الإثنين 07 تموز , 2025 03:38

سلاح المقاومة بين العقيدة والتهديد

عناصر من حزب الله

في مشهد متكرّر على مدى التاريخ، لا تأتي دعوات نزع السلاح من باب تنظيم الدولة، ولا من باب السيادة، بل غالبًا ما تكون تمهيدًا لنزع السيادة نفسها وتسليم الأرض والشعب والمصير للمستعمر الجديد، هذا ما أثبتته التجارب عبر التّاريخ في مقاومة الاحتلال والاستعمار، وهذا ما جرى مع حركة فتح (كنت قد توسّعت بالسّرديّة في كتاب طوفان الأقصى، عندما طرحت سؤال: لماذا لا تستسلم حماس، فمن أراد التّوسعة فليراجعها هناك) التي سلّمت سلاحها ضمن اتفاق أوسلو 1993، ليُعاد تأطيرها كقوة شرطية في خدمة "التنسيق الأمني". اليوم، تتكرّر الضغوط ذاتها مع حزب الله، ولكن في بيئة إقليمية أكثر اختراقًا، وفي ظل ميزان قوة دولي أكثر توحّشًا.

دعوات نزع السلاح من حزب الله أصبحت تُدار علنًا في أروقة القرار الدّولي، من واشنطن إلى الرياض وباريس، بدفع إسرائيلي مباشر، مستغلين نتائج الحرب في غزّة ولبنان وبين إيران وإسرائيل، وصولاً لانقلاب النّظام السّوري من معادي للصهيونيّة إلى جبهة موالية لها، واختلال خطوط الإمداد بتراجع المحور السوري، لمحاولة فرض تسوية لبنانية تقوم على نزع تدريجي للسلاح بحجج اقتصادية وسياسية.

أولًا: أهمية الاحتفاظ بالسلاح: بُعد عقائدي وعسكري

-1البُعد العقائدي:

منذ بداياته، لم يُبْنَ حزب الله على مبدأ "الكتائب المسلّحة" التقليدية، بل تأسّس على عقيدة إيمانيّة جهاديّة، منبثقة من تعاليم الشّريعة الحقّة، واعتبار السلاح أمانة إلهية لحماية المستضعفين والدفاع عن المقدّسات على أقلّ تقدير وصولاً لقيام دولة صاحب العصر (عج)، وتطبيقاً لآية (وأعدّوا....). في هذا المنظار، السلاح هو تجلٍ عملي للالتزام الديني-التكليفي الذي لا ينتهي بتسوية أو تغيير سياق.

2- البُعد العسكري:

بعد اتفاق الطائف، حُلّت جميع الميليشيات، باستثناء المقاومة (الّتي لم تُصنّف كميليشيا طبعاً)، لأنّها كانت الجهة الوحيدة التي حملت وظيفة تحريرية، لا تقسيمية، وقد أثبت هذا السلاح فعاليته:

- عام 2000 بتحرير الجنوب.

- عام 2006 بصدّ العدوان الإسرائيلي.

- بين 2012–2017 في كسر الإرهاب التكفيري.

وبالتالي، فإن نزع هذا السلاح لا يعني فقط تجريد الحزب من قوته، بل تجريد لبنان من توازنه الداخلي والخارجي، وتحويله إلى بلدٍ مكشوف أمام أطماع العدو.

ثانيًا: سيناريوهات نزع السلاح: قراءة في الفرضيات المحتملة

1- نزع سياسي تدريجي برعاية خارجية: وهذا ما يحاول الأميركي فعله لتجنّب أتون الحرب:

- يُربط السلاح بملف الرئاسة أو الحكومة أو المساعدات الدولية.

- يُدار عبر لجان رقابة دولية وتفاهمات أمنية.

- يفترض إدماج المقاومة في الجيش تحت بند "التنسيق الدفاعي"، وهذه الفرضيّة ليست إلّا خطوة كسر الحاجز وصولاً إلى مرحلة إتلاف السّلاح حتى ضمان عدم بقائه بيد الجيش.

النتيجة المتوقعة: تفكيك بنية المقاومة عبر الزمن، وفقدان المبادرة الميدانية، كما جرى مع فتح بعد أوسلو، وهذا ما ترفضه المقاومة رفضاً قاطعاً، وذلك بسبب المشروع التوسّعي للعدوّ في المنطقة بإمضاء أميركي غربي، سأشرح أكثر:

- العدوّ بعد 7 أكتوبر بدأ بتطبيق الحلم الصّهيوني بالتّوسع الجغرافي والتّركيز على الاندماج أكثر في المجتمع العربي عبر الاتفاقيات الأبراهيمية الّتي روّج لها كثر، واستهدفت سوريا لاحقاً.

- المشروع هو تحقيق الرّواية التوراتيّة ببناء دولة إسرائيل الكبرى، ووصل الأرز بالفرات حسب التّعبير التّوراتي.

- حزب الله يدرك خطورة تسليم السّلاح الإستراتيجي، الّذي يُعتبر عائق أمام الإسرائيلي في تحقيق مشروعه، ستقول لي كيف ذلك؟ أقول: كيف للعدوّ أن يبدأ في تحقيق أهدافه الكبرى ولا زالت الجغرافيا المحاذية تشكّل خطر للعمق الإستراتيجي له، فالمنطق العسكري يقول بدفع الخطر المحاذي قبل دفع الأخطار البعيدة كاليمن والعراق مثلاً.

-تسليم التّرسانة والسّلاح الإستراتيجي يخوّل العدوّ ببدء حملة بريّة موسّعة سأشرحها لك عسكريّاً: إنّ أي خطوة حرب يؤخذ فيها بعين الاعتبار صمود الجبهة الدّاخليّة، وإذا لم يكن لحزب الله ما يهدّد به الجبهة الدّاخليّة الإسرائيليّة فإنّ الضّغط على المستوى السّياسي الكنيستي لن يوجد، ولن يولّد أزمة ثقة بين المستوطن والقيادة السّياسيّة أو العسكريّة بعدم قدرتها مثلاً على تحقيق الأهداف، وهذا ما سيخوّل الجيش الإسرائيلي العمل بأريحيّة دون ضغوطات تُذكر.

- فهم حزب اللّه لخطورة المشروع الصّهيوني يمنعه من تقديم أي تنازلات، بل سيستنهض كلّ شريف في الوطن لخطورة مشروع الاحتلال، ويدعو كلّ من كان يتّهم الحزب باحتكار المقاومة، أنّ هذا الميدان مفتوح لكلّ شريف ولا مجال للاستسلام.

-يدرك حزب الله بأنّ العدوّ يسعى لتغيير ديموغرافي في الجنوب اللّبناني ليمنع من نشوء مقاومات شعبيّة تتطوّر إلى مقاومات إستراتيجيّة مؤثّرة (إمّا تجزير وقتل بإسراف، أو التّهجير الطّوعي)، فهل يسوق حزب الله نفسه إلى مقصلة الإعدام؟

-يدرك حزب الله أنّه لا ضمانات مع العدوّ إلّا السلاح.

فالحلّ الديبلوماسي بعيد جدّاً عن التّطبيق في ظلّ الأهداف الصّهيونيّة الكبرى في المنطقة.

2- نزع قسري: عدوان عسكري إسرائيلي مباشر

- يحاول العدوّ ترويج فكرة استثمار مرحلة الضعف الإقليمي للمحور المقاوم، ليضرب كلّ ساحة لوحدها: مبدأ فصل السّاحات، فيتفرّد بالسّاحة الّلبنانيّة بحسب اعتباره بأنّها هشّة.

- يُنفّذ بغطاء خليجي-دولي.

- يشمل استهداف البنية التحتية العسكرية للحزب في الجنوب والبقاع، إذا كان قد جدّد بنك أهدافه، وسيلجأ لضرب أهداف سبق وضربها لإحداث صخب ناري يزعزع البيئة ويرهبها.

- تحريك الجبهة السّوريّة التّكفيريّة بالتّزامن مع غطاء جوّي يسمح بالتّقدم البرّي.

النتيجة المتوقعة: مواجهة واسعة، لكن الحزب يحتفظ بالقدرة على ضرب العمق الإسرائيلي، رغم ما سيتعرّض له من حملة ناريّة كبيرة، وعلى صعيد الدّفاع فإنّ العقيدة القتاليّة لحزب الله الّتي تأدلج عليها هي الدّفاع، والهجوم في إطار الدّفاع، ومنع العدوّ من التّثبيت في الأرض، والتّجارب تثبت مدى قدرة المقاومة على الدّفاع فعلاً.

مواجهة التّكفيري يكون باندماج البيئة مع الجسم العسكري لتصبح بيئة عسكريّة قادرة على الدّفاع عن قراها ومناطقها، والجغرافيا غير مساعدة للتّكفيري باستدامة قوّاته داخل الأراضي الّلبنانيّة، ما سيعزّز فرضيّة انهياره في حال حاول الدّخول للعمق أكثر.

3- نزع من الداخل: صراع أهلي مموّل خارجيًا

- يُدار عبر أدوات داخلية سياسية وميليشيوية.

- يهدف إلى إرهاق بيئة الحزب، وفصله شعبيًا عن حاضنته.

النتيجة المتوقعة: فوضى داخلية، انهيار للدولة، إعادة تموضع للحزب خارج الإطار الرسمي.

ثالثًا: القدرة العملياتية للمقاومة: بعد سقوط المحور السوري

رغم انكشاف الجبهة السورية، ما زال حزب الله يحتفظ بقدرات قتالية:

- على الجبهة الداخلية: قدرة عالية على المناورة البرية، واستعمال الوحدات المحلية (البيئة الحاضنة)، كما ذكرت في مواجهة التّكفيري.

- على الجبهة الإسرائيلية: بنك أهداف واسع النطاق، قدرات صاروخية تهدّد العمق الإستراتيجي (الكلام ليس من وحي الخيال، بل هو استنتاج منطقي: لو أنّ حزب الله غير قادر على تهديد العدوّ في العمق لماذا هذا الزّخم من الضّغوطات من أجل تسليم سلاحه الإستراتيجي؟ وهل هناك غير التّرسانة الصّاروخيّة قادرة على أن تكشف العمق الإستراتيجي للعدوّ؟ كفانا تبنّي كلام يُدار في ظلمات الإعلام المعادي الّذي يُراد منه تشكيك البيئة بقدرات المقاومة)، طائرات مسيّرة هجومية (الّتي يُراد من حزب الله تسليمها، وكنت قد ذكرت في الدّراسة العسكريّة لأولي البأس مدى فعاليّة المسيّرات في التّصدي لهجوم الخيام، من أراد التّوسعة فليراجع هناك)، الخطوط الدّفاعيّة الخلفية هي مكسر العصا للعدوّ بالفلسفة العسكريّة.

رابعًا: دروس من تجارب تسليم السلاح: حركة فتح نموذجًا

- تحوّلت حركة فتح بعد أوسلو من مشروع مقاومة إلى جهاز تنسيق أمني.

- فقدت المبادرة السياسية، وانقسمت.

- جرى استهداف كوادرها من قبل العدو دون ردّ.

- فُقد السلاح، ففُقدت الوظيفة، وبقيت الحركة دون فعالية.

الرسالة لحزب الله واضحة: من يسلّم السلاح، يسقط سياسيًا وعقائديًا، ويفقد حتى حقّه في الدّفاع عن نفسه.

خاتمة:

يجب التعامل مع ملف نزع السلاح كأخطر الملفات الاستراتيجية التي تواجه المقاومة في لبنان، لأنّه مشروع تصفية شامل.

- ما يعمل عليه حزب الله (رأي شخصي):

1- إفشال أي ربط سياسي أو اقتصادي بالسلاح، وعدم تقديم أي تسوية تمهّد لمأسسة تفكيك المقاومة.

2- رفع الجهوزية القتالية في وعي البيئة على مستوى الحرب الأهلية المصغّرة أو المواجهة مع التّكفيري بقاعاً أو المواجهة المباشرة مع العدو.

3- تفعيل الخطاب الواعي الإعلامي وتوضيح المخاطر لمنع الانفصال بين المقاومة وبيئتها.

4- الخطاب الدّيني الّذي يركز على سرديّة شعبية حول "سلاح البقاء" المتّصل بالإمام (عج)، وعدم حصر السلاح في بعده الحربي فقط.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: ش أحمد علاء الدين




روزنامة المحور