يتساءل الصحفي رافيف دراكر، في هذا المقال الذي نشرته صحيفة هآرتس وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، عن كيف تصف حكومة الكيان المؤقت "الحرب على إيران" بأنها حرب ناجحة، وهي لم تحقّق أي هدف من أهدافها سواء على الصعيد النووي، أم على صعيد القدرات الصاروخية ودور الجمهورية الإسلامية في إيران بدعم محور المقاومة.
وسخر دراكر من الماكينة الدعائية المتقنة التي بذلت جهدًا لتذكير الناس بأنه "رغم أن الدولة مشلولة، وكثيرون منا يرتجفون في الملاجئ، والمباني تنهار، ومطار بن غوريون مغلق، إلا أن ذلك لا يرقى إلى سيناريوهات الرعب التي خُطط لها"، مستخلصاً بأن كيان الاحتلال الإسرائيلي تم ردعه خلال هذه الحرب.
النص المترجم:
الفجوة بين "صرخات النصر" وبين أهداف الحرب، تكشف أكثر من أي شيء آخر عن تعطشنا العميق لتحقيق النصر النهائي. الهدف المركزي الذي وُضع لهذه الحرب كان تصفية المشروع النووي الإيراني، أي إزالة "التهديد الوجودي"، حسب تعبير رئيس الحكومة.
لكن، ما زالت هناك علامات استفهام حول حجم الضرر الذي تسببت به الغارات، وقد بدأ يتشكل إجماع واسع إلى حدّ ما: إيران لا تزال تحتفظ بيورانيوم مخصّب بنسبة 60%. هذا هو تقييم الاتحاد الأوروبي، والاستخبارات الأميركية، وكذلك الاستخبارات الإسرائيلية. لا أحد يقول غير ذلك سوى دونالد ترامب. ليس واضحاً إن كانت إيران لا تزال تحتفظ بكل الـ408 كيلوغرامات، أو إن كانت قد قسمت بعضها، أو دفنت بعضها الآخر، لكن ما لديها كافٍ ليُشكّل قاعدة لصناعة عدة قنابل نووية.
المعنى هو أن المشروع تأخر فقط بضعة أشهر إلى الوراء. وإذا كان الضرر أقل من ذلك، فإن احتفال "النصر التاريخي" لم يُؤخر المشروع دقيقة واحدة. بل، من حيث الدافع والإرادة، ربما دفعه إلى الأمام. فالإيرانيون يريدون التخلّص من كاميرات المراقبة، ويرفضون استقبال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الهدف الثاني كان تصفية مشروع الصواريخ الباليستية، والذي وصفه بنيامين نتنياهو أيضًا بأنه "تهديد وجودي". هنا، حتى الجيش ونتنياهو لا يدّعون أن المشروع تمّت تصفيته. خلال الحرب طُرحت تقديرات عن نسبة منصّات الإطلاق التي تمّ تدميرها، وأعلاها بلغت 60%. وحتى إن صحّ هذا الرقم، لا تزال إيران تحتفظ بمئات الصواريخ الباليستية وعشرات المنصات. خلال الحرب، زعمت إحاطات الجيش أن القدرة على إنتاج الصواريخ الباليستية قد قُضي عليها. ومع ذلك، تراجع عن هذا الادعاء في النهاية، واعترف لي مسؤول عسكري كبير بأنه لا يستند إلى أي أساس استخباراتي.
الهدف الثالث الذي حدده نتنياهو هو توقف إيران عن تمويل المنظمات الإرهابية - وهو هدف لم يُضفه إلا في خضم العملية، عندما كانت موجات النشوة تتصاعد. بعد انتهاء العملية، توقف عن الحديث عن هذا الهدف، والآن لم يعد هناك ما يمنع إيران من مواصلة تمويل الحوثيين، أو حزب الله، أو الميليشيات الشيعية في العراق، أو حماس.
الجانب المثير للغرابة في حالة النشوة الجماعية، يتعلق بالثمن الذي دفعناه. ماكينة دعائية متقنة بذلت جهدًا لتذكير الناس بأنه "رغم أن الدولة مشلولة، وكثيرون منا يرتجفون في الملاجئ، والمباني تنهار، ومطار بن غوريون مغلق، إلا أن ذلك لا يرقى إلى سيناريوهات الرعب التي خُطط لها". بل وأكثر من ذلك: العديد من الضربات الإيرانية لم يُبلّغ عنها. الإيرانيون نجحوا في ضرب العديد من قواعد الجيش الإسرائيلي ومواقع استراتيجية. الرقابة العسكرية تمنع نشر المواقع التي أصيبت بدقّة، بذريعة أن ذلك يساعد الإيرانيين على تحسين إصابة أهدافهم. وهي ذريعة ضعيفة، فطالما أنهم أصابوا بدقة معهد وايزمان، ومصفاة النفط، ومستشفى سوروكا — وهذه فقط الأماكن التي سُمح بالإبلاغ عنها — فالواضح أنهم ليسوا بحاجة إلى تقارير الإعلام الإسرائيلي. يصعب التخلّص من الشك بأن السبب الحقيقي هو اعتبارات "شبه إيرانية" بطبيعتها: رفع معنويات الجمهور، والدعاية. الحقيقة أننا نحن أيضًا تمّ ردعنا، وليس صدفة أن ترامب يكرّر القول إن "الطرفين استُنزفا".
فكيف إذن وُصفت حربٌ لم تُحقق أيًا من أهدافها، وبتكلفةٍ باهظة، بأنها حربٌ ناجحة؟ يكمن الجواب في الأداء الرائع للقوات الجوية والمخابرات والموساد. لقد انكشف النظام في إيران في أشد لحظات ضعفه منذ الانقلاب، بما في ذلك موجات الاحتجاجات عامي 1999 و2009. آمل أن ينعكس هذا الضعف على قدرته على التمسك بالسلطة. لا شك أن قوتنا العسكرية تُعزز مكانتنا عالميًا، وبالتأكيد في دول الخليج، التي تعلمت درسًا مهمًا حول من يملك القوة العسكرية لكبح جماح الوحش الذي يحاصر حدودها.
في عام 2009، شنّت إسرائيل أول جولة حقيقية لها ضدّ حماس، الحاكم الجديد لقطاع غزة، تحت اسم "الرصاص المصبوب". وقد اعتُبرت هذه الجولة ناجحةً إلى حدٍّ ما. اعتادوا القول في جيش الدفاع الإسرائيلي: "كان أعضاء حماس يريدون حلق لحاهم بالفعل". ونعرف جميعاً كيف انتهى ذلك الفيلم.
المصدر: هآرتس
الكاتب: غرفة التحرير