أعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 17 آب / أغسطس أن القوات الأمريكية ستنسحب من قاعدة عين الأسد الجوية ومطار بغداد الدولي في أيلول / سبتمبر 2025. وصرح المتحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد بشكل منفصل لوسائل الإعلام العراقية بعدها بيوم، أن مهمة ما يُسمى بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ستنتقل إلى "شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية" (أي شراكة بين أمريكا والعراق).
هذه التطورات تأتي بعد ترقب لتنفيذ الاتفاق الذي حصل بين الإدارة الأمريكية والدولة العراقية في أيلول / سبتمبر 2024، والذي نصّ على انسحاب مئات من قوات "التحالف الدولي" من العراق بحلول أيلول / سبتمبر 2025، على تنسحب القوات المتبقية بحلول نهاية العام 2026.
انسحاب أم إعادة تموضع
ويرى العديد من الخبراء والمراقبين بأن هذه الأنباء حول انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي من بغداد والأنبار لا تعني انسحابا فعليا من العراق، بقدر ما تعني إعادة تموضع للقوات داخل الأراضي العراقية. فما حصل فعلياً هو انتقال للقوات الأمريكية من قاعدتي عين الأسد وفكتوريا إلى إقليم كردستان العراق وبالتالي هو ليس انسحاباً بل إعادة تموضع ضمن الجغرافية العراقية، والتحركات العسكرية هذه لا تعني مغادرة البلاد بالكامل.
وكان لافتاً قيام قوات التحالف بجمع كميات ضخمة من البنادق والعتاد والأسلحة داخل ساحة ميدان الرمي في قاعدة عين الأسد، لتقوم بعدها بصهر وتدمير كل هذه المعدات، دون تسليمها إلى قيادة عمليات الجزيرة التابعة للقوات المسلحة العراقية، بالرغم من الاتفاق المسبق على تسليمها للاستفادة منها. ووفقاً لمصادر إعلامية عراقية فإن التجهيزات التي تم تدميرها شملت معدات عسكرية ثقيلة ومتوسطة وتجهيزات لوجستية كبيرة. واستخدمت قوات التحالف لصهر الأسلحة والمعدات مواد غير معروفة، وحولتّها إلى ركام معدني.
التدخّل الأمريكي السافر في الشؤون العراقية من العسكر والسياسة الى الاقتصاد
ولا بدّ التأكيد بأن وجود القوات الأمريكية أو ما يُسمى بقوات التحالف الدولي في العراق، لم يقدّم أي دعم حقيقي للقوات المسلحة العراقية، بل كانت في بعض الأحيان تتغاضى عن وجود الأهداف والجيوب التابعة للمنظمات الإرهابية كتنظيم داعش الوهابي الإرهابي. لذلك فإن أي انسحاب لقوات التحالف الدولي أو للقوات الأمريكية من الأراضي العراقية – في حال تم كاملاً – لن يترك فراغاً أمنياً أو عسكرياً يذكر، لأن مهمة حماية الحدود مناطة منذ أعوام بالقوات الأمنية والعسكرية العراقية وفي مقدمتها الحشد الشعبي.
من جهة أخرى، شكّل هذا التواجد العسكري في الكثير من الأحيان، ثغرة أمنية وعسكرية سمحت لكيان الاحتلال الإسرائيلي ولأمريكا بتنفيذ اعتداءات جوية على العراق، لا سيما خلال معركة طوفان الأقصى، حينما فعّلت فصائل المقاومة الإسلامية العراقية جبهة الإسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
ولم يقتصر التدخل الأمريكي على الصعيد العسكري والأمني فقط، بل تعدّاه الى الصعيدين السياسي والاقتصادي بشكل علني ومستمّر، وهو ما يعبرّ عنه من خلال تصريحات السفارة الأمريكية في بغداد أو تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بالإضافة إلى دور الخزانة الأمريكية، وهذه التدخلات تعتبر أخطر من التدخل العسكري بحد ذاته.
لكن ما يدق ناقوس الخطر حول موضوع انسحاب القوات الأمريكية أو قوات التحالف الدولي، هو حديث بعض وسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً عن مؤشرات لعودة نشاط التنظيمات الإرهابية في بعض المحافظات السورية، محذّرة من احتمالية تصاعد الهجمات الإرهابية باتجاه الأراضي العراقية. فهل يعدّ هذا الأمر هو إيذان بإعادة تفعيل واشنطن من جديد لهذه الورقة لكي تحقّق مصالحها؟
فهذا ما حذّر منه منذ أيام، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، حسين العامري، بأن هناك محاولات لإيقاظ الخلايا الإرهابية النائمة في العراق، مشيراً إلى وجود تحركات "أمريكية ـ إسرائيلية ـ تركية" مشبوهة في هذا الإطار. مضيفاً بأن "النشاطات الإرهابية في سوريا تأتي ضمن مشروع يستهدف زعزعة الأمن في العراق مجدداً". ومشيراً بأن القوات الأمنية العراقية " بجميع صنوفها، إلى جانب الحشد الشعبي، قادرة على التصدي لأي محاولات تسلل أو هجمات إرهابية على الحدود العراقية ـ السورية.
الكاتب: غرفة التحرير