الأربعاء 02 آذار , 2022 05:20

التصعيد الأوكراني في وجه روسيا: بصمات واشنطن واضحة

قال السيناتور الديمقراطي البارز آدم شيف خلال جلسة مساءلة الرئيس الأميركي السابق ترامب في 3 شباط/ فبراير 2020: "نحن ندعم أوكرانيا وشعبها هناك ليحاربوا روسيا بالنيابة عنا بدلاً من أن نحاربها هنا".

الواضح أن الولايات المتحدة اعتمدت على اوكرانيا المجاورة لروسيا لتكون مركزاً للعمل المكثّف ضدّ موسكو، حيث نفذّت مجموعة من الإجراءات المباشرة وغير المباشرة باستخدام الورقة الأوكرانية لتحقيق عدة أهداف ضدّ روسيا وأهمها: وقف التعاون بين روسيا وأوروبا في مجال الغاز، وفرض نفسها كبديل لموسكو في هذا الجانب، والتأثير عمومًا على مشروعات إمداد الغاز الروسي لأوروبا، ومعرفة قدرة روسيا على منافسة أمريكا على النطاق الدولي والإقليمي، بالإضافة الى زعزعة قوة الأقطاب الجديد، وإشغال موسكو بمحيطها بما يحد من تمددها الخارجي والذي بات يقلق استراتيجية أمريكا.

في هذ الورقة، نستعرض الإجراءات الأمريكية الاستفزازية المباشرة وغير المباشرة ضد روسيا باستخدام الورقة الأوكرانية.

أولًا: الإجراءات الأمريكية المباشرة

1-نشر معلومات "سرية" حول روسيا.

اعتمدت واشنطن استراتيجية "مكبر الصوت" ضدّ روسي لإستفزازها، فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر، تنشر واشنطن وبشكل مفاجئ معلومات مفصلة حول تحركات روسيا و"محاولاتها للتضليل الإعلامي" في إطار تحضيرها للهجوم على أوكرانيا، رغم نفي موسكو نيتها في الهجوم.

ففي مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2021، نشرت وسائل إعلام أمريكية تقريراً استخباراتياً يتنبأ بهجوم عسكري روسي محتمل على أوكرانيا في أوائل عام 2022. ووفقاً لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، تحدث مسؤول مجهول في إدارة بايدن، عن حشد روسيا 175 ألف جندي للهجوم على أوكرانيا، تم نشر نصفهم في نقاط استراتيجية على الحدود الروسية الأوكرانية. ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤولين أمريكيين أنهم على يقين بأن بوتين يعد لغزو محتمل. وقال السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا جون هيربست إن من المرجح أكثر "أنهم (الروس) سيفجرون أزمة ويتلقون تنازلات منا ثم يحلون الأزمة". ومن جهته قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز لصحيفة "وول ستريت جورنال: "لن أقلل أبداً من استعداد الرئيس بوتين للمخاطرة فيما يتعلق بأوكرانيا".

وفي منتصف كانون الثاني/ يناير 2022، نقلت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، بما في ذلك قناة "سي إن بي سي" الإخبارية، معلومات رسمية عن البيت الأبيض تفيد بأن أجهزة الاستخبارات ترجح هجوماً روسياً على أوكرانيا" خلال الثلاثين يوماً المقبلة". وكشفت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي أن خبراء الدفاع الأمريكيين لاحظوا ارتفاعاً كبيراً في كمية المعلومات المضللة المنسقة على وسائل التواصل الاجتماعي عبر القنوات المدعومة من روسيا. جاء ذلك بالتزامن مع اختراق روسي لمواقع حكومية أوكرانية. وكشفت ساكي أيضاً أنه ووفقاً لمعلومات الاستخبارات الأمريكية، فإن "روسيا أعدت مجموعة من العملاء لتنفيذ عملية مفبركة وأعمال تخريبية ضد روس في شرق أوكرانيا"، لتكون ذريعة لبوتين لتنفيذ الهجوم على أوكرانيا. وفي بداية شباط/ فبراير 2022، قالت واشنطن إنها عثرت على فيديو مفبرك يظهر فيه قتلى روس ومعدات عسكرية لأوكرانيا. ونقلت رويترز عن نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن "نشر الفيديو من قبل موسكو سيكون للتأكيد على وجود تهديد لأمن روسيا ولدعم العمليات العسكرية (في أوكرانيا)".

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء:

حاول بايدن من خلال هذا الإجراء إقناع الرأي العام الدولي وحلفائه بالـ "خطر الحقيقي" الذي تمثله روسيا، فالكشف عن المعلومات السرية لا يتعلق بالشفافية الدبلوماسية، بل بالحسابات السياسية، وبحسب تقارير إعلامية، فقد تم تنسيق "الكشف عن المعلومات" بدقة بين مجلس الأمن القومي وأجهزة الاستخبارات وأجهزة أمنية أخرى. كما عمد بايدن من خلال هذا الإجراء بحسب الكاتب في "واشنطن بوست" أنتوني فايولا الى حرمان بوتين من فرصة التصرف في الظلام. بالإضافة الى ذلك ساهم هذا الإجراء في تسخين الجانب الأوكراني ضدّ الروس وعرقلة أي بوادر للتفاوض بينهما.

2-زيادة هائلة في صادرات أمريكا من الغاز الطبيعي الى أوروبا

بلغت صادرات أمريكا من الغاز الطبيعي المسال رقمًا قياسيًا عند 7.3 مليون طن في كانون الثاني/ يناير، لتواصل تفوقها على قطر للمرة الثانية منذ /كانون الأول/ ديسمبر، بحسب "بلومبيرغ".

وفقا للوكالة، أظهرت بيانات الشحن أن من بين 101 شحنة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة خلال كانون الثاني/ يناير، وصل أكثر من ثلثها إلى الموانئ الأوروبية، فيما ذهب الباقي إلى وجهات في أمريكا اللاتينية.

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء: بحسب محللين يعكس هذا الإجراء رغبة امريكا في إطاحة روسيا من سوق الطاقة الأوروبي.

3- دفع المانيا لوقف مشروع التيار الشمالي 2

قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن مشروع "التيار الشمالي 2" مجمد، مشيرة إلى أن ألمانيا حذرت دائمًا من أن هذا سيكون جزءًا من الإجراءات المعدة في حال التصعيد في أوكرانيا. وأضافت: "في الأسابيع الأخيرة، جنبًا إلى جنب مع شركائنا الدوليين، أعددنا حزمة من العقوبات بما في ذلك العقوبات الفردية والعقوبات المالية والعقوبات الاقتصادية. لقد قلنا دائمًا أن "التيار الشمالي 2" هو أيضًا جزء من الإجراءات". وأضافت الوزيرة: "لقد انتهكت روسيا كل ما وعدت به وهو أنهم سيعودون إلى طاولة المفاوضات. والآن عليهم أن يشعروا بالعواقب، بما في ذلك ما يتعلق بشبكة "التيار الشمالي 2".

و"التيار الشمالي 2 "هو خط أنابيب غاز بسعة 55 مليار متر مكعب سنويًا، يمتد من الساحل الروسي عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا. انتهت أعمال البناء في 10 أيلول/ سبتمبر2021 وأصبح جاهزًا للتشغيل. لكن لتشغيل الخط، كان من الضروري إكمال إجراءات الاعتماد لشركة "نورد ستريم 2 إيه جي" كمشغل لأنابيب الغاز. ووفقا للتشريعات الأوروبية، في الوقت نفسه حثت موسكو مرارًا وتكرارًا على عدم تسييس الموقف حول "التيار الشمالي 2" وأكدت أن هذا مشروع تجاري حصري، ولا يعود بالفائدة فقط على روسيا، ولكن أيضا على الاتحاد الأوروبي.

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء:

التأثير على مشروعات إمداد الغاز الروسي لأوروبا.

4- دفع أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو

أوكرانيا ليست عضوًا في حلف الناتو لكنها تلقت وعدًا منذ عام 2008 بأنها ستمنح فرصة للانضمام وهي خطوة من شأنها أن توصل الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى حدود روسيا. يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن علاقات أوكرانيا المتنامية مع الحلف قد تجعلها منصة إطلاق لصواريخ الحلف لتستهدف روسيا. ويقول إنه يتعين على روسيا وضع خطوط حمراء لمنع ذلك. ولكن أعادت اميركا تحريك ملف انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو لاستفزاز روسيا على الرغم من معارضة غالبية حلف الناتو باختراق اتفاق مينسك، لما يمكن أن يشكل من مشكلات أمنية مع الروس.

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء:

تحاول الولايات المتحدة من خلال هذا الإجراء أن تجس نبض قدرة روسيا على منافسة واشنطن على النطاق الدولي والإقليمي، لا سيما أن روسيا نجحت في دخول مناطق النفوذ الأمريكي في سوريا. كما هدفت من خلال دفع اوكرانيا للانضمام في الحلف الناتو الى خلق مواجهة اوروبية روسية داخل الأراضي الأوكرانية، حيث تستفيد من هذه المواجهة لوقف التعاون بين روسيا واوروبا في مجال الغاز وفرض نفسها كبديل لموسكو في هذا الجانب. وفي مؤتمر صحفي الشهر الماضي، شدد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن على التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو التي تعتبر أن أي هجوم على أحد أعضاء الناتو هو هجوم علينا جميعا".

5-التصريحات الاستفزازية

قال السفير الروسي تعليقًا على تصريحات المسؤولين الأمريكيين: "نرفض رفضًا قاطعًا التصريحات الاستفزازية لكبار المسؤولين الأمريكيين الهادفة إلى نسف عملية التفاوض بين واشنطن وموسكو". وأوضح أن موسكو تنتظر إجراءات ملموسة، وليس اتهامات بكل الذنوب. وأضاف: "نحن جاهزون لمناقشة موضوعية للوثائق الروسية التي يجب اعتمادها في أقرب وقت ممكن لاستقرار الوضع في أوروبا". وتابع: "نحتاج إلى إجراءات ملموسة من الجانب الأمريكي، وليس معلومات مضللة واتهامات بكل الذنوب. حان الوقت للتوقف عن سياسة تشجيع الفاشية الفتية التي يجري استعراضها في كييف. التاريخ لا يغفر الأخطاء". ونصح السفير الروسي نائبة وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، التي ألقت باللوم على موسكو في التوتر حول أوكرانيا، بأن تكون حذرة في صياغة العبارات في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات. وفي وقت سابق قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، إنه "من المبكر" معرفة ما إذ كانت روسيا جادة في خفض التوترات الأمنية مع أوكرانيا بعد المفاوضات الأمنية في جنيف. بدورها صرحت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الناتو، جوليان سميث، بأن الولايات المتحدة لا ترى فرصًا كبيرة للتوصل إلى حل توافقي مع روسيا حول موضوع توسع الحلف إلى الشرق.

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء: زيادة التوتر الروسي ضد أوكرانيا.

6- تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا

اشتملت المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا على منصات صاروخية مضادة وأسلحة وقنابل وذخيرة دفاعية ومعدات عسكرية منوعة منها صواريخ "ستينغر" الشهيرة، ومنظومة "جافلين" المضادة للدروع وأسلحة ومنظومات دفاعية أخرى. كما زودتها بـ 3 أسلحة نوعية: صاروخ ستينغر "اللاسع"، "جافلين" الرمح الأميركي، صاروخ "لاو" NLAW مضاد للدروع. بلغ إجمالي الشحنات العسكرية المقدمة إلى أوكرانيا منذ بدء الإمدادات الأوروبية والأميركية لدعم كييف وتعزيز قدراتها الدفاعية 17 طائرة، بحمولة إجمالية بلغت 1500 طن، بحسب ما أعلنه وزير الدفاع الأوكراني أولكسي رزنيكوف.

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء: بطبيعة الحال سيستفز هذا النوع من التسليح روسيا.

8- تعبئة الرأي العام في الداخل الأوكراني ضد روسيا

أثمرت البرامج الممنهجة الّتي اعتمدتها الولايات المتحدة في أوكرانيا، جيلاً شاباً سهل التجييش والتحريك، معجباً بالثقافة الغربية، ويرى في موسكو "عدوًا أكبر"، في نجاح واضح لسياسة طويلة الأمد لم تعتمدها واشنطن في دول شرق أوروبا فحسب، بل وصرّح مسؤولوها أيضًا في أكثر من مناسبة بإنفاق حكوماتهم مليارات الدولارات على برامج مماثلة في دول شرق آسيا وغربها، وفي دول أميركا اللاتينية، ومؤخراً في بعض الدول الأفريقية.

ويمكن بسهولة استقراء أهم معالمها التي تتكرّر حيثما يوجد للأميركي مصالح يرغب في تحقيقها عبر توجيه الرأي العام لشعوب هذه الدول:

-تعزيز النزعات القومية والوطنية، ودعم الخيارات اليمينية المتشددة إعلامياً وسياسياً.

-تعزيز خطاب الانفصال والتفرقة، ليس بين البلدان فحسب، بل بين مكونات البلد نفسه أيضاً.

-تثبيت قواعد وبعثات ومستشارين وخبراء في المجالات العسكرية والاقتصادية والادارية والقانونية لإحكام السيطرة على مفاصل هذه البلدان، ضمن إطار "مساعدة هذه البلدان على الحفاظ على أمنها واستقرارها".

-توجيه الرأي العام الشعبي نحو الانضمام إلى الفلك السياسيّ الأميركيّ أو الأوروبيّ عبر معاهدات واتفاقيات كحال تايوان وأذربيجان، وضمّ العديد من هذه البلدان بالفعل إلى حلف الناتو، كما حصل مع بولندا وهنغاريا وتشيكيا، ومن ثمّ بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفينيا وسلوفاكيا، إضافة إلى نشر منظومات دفاعية وهجومية في هذه البلدان، كالدرع الصاروخية التي تهدف بشكل أساسي إلى إحباط أي قدرات ردعية روسية.

الهدف الأمريكي من هذا الإجراء: خلق فكرة عدائية تجاه روسيا، وإفشال أي استفتاء شعبي بموضوع ضم اوكرانيا لروسيا.

8- تسلل وكالة الاستخبارات المركزية في كييف

تجهد الاستخبارات الأميركية منذ أكثر من عامين في الحديث عن "غزو" روسي لأوكرانيا، وتصوير الأمر بأنها تكشف ما يحاك في القاعات المظلمة، لا كأنها تشارك في صناعته.

صحيفة "واشنطن بوست" قالت مطلع عام 2021 إن "الاستخبارات الأميركية خلصت إلى أن موسكو تخطط لهجوم متعدد الجبهات على كييف مطلع العام المقبل". مسؤول أميركي علل حينها تقرير الاستخبارات الأميركية، وقال إن "تحليل الولايات المتحدة لخطط روسيا يستند جزئياً إلى صور الأقمار الاصطناعية التي تظهر وحدات وصلت حديثاً في مواقع مختلفة على طول الحدود الأوكرانية خلال الشهر الماضي"، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن في حينها إنه سيجعل من "الصعب جداً" على روسيا أن "تغزو" أوكرانيا. نشرت صحيفة "لوس أنجلس" الأميركية تقريراً تحدثت فيه عن دعم وكالة الاستخبارات المركزية للمتمردين الأوكرانيين سابقاً. وقالت إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عملت منذ سنوات على تدريب الأوكرانيين للتصدي لمثل هذه الأحداث (العملية العسكرية التي تجري في أوكرانيا)، ولم تدربهم فقط على جمع المعلومات الاستخبارية والتحليل، بل أعدّتهم أيضاً على صدّ الهجوم. وفي تقرير سابق، كشفت الصحيفة أن الاستخبارات الأميركية كانت تعمل على تدريب القوات الخاصة الأوكرانية منذ العام 2015. وحاول الكاتب "جيف روغ" انتقاد تقبّل المساعدات الأميركية لأوكرانيا، لأن تجربة مماثلة حدثت عام 1949 عندما "دعمت الوكالة التمرّد الأوكراني ضدّ السوفيات"، وانتهى الأمر بحسب الكاتب "بفشل التمرد". تشرف الـCIA على برنامج تدريب سري مكثف في الولايات المتحدة لقوات العمليات الخاصة الأوكرانية النخبة وأفراد استخبارات آخرين، وفقاً لخمسة من مسؤولي الاستخبارات والأمن القومي السابقين المطلعين على المبادرة. بدأ البرنامج عام 2015، ويقع في منشأة غير معلنة في جنوب الولايات المتحدة، وفقاً لبعض هؤلاء المسؤولين. وستنفذ هذه القوات مهمات حساسة على الحدود الشرقية الأوكرانية. كذلك تعيد وكالة الاستخبارات المركزية تنظيم شبكات "الناتو" الاحتياطية في أوروبا الشرقية، وتقدّم الدعم "للجماعات النازية الجديدة لمجابهة روسيا". ووفقاً للتقارير الواردة من بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أوكرانيا، فإن "وحدات الجيش والحرس الوطني الأوكرانية، التي يبلغ عددها حوالى 150 ألف رجل، تتمركز في دونباس بالقرب من دونيتسك ولوغانسك. أفرادها مسلحون ومدربون، ويقودهم بشكل فعال مستشارون ومعلمون عسكريون تابعون للولايات المتحدة والناتو". وإضافة إلى الاستثمارات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة و"الناتو" في أوكرانيا، هناك دعم بقيمة 10 مليارات دولار لخطة ينفذها إريك برنس، مؤسّس شركة "بلاك ووتر" العسكرية الأميركية الخاصة. يتحدث التقرير عن "كتيبة آزوف" المدربة والمسلّحة من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والتي "تتميز بشراستها في الهجمات على السكان الروس في أوكرانيا". وهي حركة أيديولوجية وسياسية "خاصة بالنسبة إلى منظمة الشباب المتعلمة على كره الروس". وهذا ما يفسر كلام المتحدث باسم القوات الشعبية في جمهورية دونيتسك، إدوارد باسورين، الذي قال قبل أيام إن عناصر كتيبة "آزوف" تطوق مدينة ماريوبول الواقعة جنوب شرق أوكرانيا، مشيراً إلى أن "عناصر الكتيبة يرغبون باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وانتظار كيفية تطور الأحداث هناك". 

ثانيًا: الإجراءات الأمريكية غير المباشرة

في آذار/مارس 2021: أعلنت الولايات المتّحدة بداية تمارين "المدافع الأوروبي" العسكرية، والتي تضم 26 دولة من حلف الناتو والجيوش الحليفة، وشاركت فيها أوكرانيا للمرّة الأولى. ذكرت بيانات التمارين أن أحد أهدافها هو "تعزيز قدرة الدول المشاركة على العمل كشركاء أمنيّين استراتيجيين في مناطق غربي البلقان والبحر الأسود، مع المحافظة على قدراتهم في شمالي أوروبا والقوقاز وأوكرانيا وأفريقيا".

نيسان/أبريل 2021: أعلنت تركيا أنّ واشنطن تخطّط لإرسال سفينتين حربيتين إلى البحر الأسود عبر مضيق البوسفور. كما شهد شهر نيسان/أبريل تعزيزاً غير مسبوق للقوات والأسلحة التابعة للناتو في أوروبا. ففي الـ13 من هذا الشهر اعترضت موسكو على نقل القوات الأميركية من "أميركا الشمالية عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا"، بعد يوم من قرار واشنطن إرسالَ 500 جندي إضافي إلى ألمانيا. حينها اتّهمت روسيا الولايات المتحدة والناتو بتحويل أوكرانيا إلى "برميل بارود"، بحيث قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ينقلان قوات إلى حدود الجزء الأوروبي من الاتحاد الروسي، ويخطّطان لنشر 40 ألف عسكري و15 ألف قطعة من الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الطيران الاستراتيجي.

في هذا الشهر، بدأت تظهر الاتهامات الغربية بشأن تركيز موسكو "غير المبرّر" لقوّاتها على طول الحدود مع أوكرانيا. هنا، من المهم الإشارة إلى أن ما يقارب 87000 جندي روسي، كانوا متمركزين عند الحدود منذ عام 2014، بموجب القرارات التي اتخذتها روسيا لإنشاء بنية تحتية عسكرية دائمة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم.

حزيران/يونيو 2021: قال زيلينسكي، في تغريدة له في "تويتر"، إن الناتو وافق على انضمام أوكرانيا إلى الحلف. بعد هذا التصريح قال الأمين العام للناتو إن عملية انضمام أوكرانيا إلى الحلف "ما زالت في حاجة إلى وقت". وعند سؤال الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن الموضوع، رفض الرئيس الأميركي الإجابة عن السؤال، تاركاً الأمور غير واضحة بشأن القرار المتَّخَذ بهذا الشأن.

أيلول/سبتمبر 2021: استقبل بايدن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، ووعده بتقديم "دعم أميركي ضد أي عدوان روسي". كما بدأت روسيا وبيلاروسيا، في الـ10 من أيلول/سبتمبر، تدريبات Zapad-2021، وهي مناورة عسكرية مشتركة واسعة النطاق تجري كل أربع سنوات، ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية "شارك فيها هذا العام 200 ألف جندي روسي، بالإضافة إلى دبابات ومعدات مدرعة أخرى". وبعد انتهاء التمرين، انتشرت أعداد كبيرة من القوات الروسية في المناطق الحدودية لشمالي أوكرانيا وشرقيّها، وكذلك في شبه جزيرة القرم.

تشرين الأول/أكتوبر 2021: أعلن الناتو نيّته إرسال مزيد من القوات والصواريخ والطائرات إلى أوروبا، والعمل على "تحسين جاهزية الرادع النووي وفعاليته"، وصولاً إلى إعلان واشنطن في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أن صور الأقمار الصناعية أظهرت حشداً جديداً للقوات الروسية عند الحدود مع أوكرانيا، وصرّحت كييف بأن موسكو حشدت 100000 جندي إلى جانب الدبابات والمعدّات العسكرية الأخرى.

7 كانون الأول/ديسمبر: حذّر بايدن روسيا من عقوبات اقتصادية غربية كاسحة إذا غزت أوكرانيا. بعدها أرسلت روسيا مطالب أمنية مفصّلة إلى حلف الناتو في الـ17 من الشهر نفسه. تضمّنت مسودّة الاتفاقية، التي أرسلتها روسيا إلى حلف الناتو، بنوداً بشأن فرض حظر على دخول أوكرانيا للناتو، ووضع حد لنشر القوات والأسلحة في الجناح الشرقي للناتو، الأمر الذي يؤدّي في الواقع إلى إعادة قوات الناتو إلى حيث كانت تتمركز في عام 1997، قبل التوسع شرقاً، وعدم دخول الجانبين في تحالفات على حساب أمن الأطراف الأخرى.

3 كانون الثاني/يناير 2022 طمأن بايدن زيلينسكي إلى أن الولايات المتحدة "سترد بشكل حاسم" إذا غزت روسيا أوكرانيا. وفي الـ10 من كانون الثاني/يناير، اجتمع مسؤولون أميركيون وروس في جنيف من أجل إجراء محادثات دبلوماسية، كرّرت موسكو تأكيد مطالبها الأمنية، إلاّ أنّ واشنطن رفضت قبولها.

24 كانون الثاني/يناير: وضع الناتو قواته في حالة تأهب، وعزّز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية بمزيد من السفن والطائرات المقاتلة، ووضعت الولايات المتحدة 8500 جندي في شرقي أوروبا في حالة تأهب. وفي الـ26 من كانون الثاني/يناير، أرسلت واشنطن رداً مكتوباً على المطالب الأمنية لروسيا. تضمّن الرد الأميركي قبول الولايات المتحدة مناقشة النقاط التالية: نشر أنظمة الصواريخ الأرضية والقوات النظامية في أوكرانيا، وتقليل المخاطر النووية، ونشر صواريخ كروز في رومانيا وبولندا، ونشر القوات المسلحة في أوروبا، ومبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة. إلاّ أنّ الرد الأمني ذكر أن الولايات المتحدة لن تتخلّى عن سياسة "الباب المفتوح" التي يتبعها الناتو. علّق الرئيس الروسي على الرد الأميركي قائلاً إن المطالب الأمنية الرئيسة لروسيا لم تتمَّ تلبيتها، لكن موسكو مستعدة لمواصلة المحادثات. ومع تزايد التهويل الغربي بشأن الغزو الروسي، طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي الغرب بتجنّب إثارة "الذعر"، التي تؤثّر سلباً في اقتصاد بلاده. بالإضافة إلى ذلك، شهد شهر كانون الثاني/يناير 2022 وصول الشحنتَين الأولى والثانية من حزمة الدعم الأمني الأميركية، والبالغة 200 مليون دولار، إلى أوكرانيا، والتي تضمّنت 170 طناً من المساعدات العسكرية. وأعلنت كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وهي دول البلطيق، أنها ستقدّم صواريخ مضادة للدروع والطائرات إلى أوكرانيا. وبتاريخ الـ17 من كانون الثاني/يناير أعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أن بريطانيا ستزوّد أوكرانيا بـ "أنظمة أسلحة دفاعية جديدة".

شباط/فبراير 2022: أمر البنتاغون بإرسال 3000 جندي أميركي إضافي إلى بولندا. في الـ18 من شباط/فبراير، أعلن الجيش الروسي أنه سيجري تدريبات على قواته النووية الاستراتيجية. استخدمت روسيا في هذه المناورة صواريخ نووية عابرة للقارات. كما أعلنت كندا، في هذا الشهر، حزمة قروض بقيمة 500 مليون دولار لأوكرانيا، إلى جانب 7.8 ملايين دولار مساعدات من الأسلحة الفتّاكة. تزامن هذا الإعلان مع استمرار تدفّق المساعدات العسكرية والمالية الغربية إلى أوكرانيا.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور