الأربعاء 22 تشرين أول , 2025 02:45

هل تورطت تركيا في سوريا وثبتت موطئ قدم لإسرائيل؟

التدخل التركي في سوريا فتح المجال أمام "إسرائيل"

شهدت الساحة السورية الكثير من التدخلات التركية منذ عام 2011 مع اندلاع الثورة ضد النظام السابق. حيث دعمت تركيا المعارضة السورية مالياً وعسكرياً وقدمت ملاذاً للجماعات المسلحة آنذاك. وتوج هذا التدخل بعملية "نبع السلام" 2016 حيث تدخلت تركيا عسكرياً بشكل مباشر لإحراز نفوذ لها في الشمال السوري. وكان حلم إسقاط النظام المتمثل ببشار الأسد أكبر أحلامها. وهكذا بدأ الدعم التركي للجماعات المسلحة مثل "جبهة النصرة" بقيادة أحمد الشرع أبو محمد الجولاني يزداد لتكون بديلاً للنظام القائم. ولكن ما حصل بعد أن حققت تركيا حلمها في سوريا أوضح أن ما رسمته تركيا كان آنياً دون فكرة واضحة عما سيترتب عليه من تداعيات إقليمية. فبعد إسقاط النظام عام 2024 فتح الباب أمام "إسرائيل" وأعطيت فرصة أكبر للتحرك بحرية على الأرض السورية، مستغلة الفراغ الأمني الذي تركه التدخل التركي.

انقلاب السحر على الساحر

على الرغم من أن تركيا سعت إلى زيادة نفوذها في الشمال السوري والمناطق الحدودية، إلا أن تدخلها كشف تناقضاً واضحاً في استراتيجيتها. فالدعم التركي لجماعات مسلحة لم يخلق بديلاً للنظام فحسب، بل أضعف القدرة على احتواء التدخلات الإسرائيلية. تركيا، التي كانت تأمل بتوسيع مناطق نفوذها، وجدت نفسها في موقف ضعيف أمام حركة إسرائيلية سريعة وفعالة، أظهرت أن النفوذ التركي ليس فعالاً وحده للسيطرة على المشهد السوري المعقد. بهذا المعنى، شكل التدخل التركي أداة غير مباشرة فتحت المجال أمام الكيان.

حيث استغلت "إسرائيل" الفراغ الذي أحدثه التدخل التركي بسرعة. وسيطرت على مناطق جنوب سوريا وحافظت على وجود أمني في مناطق استراتيجية، مستفيدة من الانقسامات الداخلية ومن ضعف الرقابة على الحدود. كما قامت بعد ساعات قليلة من سقوط النظام بشن غارات واسعة تستهدف فيها كل المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري. كما استهدفت الغارات مناطق مثل دمشق والمزة، خوفاً من استخدام هذه الأسلحة والمقرات ضد الكيان ولإضعاف أي قدرة تركية محتملة على التأثير في مناطق نفوذها.

قبل التدخل التركي، حافظ النظام السوري على سياسة متشددة تجاه كيان الاحتلال، ومنع أي علاقة أمنية أو تعاون معه. وقد كان النظام السوري حينها النظام العربي الوحيد الذي أعلن معاداته بوضوح للكيان، وقد شكّل هذا حاجزاً أمام أي اختراق أمني إسرائيلي داخل الأراضي السورية. لكن سقوط النظام أدى إلى تغير كامل في هذا الجو، وفتح مجالاً لتحركات إسرائيلية لم تكن ممكنة سابقاً، ما جعل "إسرائيل" تستغل الجنوب السوري، وتسيطر على مناطق استراتيجية مباشرة، مع دعم بعض الأقليات السورية لها مثل الدروز لإبقاء النفوذ التركي والسوري محدوداً. لذا فالتدخل التركي لم يمنع "إسرائيل" من التحرك، بل ساعد بشكل غير مباشر على تهيئة الظروف لاحتلالها المستمر للأراضي السورية.

احتمال الصدام التركي الإسرائيلي

الوجود الإسرائيلي الذي يمتد كل يوم أكثر في سوريا يضع تركيا في موقف ضعيف ويزيد من احتمال صدام المصالح بين الطرفين، خصوصاً في المناطق الحدودية أو شمال سوريا حيث النفوذ التركي الأكبر. حتى الآن، يبدو أن "إسرائيل" تحاول تجنب المواجهة المباشرة مع القوات التركية داخل الأراضي السورية، مركزة على تحييد النفوذ التركي في المناطق الاستراتيجية. لكن استمرار هذه الوضعية يضع تركيا أمام معضلة، إما الاحتفاظ بتواجد محدود وفقاً لما يمليه الاحتلال، أو الانسحاب الكلي لتجنب تصعيد محتمل، أو خوض المواجهة من أجل الحفاظ على ما عملت تركيا عليه لسنوات وجاء بنتائج مخالفة للتوقعات. ووفقاً لما نشره موقع ألما العبري اليوم: "بعد عشرة أشهر من سقوط نظام الأسد، تسعى سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع إلى إعادة بناء نفسها، ويدور الصراع الحقيقي حول من سيستثمر ومن سيسيطر. حيث تقود تركيا وقطر والسعودية "سباق الذهب" لإعادة الإعمار. كلٌّ منها يسعى إلى تشكيل دمشق على صورته الخاصة، بين الإسلام السياسي والبراغماتية الاقتصادية والرغبة في كبح النفوذ الإيراني. وهذا الهلال السني الجديد (قطر - تركيا) لا مؤيد لإسرائيل ولا مؤيد للغرب".

رغم أن تركيا دخلت سوريا بهدف تعزيز نفوذها وفرض حضور استراتيجي، فإن التدخل تحول سريعاً إلى عبء أكثر من كونه مصدراً للربح. فالعمليات العسكرية المكلفة في الشمال السوري، بالإضافة إلى النفوذ الإسرائيلي المتزايد في الجنوب، جعلت من الاستراتيجية التركية مصدر ضغط دائم. داخلياً، أثار التدخل انتقادات سياسية واقتصادية، نظراً لتكاليفه المرتفعة وعدم تحقيق أهداف واضحة. إقليمياً، تركيا وجدت نفسها مقيدة في تحركاتها بسبب تعقيدات التعامل مع "إسرائيل" وروسيا والولايات المتحدة، ما حد من قدرتها على فرض نفوذها بشكل كامل. بهذا المعنى، التدخل التركي لم يحقق سوى مكاسب محدودة محلياً، لكنه على مستوى الاستراتيجية الإقليمية أصبح أكثر تكلفة ومجازفة مستمرة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول جدوى استمرار هذه السياسة على المدى الطويل.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور