

منذ عقود، يشكّل مفهوم "إسرائيل الكبرى" أحد أكثر التصورات إثارة للجدل في الفكر الصهيوني، وهو مشروع يستند إلى روايات توراتية مزعومة، ورؤى جيوسياسية تسعى لمد النفوذ الإسرائيلي من نهر النيل في مصر غرباً إلى نهر الفرات شرقاً ويشمل كل من فلسطين، لبنان، سوريا، الأردن، مصر، العراق، وقيل أن يصل الى حدود السعودية ودول خليجية. هذا الطموح لم يكن يومًا غائباً عن خطاب القادة الإسرائيليين، لكنه في عهد بنيامين نتنياهو اتخذ بُعداً أكثر وضوحاً وجرأة، مدفوعاً بظروف إقليمية متحولة ودعم أميركي غير مسبوق.

يرى نتنياهو الأمر من باب الحلم الصهيوني العقائدي وأنه موكل من الله والشعب اليهودي بتنفيذه وتحقيق "آمال الأسلاف"، ومن جهة أخرى ينظر إليه على أنه مخطط استراتيجي وضمان أمن وبقاء الكيان الإسرائيلي لا يمكن أن يتحقق داخل حدوده الجغرافية والديمغرافية الضيقة، وأن التوسع الإقليمي المباشر أو غير المباشر ضرورة وجودية. وهنا يتقاطع المشروع الإسرائيلي مع مصالح الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث يشكل الكيان الإسرائيلي رأس حربة في فرض التوازنات المواتية لواشنطن ومنع أي قوة إقليمية منافسة من الصعود.

إلا أن هذا الطموح يصطدم بواقع معقد، يتمثل أولًا في وجود مقاومة مسلحة على مقربة من مقتل هذا الكيان في فلسطين ولبنان، قادرة على تقويض أي محاولة للتمدد، وثانياً في بيئة إقليمية لم تكتمل فيها حلقات التطبيع السياسي والأمني رغم بعض الاختراقات التي تحققت عبر اتفاقيات "أبراهام". وبالرغم من تفوق "إسرائيل" العسكري والاستخباراتي والجوي خصوصا، فإن نتنياهو لم يتمكن حتى الآن من تحويل مشروع "إسرائيل الكبرى" إلى واقع ملموس، ما يدفعه إلى توظيف أزمات مثل ملف الأسرى في غزة أو الحرب المستمرة مع حماس وحزب الله كذرائع مرحلية على طريق هدفه الأبعد.

الخلفية الأيديولوجية لمفهوم "إسرائيل الكبرى"

يرتكز مشروع "إسرائيل الكبرى" على مزيج من المرويات الدينية المزعومة والتصورات الجيوسياسية التي ترى في التوسع الإقليمي وسيلة لضمان الأمن الاستراتيجي. هذا المفهوم تم استحضاره سياسياً في خطاب نتنياهو ليعيد تأكيد فكرة أن الكيان الإسرائيلي، بمساحته الجغرافية الصغيرة، لا يمكنه ضمان أمنه وبقائه دون السيطرة على فضاء جغرافي أوسع يمتد من النيل إلى الفرات.

أدوات القوة الإسرائيلية: تفوق عسكري واستخباراتي

رغم أن المشروع لم يتحقق على الأرض، إلا أن كيان الاحتلال طوّر قدرات كبيرة تمنحه هامش تأثير واسع. مثل:

التفوق العسكري: الذي يشمل امتلاك أسلحة متطورة، سيطرة جوية شبه مطلقة في المنطقة، وتكنولوجيا عسكرية متقدمة.

الهيمنة الاستخباراتية: تعتمد "إسرائيل" على شبكات واسعة من جمع المعلومات، ما يمنحها قدرة على التأثير في الأحداث الإقليمية حتى دون تدخل عسكري مباشر.

توسيع شبكة الحلفاء: عزز نتنياهو العلاقات مع الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية في إطار التطبيع، ما وفّر له دعمًا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

عقبة الجغرافيا

الجغرافيا المحدودة للكيان الإسرائيلي تبقى تحدياً استراتيجياً، إذ يرى صناع القرار أن مساحة الأرض الحالية لا تمنح عمقاً دفاعياً كافياً. من هنا، يظهر الدافع نحو التوسع الإقليمي سواء بشكل مباشر أو عبر أدوات غير مباشرة كالتأثير السياسي والاقتصادي في دول الجوار.

المقاومة كعامل إعاقة رئيسي

إن وجود مقاومة مسلحة في غزة ولبنان يشكل العقبة الأهم أمام أي مشروع توسعي. هذه القوى، وخصوصاً حماس وحزب الله، تمثل تهديداً مستمراً يفرض على كيان الاحتلال إعادة حساباته العسكرية والسياسية. لذلك، يصبح الحديث عن "القضاء على حماس" أو "تفكيك سلاح حزب الله" جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إزالة الموانع أمام مشروع "إسرائيل الكبرى".

إن ملفات مثل استعادة الأسرى من غزة، أو وقف تسلح حزب الله، غالباً ما تُستخدم كذرائع لعمليات عسكرية أو لضغط سياسي يخدم الهدف الأبعد، أي خلق بيئة إقليمية خالية من القوى التي قد تعيق التوسع الإسرائيلي. لكن هذه المقاربة تواجه فشلاً متكرراً بفعل صمود المقاومة، ما يحول دون تحويل الطموح إلى واقع.

بين الطموح والقيود الواقعية

رغم امتلاك "إسرائيل" أدوات قوة وهيمنة على أكثر من صعيد، فإن مشروع "إسرائيل الكبرى" يظل في هذه المرحلة حبيس الخطاب السياسي والأيديولوجي، لأن البيئة الإقليمية والمقاومة المسلحة يفرضان قيوداً حقيقية على أي محاولة للتوسع الجغرافي المباشر. بذلك، يبقى المشروع بالنسبة لنتنياهو ورقة تعبئة داخلية وحافزاً لتوسيع الهيمنة غير المباشرة، أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ في المدى المنظور. وهذا لا ينفي فعلياً دخول المنطقة في دوامة نتنياهو الذي يسعى لتحقيق حلمه عبر احتلال المزيد من الأراضي والبلاد عبر كل الوسائل المتاحة القتل التدمير التجويع...


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور