الجمعة 03 تشرين أول , 2025 03:41

السيد صفي الدين: قلب الحزب وعقله

شهدت زيارات السيد هاشم لمختلف المناطق اللبنانية على تمسكه بالناس وحقوقهم

في ذكراه الأولى، لا بد من الإضاءة على بعض من سمات وصفات الرفيق الذي لازم الشهيد السيد نصر الله في مراحل المقاومة، حيث كان السيد هاشم صفي الدين عوناً له في المحطات ومشرفاً على مختلف الجبهات وقائداً يمكن الاعتماد عليه في الإدارة التنفيذية على الأرض. ونظراً لمؤهلاته عين السيد صفي الدين خلفاً للسيد نصر الله بعد استشهاده في أيلول 2024، قبل أن ينال هو نفسه شرف الشهادة بعد أيام قليلة في تشرين الأول 2024. مسيرة السيد صفي الدين اتسمت بكونها لوحة متكاملة تجمع بين مختلف الأبعاد والقيم والإدارة الحكيمة ما جعل منه شخصية بارزة في مسيرة المقاومة.

تعود جذور العلاقة بين السيد هاشم ورفاقه في حزب الله إلى الثمانينيات في منطقة الشياح. تقلّد السيد هاشم مناصب عدة، من نائب مسؤول منطقة بيروت إلى مسؤول منطقة الجنوب، وصولاً إلى رئاسة المجلس التنفيذي في حزب الله. هذه التجربة المتراكمة أرسى فيها أساس القيادة القائمة على المسؤولية والمعرفة، مع استمرار الانخراط في العمل الجهادي والميداني.

لقد كان السيد الشهيد رجلاً ذا فطنة وذاكرة نادرة وقدرة إداريّة فائقة، كما وصفه من عرفه عن قرب. الجمع بين الجدية في العمل والرفق بالناس، القدرة على اتخاذ القرار الحاسم، والاهتمام العميق بالكوادر ومجتمع المقاومة، هي ما جعله قائداً قريباً من الناس ومحبوباً لدى الجميع. لم يقتصر اهتمامه على طائفة واحدة، بل امتدّ إلى مختلف الطوائف والمناطق اللبنانية، مدركاً أن خدمة الناس واجب ومسؤولية تتجاوز الحدود المذهبية.

الإنسان في قلبه: مهما كانت هويته

شهدت زيارات السيد هاشم لمختلف المناطق اللبنانية على تمسكه بالناس وحقوقهم، كما في زيارته حي السلم في 10 كانون الثاني/ ديسمبر 2021، حيث التقى بأهالي مجتمع المقاومة، مؤكداً لهم: "سنخدمكم بأشفار عيوننا"، مكرراً كلمات السيد عباس الموسوي التي اعتادت المقاومة على سماعها. أثناء الجولة، دخل السيد هاشم البيوت، جلس مع الناس، شاركهم القهوة، واستمع إلى همومهم، متجسّداً في سلوكياته التواضع والرحمة التي تشبه صفات الأنبياء.

كذلك حضوره الدائم في مطبخ مائدة الإمام زين العابدين لإعداد وجبات الإفطار في شهر رمضان المبارك في برج البراجنة، حيث كان يؤكد سماحته بحزم: "ممنوع أن يجوع أحد"، وأخذ على عاتقه هذه المسؤولية الكاملة لضمان وصول المساعدات لأكثر من 29 ألف عائلة يومياً، مع الحرص على تقديم أجود أنواع الطعام، دون أي تفرقة.

علاقة استثنائية مع السيد حسن نصر الله

لقد جمعت السيد هاشم علاقة وطيدة وعملية عميقة مع السيد نصر الله، حيث كان يرى فيه نموذج القائد الذي يجدر به الاتباع والوقوف في صفه، ونظراً لحجم الثقة التي وضعها السيد فيه تم تكليفه بمتابعة الملفات الجهادية وشارك في العديد من اجتماعات لمناقشة أوضاع الجبهة لا سيما خلال معركة إسناد غزة 2023.

العالِم العامل والمفكر المقاوم

لم يكن السيد الشهيد مجرد مسؤول تنظيمي، بل كان عالماً وواعظاً، غاص في العلم والفقه والعرفان، ومشروعه الفكري امتدّ إلى شرح نهج البلاغة ومؤلفات أخرى لم تُنشر بعد. لقد اعتبر الثقافة والمعرفة جزءاً أصيلاً من مشروع المقاومة بل هم أساس تطورها، لا نشاطاً جانبياً، فكانت رؤيته تجمع بين الفكر والعمل، العلم والجهاد، والفكر السياسي الواعي.

ترك السيد هاشم إرثاً لا يُحصى، من اهتمامه بحل القضايا التي يعاني منها المجتمع اللبناني كافة، سواء في الشأن الاجتماعي والثقافي. ليمتد حضوره أيضاً إلى ميادين الجهاد والقيادة الميدانية، حيث كان يُشارك المجاهدين، يتابع تفاصيل المهام، ويضمن سير المقاومة بكفاءة عالية.

كان السيد هاشم يحفّز ويشرك الجميع في المسؤولية، ويعطي الاهتمام الشخصي لكل فرد، سواء كان فقيراً أو شهيداً، صغيراً كان أو كبيراً، دون أي انزعاج من المسؤولية الكبيرة. فكان قائداً للعقول والقلوب. ما رسخ سيرته منهاجاً للقيادة الأخلاقية والإنسانية.

في الذكرى الأولى لاستشهاده، يبقى السيد هاشم صفي الدين رمزاً للقيادة المتواضعة، العادلة، والرحيمة، التي تجمع بين الفكر العميق والعمل الجهادي، بين الروحانية والمسؤولية العملية. ارتقى شهيداً في سبيل القضية التي أحب وهو يخدم مجتمعه من مكان قيادته للحرب ضد العدو الإسرائيلي. وترك خلفه إرثاً كبيراً، يضيء درب المقاومة ويزرع فيهم حب الناس والأرض.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور