الإثنين 24 تشرين ثاني , 2025 03:38

حركة العقاب من أجل العدالة: أموال مقابل رؤوس الصهاينة

موقع مجهول يعرض أموالاً مقابل معلومات عن إسرائيليين

في خضم الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزة، ظهر موقع إلكتروني غامض يحمل اسم "حركة العقاب من أجل العدالة"، ليضع "إسرائيل" أمام قائمة طويلة من الأكاديميين والعلماء العاملين في مراكز بحثية إسرائيلية، مرفقة بصور وبيانات شخصية ومكافآت مالية مقابل الوصول إليهم أو تعطيل نشاطهم. الموقع لم يستمر طويلاً قبل أن يُحظر، ولكن أثره الإعلامي والسياسي كان كافياً ليُحدث ضجة غير مسبوقة في الداخل الإسرائيلي، ويدفع المسؤولين الأمنيين والأكاديميين إلى القلق على حياتهم.

ورغم أن الإسرائيليين سارعوا إلى وصف ما جرى بأنه "تصعيد خطير"، فإن النقاش الحقيقي يتجاوز المحتوى نفسه، ليطرح سؤالاً أساسياً: لماذا يصبح هذا السلوك خطيراً وغير مقبول عندما يطال إسرائيليين، بينما تمارسه الولايات المتحدة منذ عقود تحت عنوان "مكافآت من أجل العدالة"؟ ويعتبر عملاً في قمة الأخلاق.

دور الأكاديميين في الحرب على غزة

لطالما مثّلت الجامعات الإسرائيلية جزءاً محورياً من المنظومة الأمنية، إذ يرتبط عدد كبير من أساتذتها ومختبراتها ببرامج تطوير الأسلحة المتقدمة، من تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة القتالية والمسيّرات. وخلال الحرب على غزة ولبنان، تعاظمت الأسئلة حول دور هذه المؤسسات في إنتاج التكنولوجيا التي يعتمدها جيش الاحتلال في ضرب الأبراج السكنية واستهداف المدنيين والاغتيالات. حيث أكدت الباحثة الإسرائيلية مايا ويند لقناة الجزيرة "الدور العميق الذي تمارسه الجامعات الإسرائيلية في ترسيخ المشروع الاستعماري الصهيوني".

من هنا، فإن ظهور موقع يضع أسماء علماء إسرائيليين ويضعهم في واجهة الاتهام ليس عبثياً، خصوصاً بعدما تصاعدت في الخارج الأصوات التي تربط بين الأكاديميين الإسرائيليين وآلة الحرب العسكرية للاحتلال.

موقع يربك "إسرائيل"

الموقع الذي انتشر لساعات قليلة فقط نشر قوائم تحت مسمى "أهداف خاصة"، تضم عشرات الأسماء من كبار الباحثين في الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب، بينهم رؤساء جامعات وشخصيات معروفة بعلاقاتها مع الصناعات العسكرية. بعض الأسماء أُرفقت بصور جوازات سفر وتأشيرات، وبعضها الآخر بعناوين وهواتف.

بالنسبة لكيان الاحتلال، شكل حجم المعلومات المعروضة مشكلة بسبب قدرة مؤسسي الموقع على الوصول إلى بيانات حسّاسة، ما جعل الأجهزة الأمنية تتعامل مع الموضوع كتهديد يستدعي تدخلاً سريعاً من الشاباك والموساد، وتوجيه تحذيرات عاجلة للباحثين بعدم نشر خطط سفرهم وتحركاتهم. واعتبروه "تحركاً عنيفاً" ضد "إسرائيل".

ما يكشف حجم التناقض حيث أن فكرة هذا الموقع تشبه تماماً ما تفعله الولايات المتحدة منذ عام 1984 عبر برنامجها الشهير "مكافآت من أجل العدالة".

هذا البرنامج الأميركي ينشر صور وأسماء ومعلومات شخصية لأفراد تعتبرهم واشنطن مطلوبين – وغالباً دون أي إدانة رسمية أو حكم قضائي – ويعرض مبالغ تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يساعد في الوصول إليهم أو قتلهم أو تحديد مكانهم.

خلال السنوات الماضية، استخدمت الولايات المتحدة هذا الأسلوب ضد شخصيات من حزب الله وحركة حماس، ونشرت صورهم على لوحات إعلانية، وعلى الصفحات الرسمية للسفارات الأميركية، وفي إعلانات ممولة على مواقع التواصل.

ورغم هذا فإن الغرب لم يصف التصرف الأميركي بأنه "تحريض" أو "تهديد"، بل اعتبره جزءاً من "الدبلوماسية الأمنية". ما يكشف بوضوح احتكاراً غربياً لمفهوم الشرعية حيث يصنف ما يفعله الأميركي "حماية للأمن القومي"، وما يفعله آخرون رداً على المجازر المرتكبة – يصبح "تحريضاً على القتل".

بعيداً عن الإعلام، يدرك المسؤولون الإسرائيليون أن المشكلة الحقيقية ليست في القائمة التي نشرها الموقع، بل في تآكل الهالة الأخلاقية التي لطالما غطى بها الاحتلال على الأكاديميين المجندين لديه. فالعالم الغربي اعتاد النظر إلى الباحثين الإسرائيليين بوصفهم جزءاً من مجتمع أكاديمي متقدّم، بعيد عن السياسة. لكن الحرب على غزة كشفت الدور الحيوي -من تحت الطاولة- لهذه المؤسسات في دعم الجيش وتمويل مشاريعه وتطوير أدواته.

من هنا تأتي خشية الاحتلال من أن يؤدي ظهور هذا الموقع إلى فتح الباب أمام حملات دولية أوسع، تستهدف ليس فقط الساسة والعسكريين، بل أيضاً العلماء الصهاينة الذين يصنعون التكنولوجيا المستخدمة في الحروب.

ساهم ظهور الموقع في إطلاق حملة إسرائيلية منظمة تربط كل ما يحدث بإيران، في محاولة لتحويل القضية من نقاش حول الانحطاط الأخلاقي الذي يمارسه الصهاينة في الكيان على كافة الصعد إلى جدل أمني تقليدي يخلص إلى براءة رؤوس الإرهاب. كما استخدمت الجامعات الإسرائيلية الحدث للمطالبة بموازنات إضافية للأمن السيبراني لحماية "الضحايا" الشركاء في صناعة سلاح الإبادة الجماعية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور