الإثنين 13 أيلول , 2021 04:13

إيران تقتحم الأطلسي: مهمة تاريخية للاسطول الايراني

يشهد العالم خلال هذه السنوات إعادة ترتيب التموضعات الجيوستراتيجية الدولية، وقد سارعت الأحداث الأخيرة في ترتيب هذا المشهد. فقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان لم يكن مجرد تراجع عن قرار غير صائب أو متسرع نتج عن ردة فعل عقب أحداث 11 أيلول، بل كان نتيجة لتراكم فاتورة باهظة طيلة عقود من الزمن لم تعد واشنطن قادرة على دفعها. ليس فقط في كابل بالمنطقة ككل. فإيران التي حاربتها واشنطن لأكثر من 4 عقود لتقييد حضورها في المنطقة، واشغالها بالحرب الاقتصادية المفروضة عليها، باتت أجهزة استخباراتها تترقب عن كثب الأسطول الإيراني العسكري وهو يقتحم عمق حديقتها الخلفية.

بعد رحلة استغرقت 133 يوماً قطعت فيها 44 ألف كلم وصولاً إلى المحيط الأطلسي عادت المجموعة الـ 75 للقوة البحرية الإيرانية إلى المياه الإقليمية. هذه المهمة التي وصفها الامام السيد علي الخامنئي بـ"التاريخية" والتي تحمي الثورة وأهدافها السامية، تعد "بداية فصل جديد في تعزيز القدرات الدفاعية وتحسين القدرات الرادعة للقوات المسلحة الإيرانية" حسب تعبير القائد العام لحرس الثورة اللواء حسين سلامي.

هذه الرحلة التي تُعد سابقة من المرجح تكرارها مرات عدة في المستقبل، لا شيء يمنعها من حمل المواد التي تريد إلى الوجهة التي تريد من أسلحة ومواد نفطية وغيرها، إضافة للقيام بعمليات عسكرية إذا دعت الحاجة نظراً لقدرتها على حمل صواريخ عابرة للمحيطات، ما يمنح طهران فرصة لمد الجسور اللوجستية إلى فنزويلا خاصة، ثم إلى سوريا ولبنان لاختبار وتحديد حدود الخطر للتعامل معه.

ماذا لو وصل الأسطول الايراني إلى سواحل فنزويلا؟

بالنسبة للوجهة الإيرانية إلى القارة الأميركية ورغم أن السفن الإيرانية كانت قد وصلت إلى السواحل الفنزويلية لكسر الحصار الأميركي عليها، إلا ان وصول هذا النوع من الأساطيل الحربية إلى السواحل نفسها رغم التعقيدات القانونية لاستلام الأسلحة من إيران بفعل العقوبات المفروضة، سيضع واشنطن في خانة المستهدف المباشر المكبّل الأيدي، خاصة بعد إشادة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بطرح شراء الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية.

وإذا ما عالجنا هذا الطرح لوجستياً فإن سفينة "مكران" تمتلك القدرة على الإبحار بين قاعدة بوابة الحديد الفنزويلية وكيب تاون، بمسافة تقدر بـ19 يوماً وبسرعة تصل إلى 15 عقدة بحرية تقريبا.

هذا الأمر يعني ومما لاشك فيه أن القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في كولومبيا وقناة بنما التي تبعد ما يقارب 700 كلم، ستكون تحت مرمى الصواريخ الإيرانية المنتشرة في فنزويلا، خاصة قاعدة توليمايدا الجوية والسفن الحربية في منطقة باجو كاوكا في الكاريبي، إضافة لاستهداف العمق الأميركي في ميامي.

لا يعد هذا الطرح خيالا علمياً او أمراً مبالغًا فيه، فقدرة إيران البحرية قد تم اختبارها فعلياً، والقرار بكسر الهيمنة الأميركية هو بصلب العقيدة الإيرانية-الفنزويلية ترجمت عملياً بتوقيع اتفاقية لشراء الأسلحة والتعاون والتنسيق. والمرحلة القادمة لم يعد أمر تحديد طبيعتها للسيناريو الأميركي كما كان في عهد جورج بوش، بل أصبحت كل حركات المقاومة في المنطقة قادرة على فرض تموضعات جديدة من عمق القدس المحتلة إلى قلب طهران مروراً بدمشق وبيروت وبغداد وصنعاء. لم تعلن إيران عن نيتها بالقيام بتصدير الأسلحة إلى فنزويلا رغم الترحيب بذلك، لكن -ورغم صعوبة القرار لاعتبارات عدة- مَن يمنعها من القيام بذلك ان أرادت؟

ردود الأفعال الأميركية، الإسرائيلية والأوروبية على دخول المدمرة "سهند" والسفينة اللوجستية العملاقة "مكران" إلى مياه المحيط الأطلسي تكشف عن حجم يقين هذه القوى أن مرحلة جديدة قد تبلورت فعليّاً، وأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني التي يتم تقديمها إلى الرأي العام العالمي على أنها تجعل إيران تحت الرقابة الدولية بشكل يؤخر تطور البلاد الدفاعي ويقيّد نشاطاتها في دعم حركات المقاومة والجهات الإقليمية الفاعلة الرافضة للهيمنة الأمريكية، ليست سوى ذر للرماد في العيون.

وكانت مجموعة ال75 البحرية قد انطلقت قد في 2 أيار في رحلة بحرية تهدف لتعزيز أمن الخطوط الملاحية والدبلوماسية البحرية الإيرانية، حيث عبرت المحيطين الأطلسي والهندي و شاركت في ذكرى تأسيس البحرية الروسية في بطرسبورغ.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور