الإثنين 28 نيسان , 2025 05:00

هكذا تحمي أمريكا التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة

أسلحة دفاع جوي ومضادة للدروع وصاروخية

منذ منتصف السبعينيات اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة خارجية ثابتة في منطقة غربي أسيا (أي الشرق الأوسط)، قوامها ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على أي دولة مجاورة لفلسطين المحتلّة أو قريبة أو تحالف إقليمي في المنطقة. وكثيراً ما تجلّت هذه السياسة من خلال جهودٍ مباشرة أو غير مباشرة (حروب وعمليات وتوقيف شحنات أسلحة بحراً وجواً وبراً وعقوبات)، لمنع ووصول أو إضعاف أو تدمير القدرات العسكرية للدول المجاورة لإسرائيل ولحركات المقاومة أو لأي طرف قد يُشكل تهديداً لتفوقها.

ومن خلال تحليل حالات العراق وسوريا واليمن، والمواجهة المستمرة مع حزب الله في لبنان، يتضح لأي شخص موضوعي، أن الهدف النهائي لواشنطن ليس في "إحلال السلام أو الاستقرار"، كما يدّعي خطابها، بل تحييد ومنع قيام أي تحدٍّ عسكري لهيمنة إسرائيل وبالتالي لهيمنة أمريكا (التي قررت خلال حرب العراق 2003 وخلال حرب طوفان الأقصى القيام بخطوات مباشرة لضمان هيبتها على المنطقة).

العراق: التدمير المنهجي لقواته العسكرية التي قد تهدّد إسرائيل

فالعراق هو أبرز مثال على هذه الاستراتيجية. ففي عهد صدام حسين، بنى العراق واحدا من أقوى الجيوش في العالم العربي، فتجاوز عدد الجيش العراقي مليون جندي، وامتلك قدرات كبيرة في مجال الدروع والمدفعية والطائرات والصواريخ والأسلحة الكيميائية. لكنه لم يشكّل خطراً بالنسبة لأمريكا عليها أو على إسرائيل أو على حلفائها من الدول العربية عندما كان يعتدي على الجمهورية الإسلامية في إيران خلال حرب الدفاع المقدس (1980-1988)، بل كانت أمريكا ومن معها يدعمونه بكافة أنواع وأشكال الدعم بحساب مفتوح.

لكنه بعد أن تعرّض لإسرائيل خلال حرب الخليج، قامت أمريكا بتدمير جزء كبير من البنية التحتية العسكرية العراقية، ثم فرضت عقوبات مُعوِّقة، مما أدى إلى تدهور البنية التحتية العسكرية والمدنية على حد سواء.

وجاءت الضربة القاضية مع الحرب العدوانية عام 2003، الذي قادته الولايات المتحدة بذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى صدام، والتي لم يُعثر عليها قط. فقام الاحتلال الأمريكي بتفكيك الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية بالكامل، وانصب اهتمامهم على ضرب القدرات النوعية كالصواريخ الباليستية وغيرها، لضمان عدم تشكيل العراق خطراً على إسرائيل.

سوريا: إبتزاز الشرع الجولاني وضرب القدرات بنفسها أو عبر إسرائيل

أما سوريا، لا سيما ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة عبر طائراتها الحربية، وبمشاركة من الطائرات الإسرائيلية على استهداف أكثر من 400 هدف عسكري، في ليلة سقوط الرئيس الأسد، لضمان عدم حصول الجماعات المسلحة أو أي "جيش" في المستقبل على أي قدرات عسكرية نوعية. وهي بالطبع ليس لديها مشكلة في بقاء الأسلحة المتوسطة والفردية أو أي سلاح لا يشكل خطراً نوعياً على الكيان.

وفي سياق متصلً، كشفت العديد من المصادر الإعلامية، أن شروط أمريكا لرفع العقوبات عن نظام أحمد الشرع الجولاني، كانت تتركز حول قيام الأخير بتسليم السلاح الكيميائي، وعدم تشكيل سوريا تهديداً لإسرائيل.

اليمن: تدمير منذ عهد علي عبد الله صالح

أما في اليمن، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية الى تدمير قدراته التسليحية النوعية – خاصة أنظمة الدفاع الجوي – منذ عهد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وكانت هذه الجهود تنسّق من خلال مكتب إزالة الأسلحة والحدّ منها PM/WRA التابع لمكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأمريكية.

ورغم بُعد اليمن عن فلسطين المحتلة جغرافياً، إلا أن واشنطن كانت تخشى من وصول أسلحة الدفاع الجوي المتطورة وخاصةً المحمولة على الكتف منها الى فصائل المقاومة، كما إن موقع اليمن الجيوستراتيجي له تأثيره على محيطه ومصالح أمريكا في المنطقة (مثل محيط باب المندب، والبحر الأحمر وغيره).

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر أمنية وإعلامية في حكومة صنعاء منذ سنوات، تفاصيل قيام أمريكا أيام حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بتدمير صواريخ الدفاع الجوي. وتولى في حينها وكيل جهاز الأمن القومي عمار محمد صالح إقناع مسؤولي وزارة الدفاع بسحب الصواريخ وإتلافها بإشراف أمريكا، انطلاقاً من آب / أغسطس 2004، وبتنفيذ من شركة "رونكو" الأميركية المتخصصة في التعامل مع المتفجرات، ليبلغ إجمالي ما تم تدميره: 1263 صاروخ دفاع جوي، و52 قبضة إطلاق محمولة على الكتف، و103 بطارية صواريخ.

ولم تقتصر الجهود الأمريكية على مجال الدفاع الجوي بل تعدته الى سلاح الجو، حيث دمرت خلال 9 سنوات أكثر من 27 طائرة عسكرية ما بين (حربية ونقل عسكري ومروحيات عمودية)، كما خسرت اليمن خلال هذه الفترة 16 طياراً ومساعد طيار و23 مدرباً وفنياً وملاحاً. وكانت تعمد الى تنفيذ ذلك من خلال تعطيل أجزاء داخلية لدى معظم الطائرات الحربية، الأمر الذي كان يؤدي إلى تساقط هذه الطائرات أثناء تنفيذها مهمات تدريبية اعتيادية.

وما بعد نجاح الثورة اليمنية، دعمت أمريكا العدوان الذي قادته السعودية ضد اليمن، مُقدمةً معلومات استخباراتية ودعمًا لوجستيًا وأسلحة. ورغم أن ذلك العدوان قد وُصف بأنه جهدٌ لمواجهة "النفوذ الإيراني"، إلا أن الهدف الأعمق كان ضمان عدم تمكن أي جهة إقليمية معادية لإسرائيل - من إقامة معقل عسكري لها في مثل هذا الموقع الاستراتيجي.

الجيش اللبناني وحزب الله

منذ الثمانينيات قامت الولايات المتحدة بتصنيف حزب الله رسميًا كـ"منظمة إرهابية"، وسعت باستمرار إلى تفكيكه أو إضعافه. لكن ذلك وضع واشنطن في معضلةً مُعقّدةً: إذ لا يُمكنها نزع سلاح حزب الله بسهولة دون زعزعة استقرار لبنان بالكامل، وهو أمرٌ قد يُؤدّي، للمفارقة، إلى توسّع نفوذه وإلا فوضى ذات مدى أوسع.

وهكذا، ركّزت السياسة الأمريكية على مسارين متوازيين:

_دعم الجيش اللبناني - ولكن فقط بالقدر الذي يُمكّنه من حفظ الأمن الداخلي، وليس لتحدي إسرائيل عسكريًا. فهي وضعت قيوداً داخلية وخارجية، تمنع الجيش من التزود بقدرات دفاع جوي أو أي سلاح يشكّل خطراً على طائرات مدرعات ودبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي (أبرز الأمثلة على ذلك هو ما حصل بهبة طائرات ميغ 29 الروسية أو بهبة طائرات Gazelle الإماراتية التي تم تسليمها عام 2007 منزوعة من القدرات التسليحية).

_فرض العقوبات المالية على حزب الله، وكل الكيانات التي تزعم بأنها مرتبطة به.

وما بعد معركة أولي البأس التي خاضها حزب الله ضد إسرائيل، وبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، منعت أمريكا الجيش من الاحتفاظ بأي قدرة عسكرية كانت بحوزة المقاومة في منطقة جنوبي الليطاني، قد تشكّل تهديداً لإسرائيل (صواريخ باليستية، صواريخ مضادة للدروع وغيرهم الكثير)، وأجبرته على تفجيرها (تحت عنوان مخلفات العدوان الإسرائيلي).

وفي هذا الإطار، حاول بعض الإعلاميين الناطقين بلسان أمريكا، التذرع ببعض الأمور التي منعت الجيش من الاستفادة من سلاح المقاومة عبر القول بأن:

_ سلاح المقاومة هو ذو صناعة شرقية لا يمكن للجيش الاستفادة منها، وهذا ما يناقض الواقع كون الجيش اللبناني يمتلك الكثير من الأسلحة والمعدات ذات الصناعة الشرقية (دبابات ومدافع ورشاشات مضادة للطائرات وغيره).

_ الجيوش الكلاسيكية لا تستخدم الأسلحة التي يتم مصادرتها أو غيره، وهذا الأمر غير صحيح إطلاقاً، وتناقضه التجربة العملية في العديد من الجيوش وأكثرها احترافاً كالجيش الأمريكي الذي يعمد في عمليات ومهمات الكوماندوس الى استخدام أسلحة "عدوه". ووفقاً لمصادر تاريخية، عمدت إسرائيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية الى تسليم ميليشيا القوات اللبنانية الأسلحة التي اغتنمتها من الجيوش العربية خلال حربي 67 و73.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور