الخميس 21 تشرين أول , 2021 03:30

مسيحيو الشرق..ومشروع حزب "القوات"

مسيحيو الشرق

تتشكّل المنطقة من مكوّنات مختلفة، متجانسة ومتميّزة فيما بينها في آن واحد، ومن أبرز مكوّناتها "المسيحيين" رغم اعتبارهم أقليّة ديموغرافية في الشرق. عدا عن كون هذه البلاد مهد الديانة المسيحية وفيها أقدم الكنائس والأديرة (كنيسة المهد في بيت لحم، والتي بنيت في موقع ولادة السيد المسيح (ع)، وكنيسة أم الزنّار في حمص، والتي يعود تاريخها إلى عام ٥٩ ميلادي)، فقد تشكّلت تاريخيًا من التمازج بين الحضارات والثقافات التي وإن تصارعت فيما بينها في مراحل تاريخية متقطّعة ومختلفة، فقد بقي التنوّع الحضاري والديني والثقافي فيها سمة من سماتها، وقاعدة أساسية بُنيت عليها الأشكال المختلفة للدول.

تتفاوت نسب الوجود المسيحي في دول المنطقة وتشكّل نسبتهم في لبنان النسبة الأعلى بين هذه الدول، إلّا أنّ هذا الوجود لم يكن يومًا وجودًا ظرفيًا أو طارئًا، بل هو في صلب الحياة المجتمعية رغم محاولة الغرب استخدامه دائمًا كوسيلة عبور إلى الفتن والمشاكل التي يستفيد من تأجيجها كمستعمر وتضمن له البقاء في المنطقة، بوجوه مختلفة.

في سوريا على سبيل المثال، يشكل المسيحيون ١٠٪؜ من مجموع السكان ولا تؤثر هذه النسبة المنخفضة على حقوقهم السياسية والاجتماعية، فلا وجود للمعيار الطائفي في منظومة الحقوق والواجبات في الدولة، وفي إيران تشير الإحصاءات إلى وجود حوالي ٦٠٠ كنيسة ينشط المسيحيون فيها دون تدخّل من النظام الإسلامي في حريّة اعتقادهم وممارستهم لشعائرهم وهم ممثلون في مجلس الشورى الإسلامي على عكس ما تشير إليه الدعاية الغربية التي توهم العالم بأن المسيحيين مضطهدين أو مقيّدين في إيران ما بعد الثورة الإسلامية. 

وفي لبنان، حيث توجد النسبة الأعلى للمسيحيين في تعداد السكان وتبلغ حوالي ٤٠٪؜، كرّس الدستور والأعراف الدستورية حضور المسيحيين في المناصب المحصورة بهم تسكينًا للخوف الذي زرعه الغرب فيهم والذي يتمحور حول خطر ابتلاع المكون المسيحي، وهو خطر وهمي أثبتت التجارب عدم وجوده.

في التاريخ الحديث، واجه المسيحيون في منطقتنا خطرين هما أداتان للإدارات الإستعمارية نفسها، مع التفاوت في مساحتهما الزمنية وفي دائرة تأثيرهما: داعش والقوات اللبنانية.

استهدفت داعش مسيحيي العراق وسوريا مع استهدافها لسائر المكوّنات التي تشكّل نسيج هذه البلاد.. ففي تموز ٢٠١٤ وعقب احتلال الموصل، أصدرت "داعش" بيانًا يخيّر مسيحيي المدينة بين التهجير والقتل، وخلت المدينة تقريبًا من سكانها المسيحيين. 

وكما فعلت داعش بشكل صريح ومباشر في العراق وسوريا، كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قد سبقها وإن على نطاق ضيّق في المناطق اللبنانية خلال الحرب الأهلية، فاستهدف كلّ مسيحيّ يخالف توجّهه أو أوامره.. ويمكن القول أنّ النموذج القواتي، الذي يقدّم نفسه كممثّل للمسيحيين في لبنان هو في الواقع، ومن معه، خطر محدق بهم، وبثقافتهم وبوجودهم.. وإن كان لا بد من الحديث عن خوف على الوجود المسيحي في لبنان فالخوف الوحيد الذي أثبتت وجوبه التجربة هو المتأتي من وجود "رئيس حزب" قاتل طليق، يستهدف المسيحيين بشكل مباشرة في الحرب، وفي السلم يعمل على استهداف الآخرين استدراجًا لردود فعل ضدّ المسيحيين.

يطرح "القواتي" نفسه مسيحيًا، مستقويًا بالسفارات التي تموّل حركته، ومستعينًا بالسياسات التي تغطي ارتكاباته الإرهابية وآخرها مجزرة الطيونة في بيروت، فيما يمكن الجزم بقليل من الموضوعية والدقة بأنّ الحالة القواتية هي حالة مستجدة تاريخيًا، ولا تعكس بأي حال من الأحوال طبيعة الوجود المسيحي في المنطقة عمومًا وفي لبنان خصوصًا. وإن كان لا بدّ من البحث في المشتركات بينها كحالة وبين حالات شبيهة لها، فهي الاقرب في الطرح والممارسة إلى حركات الإرهاب التكفيري..

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

ليلى عماشا

كاتبة سياسية / لبنان

[email protected]



دول ومناطق


روزنامة المحور