يتعمق يوسي يهوشوع في هذا المقال الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، في مشاكل جيش الاحتلال الإسرائيلي العميقة، خاصةً في المجال البشري لناحية تراجع الحافزية لدى الضباط والجنود، أم لناحية النقص الكبير في عديده. وكشف يهوشع بأن الجيش الإسرائيلي اليوم ينقصه 15 ألف مقاتل وعنصر دعم قتالي، لتلبية التحديات المستمرة في غزة ولبنان وسوريا والضفة (21 كتيبة). مشيراً الى أن كل ذلك يحدث بينما لا يزال الجيش يعوّض مخزونه، يحاول سد فجوات هائلة، ويستعد للجولة المقبلة. ومبيناً بأنه لا حاجة لشرح مفصّل لفهم أن القوة التي بناها الكيان عبر سنوات لم تكن ملائمة لحرب متعددة الجبهات. وأنه على مدى عقود، بنت إسرائيل جيشاً موجهاً لحرب قصيرة، بحسم سريع، وهدوء نسبي في الجبهات الثانوية.
أما اللافت فهو ما كشفه بهوشع بأنه رغم وقف إطلاق النار "النظري" في كل الجبهات، فإنه في هذا الأسبوع حطّت في فلسطين المحتلة الطائرة رقم 1000 ضمن الجسر الجوي العسكري، وسبقها وصول 150 سفينة إمداد، وأن هذا لا يدل على قوة التحالف مع أمريكا، بل حجم الفجوات لدى إسرائيل. وبالتالي فإن الاستعدادات الإسرائيلية قائمة على قدم وساق، تحضيراً لجولات اعتداء عسكري أخرى.
النص المترجم:
هناك تراجع حاد في الاستعداد لمتابعة الخدمة الدائمة، وازدياد في مستوى الاحتراق النفسي لدى الضباط وضباط الصف، وموجة استقالات تُصيب مباشرةً النواة المهنية التي يُفترض أن تقود الجيش إلى الأمام.
يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم واحدة من أخطر الأزمات منذ تأسيسه—وأزمتُه لا تبدأ ولا تنتهي في ميادين القتال. الأزمة الحقيقية تكمن في الإنسان. بهدوء، وتحت رادار الاهتمام العام، تتشكّل واقعة مقلقة: تراجع حاد في الرغبة بالاستمرار في الخدمة الدائمة، ازدياد الاحتراق النفسي لدى الضباط وضباط الصف، وموجة استقالات تضرب قلب الجسم المهني الذي يُفترض أن يحمل الجيش إلى المستقبل.
وفقاً للمعطيات الداخلية، انخفضت الرغبة في الخدمة الدائمة بين الضباط في رتبة رائد من 58% إلى 37% خلال سنوات قليلة. أما بين ضباط الصف الدائمين فالاتجاه مشابه—من 83% إلى 63%. وحتى في بدايات الخدمة الدائمة، حيث يُفترض أن تكون الضربة أخف، هناك تراجع ثابت: من 44% إلى 38% بين ضباط الصف، ومن 28% إلى 25% بين الضباط. إلى جانب ذلك، تُظهر استطلاعات معمّقة ارتفاعاً حاداً في الاحتراق النفسي: 18% بين عقداء، و5% بين روّاد. أما الرقم الأكثر إثارة للقلق فهو أن 11% من المستقيلين طوعياً هم تحديداً أفضل العناصر أداءً. هذا ليس مجرد اتجاه—بل ضربة مباشرة إلى قلب المنظومة.
الشرخ يظهر أيضاً على الأرض. جنود وقادة يتحدثون عن تراجع دعم العائلات، وأعباء عمل غير مُعالجة، وشعور بالتخلّي لدى عناصر الدعم القتالي والجبهة الداخلية. يقول مسؤول كبير في شعبة القوى البشرية: “من يخدمون شعروا بأن التقدير لم يكن كافياً. تراكم هائل للأعباء، وقرارات المحكمة العليا حول سنوات الخدمة، والأضرار في المعاشات، وعدم الاستقرار—كلها تخلق إحباطاً وتضرب الدافعية".
في الوقت نفسه، يحتاج الجيش اليوم إلى 7500 مقاتل إضافي وعدد مشابه من عناصر الدعم القتالي لتلبية التحديات المستمرة في غزة ولبنان وسوريا والضفة (21 كتيبة)—ولا يوجد من أين يأتي بهم. "قانون التهرب من التجنيد"، الذي قُدّم كحل، ليس سوى خدعة كبيرة. رئيس لجنة الخارجية والأمن، بوعاز بيسموت، ادّعى أن نصف الحريديم غير الدارسين في اليشيفوت سيلتحقون خلال 5 سنوات. لكن الأرقام تنسف كلامه: من أصل 14 ألف شاب حريدي، هناك نحو 7 آلاف غير دارسين، ومنهم تجنّد هذا العام 2900—قبل الوصول حتى لخمسة أعوام.
الاقتراح بالاعتراف بخدمة منظمة "زكا" كـ"خدمة عسكرية" سيُنتج قفزة صناعية، كواجهة مضلّلة تُخفي عمق الأزمة. حتى عندما تكون شرائح في المجتمع الإسرائيلي مستعدة جزئياً للتخلي عن تجنيد طلاب التوراة، فإن القيادة الحريدية لا تتنازل عن الإعفاء الكامل. أما الجيش؟ فهو على الحافة.
معدّل عدم التجنيد بين النساء يقترب من 50%، ونسبة التسرب خلال الخدمة مرتفعة جداً (15%)—وهذه أيضاً تتطلب معالجة جذرية.
النقطة المضيئة الوحيدة هي الارتفاع المتواصل في دافعية الشباب للخدمة القتالية. صحيح أن الجيش ينجح في إعادة عشرات الآلاف من قوات الاحتياط، لكن لا يمكن بناء مستقبل الجيش على الاحتياط. المنظومة تحتاج إلى كتلة كبيرة من المقاتلين النظاميين، وقادة وضباط صف ذوي جودة يبقون في الخدمة الدائمة. بلا ذلك، لا جيش.
كل ذلك يحدث بينما لا يزال الجيش يعوّض مخزونه، يحاول سد فجوات هائلة، ويستعد للجولة المقبلة. لا حاجة لشرح مفصّل لفهم أن القوة التي بنتها الدولة عبر سنوات لم تكن ملائمة لحرب متعددة الجبهات. المشكلة ليست مالية فقط، بل ذهنية. على مدى عقود، بنت إسرائيل جيشاً موجهاً لحرب قصيرة، حسم سريع، وهدوء نسبي في الجبهات الثانوية. ثم جاءت الحقيقة—ولم تُشبه أيّاً من السيناريوهات. من بنى استعداد الجيش لحرب تستمر شهراً أو ستة أسابيع وجد نفسه أمام سنتين أو أكثر من القتال.
هذا الأسبوع حطّت في إسرائيل الطائرة رقم 1000 ضمن الجسر الجوي العسكري، وسبقها وصول 150 سفينة إمداد. ويجب فهم معنى ذلك: إسرائيل خاضت حملة ضخمة وهي تعتمد على جسر بحري وجوي لم يُشهد مثله منذ سنوات. وهذا لا يُظهر قوة التحالف الأميركي فقط، بل حجم الفجوات.
نعم، فشل الجيش في 7 تشرين الأول. ليس الجنود، بل القيادة العليا. حصل ذلك بفعل فشل منظومي في قمة الهرم القيادي والشاباك، اللذين يواصلان التهرب من تقديم تقارير وتفسير حقيقي للجمهور. لكن حتى لو تصرف الجيش بشكل مختلف، فإن السياسة التي دُفع ثمنها—ما لا يقل عن 70 مليار شيكل سنوياً—لم تكن كافية أمام الهجوم المنسق الذي خطط له حزب الله وإيران، ولاحقاً حماس والضفة.
وكان التهديد معروفاً. الجيش حذّر منه قبل أشهر من تشرين الأول / أكتوبر 2023. رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي عرض تحذيرات من حرب ثالثة مع لبنان، لكن فعلياً لم تتغير الجهوزية في الشمال رغم مطالب واضحة من القادة على الأرض، مثل قائد فرقة الجليل آنذاك وقائد الجبهة الداخلية حالياً، اللواء شاي كلبر.
هنا يدخل المستوى السياسي والمالي. بدل مواجهة الواقع، تواصل وزارة المالية حملتها حول "أيام الاحتياط المسرفة". نعم، كان هناك استخدام مفرط، بل فاسد، لأيام الاحتياط—ويجب إصلاحه. لكنه ليس القضية الكبرى ولا المشكلة المركزية.
من صاغ بناء قوة الجيش عبر السنوات هو المستوى السياسي: وزراء الدفاع ورؤساء الحكومات الذين صادقوا وكرّسوا واستمروا في اعتماد ميزانيات منخفضة جداً، وسيناريوهات مرجعية متفائلة جداً، وقوات ضعيفة جداً. كانوا يعلمون كل شيء. رأوا الأرقام. ورغم ذلك بنوا جيشاً غير ملائم للتهديد.
التحدي الأكبر لإسرائيل في الحروب المقبلة لن يكون فقط عدد الطائرات أو الصواريخ الاعتراضية أو الدبابات. كل ذلك مهم، لكن لا قدرة تكنولوجية تصمد من دون أشخاص يُشغّلونها. أزمة القوى البشرية في الجيش هي قضية استراتيجية—ليست عملياتية، ولا هامشية، ولا “أمراً إضافياً يجب إصلاحه”. جيش لا يستطيع الاحتفاظ بضباطه، ولا تجنيد مقاتلين، ولا استيعاب عدد كافٍ من النساء، ويعتمد على الاحتياط بلا عمود فقري نظامي—لا يمكنه أن ينتصر في حرب متعددة الجبهات. هذه هي الحقيقة.
وهنا يُقاس معنى القيادة الوطنية: ليس بالتصريحات، ولا بالمنشورات، ولا بنقاشات أيام الاحتياط. بل بفهم بسيط واحد:
من دون رأس مال بشري لا يوجد جيش.
المصدر: يديعوت أحرونوت
الكاتب: غرفة التحرير