الإثنين 06 تشرين أول , 2025 02:03

ردّ حماس يقلب الطاولة: كيف حوّل الردّ ميزان الحرب والسياسة في "إسرائيل"؟

نتنياهو ولابيد والكنيست الإسرائيلي

في أعقاب الرد الذي أصدرته حركة حماس في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025 على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب على قطاع غزة، شهد المشهد السياسي والإعلامي داخل الكيان الإسرائيلي حالة من الارتباك والانقسام غير المسبوق. فقد شكّل الردّ لحظة تحوّل في مسار الصراع، إذ لم يعد السؤال المطروح يتعلق بمدى استمرار الحرب، بل بمن يملك زمام المبادرة: هل هو نتنياهو الذي بنى استراتيجيته على "التفاوض تحت النار"، أم ترامب الذي فاجأ الجميع بمطالبته بوقف فوري للغارات واعتبار رد حماس "فرصة حقيقية" لإنهاء الحرب؟

كشفت وسائل الإعلام العبرية - مثل القناة 12، وإذاعة الجيش، وموقع "والا"، وصحيفة "معاريف" - عن انقسام واضح داخل المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل. فمن جهة، أبدت الأجهزة الأمنية ميلاً براغماتياً، ورأت في رد حماس فرصة لاسترداد الأسرى وإنقاذ الموقف قبل الانهيار الكامل للثقة الشعبية بالحكومة. ومن جهة أخرى، تمسك نتنياهو بخطاب التشدد، واعتبر الردّ "رفضاً مقنّعاً"، محاولاً الحفاظ على صورته كزعيم لا يلين في وجه "الإرهاب".

هذا الانقسام تجلى في أربع اتجاهات رئيسية داخل الخطاب الصهيوني. الاتجاه الأول هو التحول في الموقف الأميركي، حيث أكدت القناة 12 أنّ ترامب فرض وقفاً فورياً للغارات، منهياً بذلك مبدأ "التفاوض تحت النار" الذي طالما تمسك به نتنياهو. الاتجاه الثاني هو دعم المؤسسة الأمنية للمفاوضات، إذ أوضحت تقارير عسكرية أن الردّ يفتح مساراً عملياً للتوصل إلى اتفاق، ودعت إلى استثمار الفرصة لإعادة المختطفين. الاتجاه الثالث تمثل في انقلاب الطاولة على نتنياهو، بعدما كشفت قناة "كان" و"أكسيوس" أن الأخير فوجئ بموقف ترامب الذي خالف توقعاته ودفعه لتقليص النشاط العسكري وإيقاف عملية احتلال غزة مؤقتاً. أما الاتجاه الرابع فكان استغلال المعارضة الإسرائيلية للفرصة، إذ أعلن يائير لابيد دعمه لصفقة ترامب ودعا الحكومة إلى المشاركة في النقاشات، مستهدفاً عزل نتنياهو سياسياً.

وفي قراءة أعمق للمواقف الصهيونية، أشار موقع "والا" إلى أنّ حماس تمارس "خدعة تكتيكية" لشراء الوقت، معتبرًا أنّ ردها الذي دعا لمفاوضات جديدة حول التفاصيل، ليس سوى محاولة لربح جولة إضافية من الزمن السياسي. أما المراسلة دافنا ليل من القناة 12، فوصفت التطور بأنه "يحقق للخطر الأكبر على إسرائيل"، إذ أجبر ترامب تل أبيب على الامتناع عن إطلاق النار خلال المفاوضات، ما يناقض عقيدتها العسكرية. وفي السياق نفسه، رأت قناة "كان" أنّ قبول ترامب برد حماس مثّل إحراجًا دبلوماسيًا لإسرائيل، لأنّ العالم بات يرى في رد حماس "انفتاحاً إيجابياً"، ما أفقد تل أبيب قدرتها على الادعاء بأنّ الرد مرفوض. هذا الموقف، بحسب القناة، يعد "نصراً تكتيكياً للعرب".

أما القناة 12 و"أكسيوس" فأشارتا إلى وجود فجوة عميقة بين القيادة السياسية والمستوى التقني في إسرائيل. فبينما أصرّ نتنياهو على رفض الرد، اعتبرته الأجهزة الأمنية فرصة واقعية يمكن استثمارها لتفادي مواجهة مفتوحة وغير محسوبة. وفي المقابل، حاولت إسرائيل تقليد تكتيك حماس عبر إصدار بيان "إيجابي" لفظيًا، دون التزام فعلي بأي خطوة، لتبدو وكأنها لا ترفض الصفقة لكنها تحتفظ بحرية المناورة.

تنوّعت التعليقات الإسرائيلية في وسائل الإعلام، لكنها التقت عند قاسم مشترك: أن ترامب هو من أمسك بزمام المبادرة. فقد تساءلت القناة 12 عن مضمون موافقة حماس، وأشارت إلى أن الحركة وافقت على إطلاق سراح جميع المختطفين -أحياءً وأمواتًا- وفق صيغة ترامب، مع استعدادها لتسليم إدارة غزة لهيئة مستقلة. لكنّ المعلقين أشاروا إلى أن حماس تطلب جولة جديدة من المفاوضات لتحديد آليات التنفيذ، ما يضع القرار في يد ترامب وحده. موقع "والا" بدوره حذّر من أن حماس "ترمي الكرة في ملعب الرئيس الأميركي"، معتبرًا أن الأخيرة تراهن على وقوع ترامب في "فخ المفاوضات المتكررة". بينما كتب الصحفي أمير بحبوط أنّ ترامب "يحتفل كما لو أنّ حماس وافقت كلياً، وهذا غير صحيح".

القناة 14 العبرية رأت أنّ الرئيس الأميركي "وقع في فخ بيان حماس" حين دعا إسرائيل لوقف الهجمات، فيما شددت القناة 12 على أنّ الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ بدء الحرب لا تقبل بمبدأ التفاوض تحت النار. وأشارت دافنا ليل إلى أنّ هذه هي الخطوة التي طالما خشيتها إسرائيل، إذ تُلزمها بتهدئة غير مرغوبة. أما محمد مجادلة من القناة نفسها، فقال إن تصريح ترامب جاء مناقضاً تماماً لرغبة نتنياهو، وإن الطاولة "انقلبت رأساً على عقب".

في الوقت نفسه، حرصت المعارضة الإسرائيلية على استثمار اللحظة. فقد صرّح لابيد بأن على إسرائيل "الانضمام فوراً إلى النقاشات التي يقودها ترامب"، مؤكداً أن الصفقة تمثّل فرصة نادرة للإفراج عن الأسرى وإنهاء الحرب. أما صحيفة معاريف فأشارت إلى أنّ نتنياهو أصيب بصدمة من إعلان ترامب، وأنّ القيادة الإسرائيلية التزمت الصمت بينما رحّب لابيد بالخطوة. وبحسب قناة "كان"، فإنّ هذا الموقف الأميركي الجديد شوّه صورة إسرائيل دولياً بعد أن كانت تراهن على إظهار حماس كطرف رافض.

ختاماً، بدا واضحاً أن رد حماس أعاد رسم خريطة الصراع السياسية والإعلامية، فانتقل مركز الثقل من تل أبيب إلى واشنطن، ومن المبادرة العسكرية إلى التفاوض السياسي. وبينما تحاول إسرائيل إعادة ضبط خطابها الداخلي لتفادي الانقسام، تبدو المؤسسة الأمنية أكثر استعداداً للانخراط في تسوية تضع حدّاً لحربٍ استنزفت الجميع. أما ترامب، فقد وجد في رد حماس فرصة لإعادة تثبيت نفوذه في الشرق الأوسط، في حين تحاول تل أبيب أن تتجنب الإقرار بأنها فقدت زمام المبادرة أمام حركة محاصرة، نجحت مجدداً في إعادة قلب المعادلة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور