الأربعاء 13 آب , 2025 03:48

اغتيال الصحفيين في غزة: استراتيجية إسرائيلية لطمس الحقيقة والسيطرة على الرواية

الشهيد أنس الشريف

تحوّل الصحفيون الفلسطينيون في غزة إلى أهداف مباشرة في استراتيجية إسرائيلية منظمة لإسكات الشهود والتحكم في الرواية. لم تعد الاعتداءات تقتصر على المباني والبنية التحتية، بل طالت الكلمة الحرة والصورة الحية، لتصبح الكاميرا في نظر الاحتلال سلاحاً يهدد سرديته.

يعتبر مقال نشرته صحيفة هآرتس، وترجمه موقع الخنادق، أن استهداف إسرائيل للصحفيين الفلسطينيين ليس ضرراً جانبياً، بل سياسة ممنهجة تترافق مع منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة، لفرض تعتيم إعلامي شامل. ويشير إلى أن اغتيال أنس الشريف، مراسل الجزيرة، هذا الأسبوع، ليس حادثاً عرضياً، بل مثال صارخ على قتل الصحفيين أثناء أداء مهامهم. ويؤكد أن نحو 200 صحفي وعامل إعلامي قُتلوا منذ أكتوبر 2023، ما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية بحق الصحفيين في التاريخ الحديث.
ويضيف المقال أن هؤلاء الصحفيين غالباً ما يكونون معروفين بوضوح ويحملون أدوات عملهم، لكن إسرائيل تبرر قتلهم بادعاءات واهية عن ارتباطهم بجماعات مسلحة، لتمنح نفسها غطاءً لتجاوز القانون الدولي واتفاقيات جنيف. ويرى المقال أن المجتمع الدولي أمام امتحان حاسم: إما أن يتحرك لوقف استهداف الصحفيين ومحاسبة الجناة عبر تحقيق دولي مستقل وعقوبات، أو يختار التواطؤ بالصمت.
ويختم المقال بالتأكيد على أن قتل الصحفيين قد يدفن الشهود، لكنه لا يدفن الحقيقة، فدماؤهم ستبقى تلاحق من أطلق النار ومن صمت، لتكتب الرواية التي حاول الاحتلال محوها.

النص المترجم للمقال

استهداف إسرائيل للصحفيين الفلسطينيين في غزة ليس ضررًا جانبيًا، بل استراتيجية

قُتل أنس الشريف، مراسل الجزيرة المعروف، هذا الأسبوع في غارة جوية إسرائيلية. الهدف واضح: بإسكات الشهود، يُمكنك إعادة صياغة التاريخ.

منذ بداية حرب إسرائيل على غزة، كان من الواضح أن الهجوم لم يكن موجهًا ضد المباني والأجساد فحسب، بل أيضًا ضد الحقائق والأشخاص الذين يكشفونها. فإلى جانب القصف المتواصل والتجويع والنزوح الجماعي، فرضت السلطات الإسرائيلية تعتيماً إعلامياً، مانعةً الصحفيين الأجانب من دخول غزة، ومستهدفةً الصحفيين الفلسطينيين المحليين الذين بقوا فيها.

وهذا ليس ضررًا جانبيًا، بل هو استراتيجية.

أحدث مثال على ذلك هو مقتل أنس الشريف، مراسل الجزيرة المعروف، في غارة جوية إسرائيلية. لم يكن أنس مسلحًا إلا بكاميرا وإصرار على توثيق ضحايا الحرب من المدنيين. في نظر الاحتلال الإسرائيلي، جعله ذلك "رجلًا خطيراً". كانت الحقيقة التي حملها أخطر من أي سلاح.

بإغلاق غزة أمام الإعلام الدولي، تسيطر إسرائيل على الرواية. على أرض الواقع، لا تعامل الصحفيين الفلسطينيين كمراقبين محايدين محميين بموجب القانون الدولي، بل كأهداف مشروعة. الهدف واضح: بإسكات الشهود، يمكنك إعادة صياغة التاريخ.

وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين، قُتل نحو مئتي صحفي وعامل إعلامي في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويُعدّ هذا الصراع الأكثر دموية للصحفيين في التاريخ الحديث. والنمط واضح لا لبس فيه: فالصحفيون لا يموتون في تبادل إطلاق نار عشوائي؛ بل يُقتلون أثناء تأدية عملهم، وغالبًا ما يكونون معروفين بوضوح بأنهم صحفيون.

تُدافع إسرائيل باستمرار عن عمليات القتل هذه بادعاءاتٍ لا أساس لها من الصحة، مفادها أن الضحايا كانوا عناصر إرهابيين مُتنكرين. وبغض النظر عن مدى صمود هذه الادعاءات أمام التدقيق، فإنها تُحقق غرضها بلا شك: توفير غطاءٍ إعلاميٍّ لأفعالٍ تنتهك جوهر اتفاقيات جنيف.

يواجه المجتمع الدولي الآن اختباراً. هل سيستمر في السماح باستهداف الصحفيين والتعتيم الإعلامي على شعب محاصر دون محاسبة؟ أم سيتمسك بمبدأ أن الصحافة، وخاصة في زمن الحرب، ليست عدوًا مقاتلًا؟

القانون الدولي واضح لا لبس فيه: يجب حماية الصحفيين، مثل المدنيين. ومع ذلك، لا قيمة لهذه الحماية دون إنفاذها.

أدعو إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في كل جريمة قتل صحفي في غزة، وفرض عقوبات على كل من يأمر أو ينفذ أو يبرر مثل هذه الجرائم.

إن الأمر لا يتعلق بالولاء السياسي، بل يتعلق بالدفاع عن حق العالم في رؤية ومعرفة ما يتم فعله بغزة، باستخدام أسلحته ودعمه المستمر.

قد تعتقد إسرائيل أن قتل الصحفيين قد يدفن الحقيقة. لكن إسرائيل مخطئة.

الحقيقة لا تموت؛ بل تُنشر، وتُضخّم بشجاعة من يُخاطرون بحياتهم، بل ويُضحّون بها أحيانًا، من أجل نشرها. دماء صحفيي غزة لن تُلوّث فقط الأيدي التي أطلقت الصواريخ، بل ستُلوّث أيضًا ضمير عالمٍ اختار التقاعس.


المصدر: هآرتس

الكاتب: Ahmad Tibi




روزنامة المحور