الثلاثاء 07 تشرين أول , 2025 12:22

عامان على "طوفان الأقصى": الأمراض النفسية للجيش الاسرائيلي تنذر بأزمة

(الشرطة الاسرائيلية)

تشهد إسرائيل، بعد عامين من حربها على قطاع غزة، أزمة غير مسبوقة على صعيد الصحة النفسية لجنودها، لا سيما من خاضوا جولات القتال المباشرة في الميدان. فقد أظهرت دراسة أعدتها صحيفة واشنطن بوست أن حالات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي ارتفعت إلى مستويات قياسية، ما يعكس عمق الأزمة النفسية التي يواجهها الجيش، والتي بدأت تتخطى حدود المعسكرات العسكرية لتطال الشارع الإسرائيلي بأكمله.

أول ما يلفت الانتباه هو الأرقام الرسمية وغير الرسمية حول تأثير الحرب على الجنود. إذ تم قبول أكثر من 11,000 جندي في برنامج إعادة التأهيل النفسي التابع لوزارة الحرب، في حين يُعتقد أن عشرات الآلاف يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة دون الاعتراف بهم أو تلقي العلاج. حالات الانتحار تضاعفت مقارنة بالحرب السابقة على غزة عام 2014، مع تسجيل 37 حالة على الأقل منذ اندلاع النزاع الأخير، ما يعكس هشاشة المنظومة العسكرية في التعامل مع الأبعاد النفسية للصراع.

تجارب الجنود تعكس حجم الصدمة المتأصلة. فالجندي الاحتياطي أمير لورش، الذي خاض المعارك في ممر نتساريم جنوب غزة، صرح بأن الصور الدموية للجثث المشوهة والمتفحمة طاردته حتى في حياته اليومية، مع صعوبة النوم والغضب المستمر وفقدان الرغبة في العيش. هذه الشهادات تكشف أن أثر الحرب يمتد إلى ما بعد العودة إلى حياتهم، إذ يواجه الجنود صراعاً داخلياً بين طبيعة مهنتهم العسكرية ومشاعرهم، مع شعور مستمر بالانعزال وعدم الانتماء، وهو ما يزيد من احتمال الانتحار.

في السابق، كان الحديث عن اضطراب ما بعد الصدمة في إسرائيل يُعد "تابو"، لكن الحرب الأخيرة حوّل القضية إلى ملف عام. البرلمانات والجلسات الاستماع باتت تتناولها، كما أصبحت محور تغطية إعلامية واسعة. غير أن التحديات لا تقتصر على الاعتراف الإعلامي والسياسي، بل تشمل نقص الخبرة الطبية المتخصصة، ما يؤدي إلى فشل العديد من الأطباء في التعرف على العلامات المبكرة للاضطراب، وترك عشرات الآلاف من الجنود دون علاج.

أكثر الجنود عرضة للخطر هم من الاحتياط، إذ يُستدعون مجدداً أثناء تلقي العلاج، ليعودوا إلى مشاهد الدمار التي سببت صدمتهم الأصلية. مثال على ذلك هو إيليران مزراحي، قائد وحدة جرافة احتياطية، الذي أقدم على الانتحار قبل أيام من إعادة انتشاره، بعد أن أظهر أعراضاً حادة لاضطراب ما بعد الصدمة، ما يسلط الضوء على الإخفاقات النظامية في حماية الجنود بعد الخدمة.

الاستجابة الرسمية بدأت تتخذ شكلاً أكثر جدية، إذ شرع الجيش في إرسال معالجين نفسيين إلى غزة لأول مرة، وتوسيع تدريب الجنود على الإسعافات النفسية الأولية تحت النار، وتشغيل خطوط ساخنة للإبلاغ عن حالات الانتحار. في الوقت ذاته، ظهرت مبادرات مدنية متقدمة، مثل مزرعة العلاج وبرامج التدمج النفسي باستخدام العلاج بالحديث، العلاج بمساعدة الخيول، ركوب الأمواج، العمل الزراعي، وحمامات الجليد، والتي تهدف إلى تزويد الجنود بمهارات إدارة أعراض الصدمة. مشروع "مجموعة إيكار" يسعى الآن لرسم خريطة لهذه البرامج ودمجها لتعظيم فعاليتها، في محاولة لتقديم نموذج متكامل للرعاية النفسية للجنود.

تداعيات هذه الأزمة تتجاوز الجيش لتطال الشارع الإسرائيلي، إذ يعرف كثيرون شخصاً واحداً على الأقل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. التحدي الأكبر يكمن في القدرة على دمج هذه الرعاية ضمن النظام العسكري دون المساس بالكفاءة القتالية، وفي الوقت نفسه توفير الحماية النفسية والاجتماعية للجنود العائدين، وضمان معالجة الانتحار.

تُظهر هذه الأزمة أن استراتيجية إسرائيل العسكرية في غزة، على الرغم من النجاح التكتيكي، خلقت ثغرة كبرى في الصحة النفسية للجنود، وهو ما يفرض إعادة النظر في كيفية إدارة الصراع ومعالجة تداعياته الإنسانية على مقاتليها. في كيان صغير لا يتجاوز عدد مستوطنيه السبعة ملايين نسمة، فإن تأثير هذه الأزمة لا يقل أهمية عن تأثيرها المباشر على الجيش نفسه، لكن ماذا لو لم تنتهي هذه الحرب قريباً؟ خاصة وأن نتنياهو يلوح بفتح جبهات من أخرى مرة جديدة وهي أثبتت حجم الضرر الذي تحدثه في كل مرة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور