الأربعاء 11 حزيران , 2025 03:30

هل تُستأنف الحرب جنوبا؟

من المواجهات التي خاضتها المقاومة في لبنان

في ظل ارتفاع وتيرة التصعيد الإسرائيلي، واتساع دائرة الاستهداف التي تطال مناطق مأهولة من الجنوب الى البقاع والضاحية الجنوبية، يطرح البعض تساؤلات حول ما إذا كان لبنان على مشارف حرب جديدة أم لا! فثمة من يرى أن ما يجري لن يؤدي إلى الحرب، وان الوقائع والمؤشرات تؤكد ذلك، وآخر يرى بأن الوضع الحالي على الحدود وسياسات نتنياهو العدائية والأوضاع في الجبهة الداخلية قد يُفضي إلى مواجهة عسكرية بين المقاومة والاحتلال، لأنه لا يمكن ان يستمر الوضع على هذا الحال بالنسبة لكلا الطرفين.

أولاً: مؤشرات احتمال عودة الحرب على لبنان (غير مرجحة)

-استمرار الخطاب حول سلاح المقاومة: الكيان الإسرائيلي لا يزال يتذرع بتخزين المقاومة للسلاح، وترميم القدرات، وامتلاك مواقع إنتاج للصواريخ والمسيّرات كمبرر مشروع لأي عملية عسكرية، سواء كانت محدودة أو واسعة.
-
فشل "إسرائيل" في إعادة المستوطنين إلى الشمال: رغم مرور أكثر من 6 أشهر على انتهاء الحرب مع لبنان، لا تزال المستوطنات الشمالية شبه فارغة، ما قد يدفع الكيان للذهاب إلى الحرب كوسيلة لفرض واقع مطمئن لهم وضمان عودتهم (بالطبع سيظهر لاحقاً في هذا المقال ان هذا السبب غير كاف للحرب بل هو مؤشر على اللاحرب، ولأن السبيل لطمأنتهم وعودتهم هو عدم إشعال حرب جديدة).

-الأزمة الراهنة التي يمر بها الكيان لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واحتمال  حل الكنيست وانهيار الحكومة، ما يدفع نتنياهو للتصعيد في إحدى الجبهات ضمن سياسة الهروب الى الأمام، ومن هذه الجبهات لبنان او إيران لا سيما بعد الفشل الذريع في اليمن، والحائط المسدود في غزة ( ملاحظة: حل الكنيست يحتاج الى قراءات ثلاث وحتى لو حدث هذا الأمر فالحكومة ستقوم بتصريف الأعمال لمدة سنة مع صلاحيات كبيرة، ولن يكون دافعا او سبباً كافياً لاستئناف الحرب على لبنان).
-محاولات تغيير الواقع الميداني جنوباً: عمليات التجريف والدخول البري إلى بلدات مثل بليدا وميس الجبل قبل أسبوعين عندما دخل جنود الاحتلال إلى القرية في الليل والناس نيام في منازلهم، وهذه تُعد خروقات فاضحة، ويراها البعض محاولة اسرائيلية لإيجاد حزام أمني وتوسعته، ما يعني ان الاسرائيلي قد يفكر جديا باستئناف الحرب لإنشاء هذا الحزام الأمني لا سيما انه يظن بان الظروف مؤاتية الآن، وان المقاومة في لحظة ضعف! (بالطبع هذا وهم، فالمقاومة استعادت جهوزيتها وهي قادرة على المواجهة و خوض الحرب كما لو كانت قبل 7 أكتوبر، بل لديها مفاجآت وأوراق قوة إضافية، منها الهيكلية الجهادية الجديدة غير المعروفة للعدو، واختبار المقاومين لتكتيكات وأدوات الحرب الاسرائيلية والتكنولوجية الحديثة، ومعالجة الثغرات في مواجهتها).

-احتمال فشل أو نجاح مفاوضات إيران النووية: إذا نجحت المفاوضات النووية، أو اعتبرتها "إسرائيل" سيئة لها، قد يشعر نتنياهو بالحاجة لإثبات جديته واستعراض قوته بعدوان على إيران أو لبنان. (هذا ممكن لكن لماذا يختار نتنياهو جبهة لبنان بدل إيران؟!).

-ارتفاع سقف الغارات الإسرائيلية: الانتقال من غارة أو غارتين إلى تنفيذ تسع غارات على الضاحية الجنوبية في يوم واحد عشية عيد الأضحى، يُظهر توسيعاً في بنك الأهداف، بالإضافة إلى تصريح وزير المال سموتريتش:"لن نسمح لحزب الله أن يرفع رأسه ويهددنا".

-الإعلان الأميركي-الإسرائيلي نيتهم عدم التمديد لقوات الطوارئ الدولية اليونيفل في جنوب لبنان يعتبر  صاحب هذا الرأي أنه مؤشر على رغبة الإسرائيلي بإيجاد حزام أمني موسع حتى نهر الليطاني من خلال عملية عسكرية برية جديدة.

ثانياً: مؤشرات عدم العودة الى الحرب (مرجح)

-الضغط الأميركي: واشنطن تُمارس ضغوطاً جدية على حكومة نتنياهو لعدم توسيع الحرب، خاصة في ظل المفاوضات الحالية مع إيران، ورغبة ترامب بالتوصل الى اتفاق، ووقف الحروب في المنطقة.

-سحب الفرقة العسكرية التي تم التعزيز الجبهة فيها خلال الحرب في الشمال: أقدم الاحتلال قبل أسابيع على سحب الفرقة 146 للتدريب من الشمال وهي فرقة احتياط، ليبقي على الفرقة 91 الإقليمية منتشرة وحدها على كامل الخط، ما يُعد مؤشراً على غياب النية لشنّ حرب وشيكة.

 -عدم توفر بنك أهداف عن المقاومة لدى العدو: الكيان يفتقر حالياً إلى معلومات دقيقة عن استعدادات الحزب ومراكزه ومنشآته المستحدثة وهيكليته التنظيمية والجهادية، وعموما ليس لديه بنك اهداف مهم عن المقاومة التي تعتمد "الصمت الاستراتيجي"، وتواصل عملية الترميم وتعزيز القدرات في سرية مطلقة، ما يجعل أي عدوان إسرائيلي جديد دون نتيجة تذكر.

 - حرب الاستنزاف ليست من مصلحة إسرائيل: لا يضمن الاحتلال أن الحرب مع لبنان ستكون قصيرة، وهو يدرك أن الدخول في معركة مفتوحة مع حزب الله قد يؤدي إلى استنزاف عسكري واقتصادي طويل الأمد، وتجربته الأخيرة دليل على هذا.

-اختبر جيش الاحتلال العملية البرية خلال 66 يوما من ملاحم الصمود التي كتبها المجاهدون بدمائهم، وحالوا دون قدرة اكثر من 70 الف جندي من الدخول الى لبنان والوصول الى نهر الليطاني وتحقيق الاهداف، واستطاع الإسرائيلي التوغل 3 كلم في احسن التقديرات.

-التكلفة الاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي تكبّدها شمال الكيان خلال الحرب الأخيرة، والتي وثّقها معهد "غوتسمان" في دراسة حديثة، حيث تبين أن:

80% من شباب المستوطنات لا يرغبون بالعودة إلى الشمال.

60% من المستوطنين لم يعودوا حتى اليوم.

يعاني معظم المستوطنين من اضطراب ما بعد الصدمة.

تراجع تسجيل الطلاب في المدارس بنسبة 50%.

تعرّضت 40% من الأراضي الزراعية في الجولان المحتل لأضرار.

أُغلقت 30% من المحال التجارية في "كريات شمونة".

في ظل هذه المؤشرات السياسية، والنفسية والاقتصادية، فإن شنّ حرب جديدة قد يُفقد الكيان سيطرته بالكامل على الشمال، وقد تصبح الهجرة الدائمة خياراً مرجّحًا بدلاً من "النزوح المؤقت"، ما يفسّر ميل القيادة الإسرائيلية إلى الضربات الموضعية والاغتيالات بدل الذهاب إلى مواجهة شاملة، لا سيما وأن هذا النمط من الاعتداءات الاسرائيلية يرى الصهاينة انها تحقق عدداً من الأهداف.

-الاعتراف الصريح من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بصعوبة الاستمرار في الحرب، حيث قال: لا يمكن الاستمرار في الحرب إلى الأبد، وهناك ضغوط دولية وداخلية بسبب جنود الاحتياط وحالة الاقتصاد".

-تصاعد الأزمة السياسية داخل الكيان: مع إعلان "القناة 13" أن أحزاب المعارضة ستتقدّم اليوم بمشروع قانون لحلّ الكنيست. هذا التوقيت الحرج يعكس هشاشة القرار السياسي وضعف الجبهة الداخلية، ما يجعل أي قرار بفتح حرب شاملة بمثابة مغامرة قد تعصف بالنظام السياسي بأكمله.

الاستنتاجات:

بناءً على المعطيات أعلاه، ترجّح الكفة باتجاه عدم نشوب حرب إسرائيلية جديدة مع لبنان في المستوى القريب والمنظور، وأن تستمر وتيرة التصعيد الحالية، لكن مع عدم نفي خيار الحرب كلياً فلا يمكن الثقة بالعدو لا سيما نتنياهو الذي يتصرف كثور هائج، ويشعل الحروب على عدة جبهات. قد يكون السبب الأهم وراء ذلك أن إسرائيل قادرة اليوم على تنفيذ اغتيالات في لبنان، وإصابة أهداف، وتدمير مواقع في العمق اللبناني دون الحاجة للدخول في حرب مكلفة بشريا وماديا، فالاستفادة من هذا الواقع أفضل لها من خوض حرب واسعة. أما في حال أقدم الاحتلال على الحرب، فإنه سيخاطر بفقدان السيطرة الكاملة على الجبهة الشمالية، ما يؤدي إلى انهيار ثقة المستوطنين بعودتهم من جهة، وثانياً إن أي حرب جديدة ستمنح الفرصة للمقاومة باستعادة الردع وترميمه إن لم تؤدِ إلى نتائج حاسمة، وهو ما لا تملكه "إسرائيل" اليوم على صعيد نقص الجنود لديها، ونقص المعلومات عن البنية والهيكلية الجديدة للمقاومة وقيادتها الجهادية، والأهم الجهوزية الكاملة للمقاومة لخوض أي حرب قادمة حسب مصادر مطلعة للخنادق.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور