الجمعة 18 نيسان , 2025 04:06

دلالات زيارة بن سلمان الى طهران: إيران أقوى

الإمام السيد علي الخامنئي مستقبلاً الوزير خالد بن سلمان

مثل اتفاق بكين عام 2023، خلطت زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، ولقاؤه بقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام السيد علي خامنئي، الأوراق في منطقة غربي آسيا، لما تحمله من دلالات وإشارات تُخالف ما دأب على الترويج له الكثير من وسائل الإعلام مؤخراً، عن ضعف إيران ومعها محور المقاومة. فهذه الزيارة تؤكد قوة إيران المستمرة في التوازن الإقليمي، وتظهر من جهة أخرى، رغبة السعودية في التحوط الاستراتيجي في بيئة متقلبة، وترسل إشارة واضحة للقوى العالمية بأن دول المنطقة تتعاون وتتشابك بالمصالح بشكل متزايد.

فسواء كان الدافع وراء الزيارة السعودية، هو الخوف من الحرب، أو ترقب اتفاق أمريكي إيراني، أو إعادة تقييم حقيقية لدور إيران في المنطقة، فإن هذا التفاعل رفيع المستوى يعكس رغبة حكام السعودية بإعطاء الأولوية في علاقاتهم الخارجية، للبراغماتية والمصلحة الوطنية والإقليمية، على ما سواها من علاقات. ولذلك فإن تداعيات هذه الزيارة عميقة، وإذا استمرت العلاقة الثنائية بمسار تصاعدي، فقد تُبشر بعهد جديد من التوازن متعدد الأقطاب لما فيه خير شعوب ودول المنطقة.

وعلّق الدكتور محمد شمص، الخبير في الشؤون الإيرانية على هذه الزيارة بالقول: "لا شك أن زيارة وزير الدفاع السعودي ومعه وفد رفيع إلى طهران ولقاءه الإمام الخامنئي وكبار القادة العسكريين والسياسيين يحمل دلالات كبيرة لجهة التأكيد على أن إيران دولة قوية في المنطقة، وأن هذا الحوار وهذا اللقاء، هو لقاء الأقوياء لاسيما في لحظة حساسة تمر بها المنطقة تتعرض فيها إيران لتهديدات عسكرية أمريكية وإسرائيلية". وأشار الدكتور شمص الى أهمية هذه الزيارة في دحض الشائعات حول قوة إيران ومحور المقاومة "تُثبت هذه الزيارة وما تخلّلها من لقاءات أن إيران قوية وليس كما يشاع في الإعلام المعادي للمقاومة ومحورها بأن إيران باتت أضعف ما بعد طوفان الأقصى، اليوم إيران أقوى والدول الإقليمية القوية والفاعلة تسعى لأفضل علاقات معها". أمّا المتضرّر الأبرز من هذه الزيارة بحسب الدكتور شمص فهو الكيان المؤقت "بالطبع المتضرر الوحيد أو الأكثر غضبا هم الصهاينة، فتعاون إيران والسعودية هاتان الدولتان الإقليميتان الكبيرتان سينعكس إيجابا على المنطقة وهدوئها، وسلبا على إسرائيل ومصالحها في المنطقة".

أولًا: السياق والرمزية: لقاء قائد الثورة الإسلامية

يُعدّ لقاء الإمام الخامنئي امتيازاً، يقتصر على أهم الشخصيات السياسية ذات المناصب في الدول، وهذه القاعدة لا يُستثنى منها إلّا قادة فصائل وحركات المقاومة في المنطقة. فالإمام الخامنئي، يمثّل تجسيداً للثورة الإسلامية ولقيادة محور المقاومة في المنطقة.

وعند الاضطلاع على مجريات اللقاء، يتأكّد مدى أهميته بالنسبة للعلاقات ما بين الدولتين، حيث سلّم وزير الدفاع السعودي الإمام الخامنئي رسالة من والده الملك سلمان. وأعرب قائد الثورة الإسلامية عن قناعته بأنّ العلاقة بين إيران والسعودية تصبّ في مصلحة البلدين، مشيراً إلى أنّ تعزيز العلاقات بين البلدين يواجه عراقيل من أطراف معادية، ومؤكدًا على ضرورة التغلّب على هذه الدوافع العدائية.

وقال الإمام الخامنئي: "نحن على قناعة بأن العلاقة بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية مفيدة لكلا البلدين، ويمكن أن يُكمل أحدهما الآخر". مشيراً إلى أن تعزيز العلاقات بين البلدين له أعداءـ وأنه "يجب التغلب على هذه الدوافع العدائية، ونحن مستعدون لذلك".

ولفت الإمام الخامنئي إلى بعض إنجازات إيران، موضحًا أنّ الجمهورية الإسلامية مستعدة لتقديم المساعدة للسعودية في هذه المجالات، وأن تعاون الأشقاء في المنطقة وتقديم المساعدة لبعضهم بعضًا، أفضل بكثير من الاعتماد على الآخرين.

أما الأمير خالد بن سلمان، فقد أعرب عن سعادته الكبيرة بهذا اللقاء، قائلاً "قدِمتُ إلى طهران مكلَّفًا بتعزيز العلاقات مع إيران والتعاون في جميع المجالات، ونأمل أن تفضي المحادثات البنّاءة التي أُجريت إلى علاقات أقوى من الماضي بين السعودية وجمهورية إيران الإسلامية".

وهذا ما يؤكد من جديد، أن السلطات السعودية تعتبر إيران، على الرغم من سنوات العقوبات ومحاولات العزل والمواجهات بالوكالة، لا تزال ذات أهمية فحسب، بل لا غنى عنها لحسابات الاستقرار الإقليمي. وإذا كان الضعف يُولّد العزلة، فإن الأقوياء فقط هم من يجذبون الآخرين إلى أبوابهم. لذلك فإن استمرار دور إيران كقوة مؤثرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى علاقاتها الوثيقة بحركات المقاومة، قد عزز مكانتها كمحور مركزي في السياسة الإقليمية. وهكذا، تؤكد زيارة خالد بن سلمان ما بات الكثيرون في المنطقة يقبلونه، وهو أن التعامل مع إيران ليس مسألة تفضيل، بل ضرورة.

ثانياً: رسالة إلى واشنطن

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن السعودية التي تشكّل أحد ركائز الهيمنة الأمريكية في الخليج والمنطقة، ربما أرادت من خلال هذه الزيارة أن تبعث برسالة الى واشنطن، بأنها لا تريد الحرب على إيران، لتداعيات ذلك على السعودية أولاً وعلى الاستقرار الإقليمي، وتفضّل على ذلك اتخاذ مسار التعاون الذي يحقق المصالح المشتركة.

كما يمكن وصف هذه الزيارة بأنها تشكّل خطوة سعودية استباقية، يعدما استشعر حكام الرياض قرب التوصل لاتفاق أمريكي إيراني، سيكون له تأثيراته الكبرى على واقع المنطقة، وهو ما يدفعهم للمسارعة إلى تجنب التهميش. فإن تعزيز العلاقات مع إيران قبل إضفاء واشنطن الطابع الرسمي على أي اتفاق، يسمح للرياض بإدراج نفسها في أي اتفاق مستقبلي، ويضمن مراعاتها ومراعاة مصالحها الأمنية والاقتصادية.

ثالثاً: تداعيات الزيارة على الدول العربية

من المرجح أن تترك زيارة خالد بن سلمان تداعياتها في جميع أنحاء المنطقة، خاصةً الدول العربية التي تسعى جاهدة لإقامة أفضل العلاقات مع إيران. فهذه الزيارة تشكّل ضوءًا أخضر لهم لانخراط بشكل أعمق بالعلاقات مع إيران.

كما سيكون لهذه الزيارة تأثيراتها على الدول العربية، ذات الاهتمام المشترك ما بين السعودية وإيران، مثل فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق. وبالتالي قد نشهد في الفترة المقبلة، تعاوناً ثنائياً يساهم في وقف العدوان على غزة وتدشيناً لفترة من إعادة الهدوء والاستقرار الى المنطقة.

وبالتأكيد فإنه خلال مثل هذه التطورات، ستكون إسرائيل هي الخاسر الأكبر، لأنها الجهة الوحيدة التي يهمها بقاء المنطقة في حال من عدم الاستقرار والفوضى، لأن ذلك سيتيح لها توسيع احتلالها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور