الجمعة 17 تشرين أول , 2025 03:56

محاربة الإعمار: وجه جديد للحرب الإسرائيلية على لبنان

بعد فشل كسر المقاومة عسكرياً الاحتلال يستهدف الإنماء

 لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على الجنوب اللبناني مجرد جولة من جولات الاعتداء المعهودة، بل خطوة جديدة في مسار ممنهج يهدف إلى خنق كل مظهر من مظاهر الحياة في مجتمع المقاومة. مساء الخميس 16 أكتوبر 2025، شنّ العدو حزاماً نارياً على مناطق في الجنوب والبقاع، مستخدماً صواريخ ارتجاجية شديدة الانفجار وغارات مركّزة طاولت مواقع مدنية بالكامل. وقد زعم المتحدث باسم جيشه أنه استهدف "بنى تحتية إرهابية" و "أهدافاً تابعة لجمعية أخضر بلا حدود"، في محاولة مكشوفة لتبرير ضربه منشآت تنموية ومواقع لإعادة الإعمار.

في الواقع، لم تكن تلك الأهداف سوى ورشٍ تعمل على تأهيل الطرق وترميم ما خلّفته الحرب، في إطار مشروع بيئي وإنمائي بحت. لكن العدو، بعدما فشل في تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية طوال الحرب، بات يرى في كل جرافة أو شجرة تُزرع في الجنوب تهديداً لوجوده. إن استهدافه المباشر للجمعيات الإنمائية ليس سوى تعبير عن رغبة دفينة في منع إعادة إعمار ما دمّره، وكسر حالة الصمود التي رسّخها المجتمع الجنوبي المقاوم رغم الحصار والدمار. فكل مشروع يُنفّذ في تلك الأرض، مهما كان بيئياً أو زراعياً، يُعدّ في نظر الاحتلال "فعلاً عدائياً" لأنه يرمز إلى الإصرار على البقاء والقدرة على النهوض من تحت الركام.

جمعية أخضر بلا حدود

تأسست جمعية "أخضر بلا حدود" عام 2013 كمنظمة لبنانية غير حكومية تُعنى بحماية الثروة الحرجية والحيوانية وتنمية البيئة. أنجزت منذ انطلاقها مشاريع واسعة في التشجير وإنشاء المشاتل، وترميم الأحراج، وإقامة الحدائق العامة والبرك الجبلية، كما عملت على تدريب فرق متخصصة في مكافحة الحرائق ورصد الاعتداءات البيئية. غير أنّ هذه الأهداف التي تُجسّد ثقافة الحياة تحوّلت، في الرواية الإسرائيلية، إلى "أنشطة إرهابية".

عام 2018، اتهم جيش الاحتلال الجمعية بأنها "واجهة لحزب الله" أقامت نقاط مراقبة تحت غطاء بيئي، وهي رواية تبنتها مراكز بحث إسرائيلية وأميركية مثل "معهد واشنطن" حيث ذكر في مقال صادر عنه "يدعو باحثو معهد واشنطن، الأمم المتحدة، وتحديداً قوات حفظ السلام التابعة لها، اليونيفيل، إلى القيام بدور أكبر في مراقبة الوضع في جنوب لبنان أو على الأقل القيام بعمل أفضل في الإبلاغ عن انتهاكات قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701". وروّجتها صحف كـ "تايمز أوف إسرائيل" حيث ادعت بأن الجمعية "سمحت لحزب الله باستخدام مواقعها في عملية أفيفيم في سبتمبر/ أيلول عام 2019، حيث أطلق الحزب صواريخ كورنيت من محيط مركز تابع لها ضد الجيش الإسرائيلي". وفي المقابل، نفت قوات اليونيفيل هذه المزاعم بشكل قاطع، مؤكدة أنها لم تلحظ أي وجود مسلح في مواقع الجمعية وأن نشاطها يقتصر على الزراعة وإعادة التشجير.

ورغم هذا النفي، فرضت وزارة الخارجية الأميركية في آب/ أغسطس 2023 عقوبات على الجمعية ورئيسها زهير نحلة، متهمة إياهما بتقديم دعم لحزب الله. شملت العقوبات تجميد الأصول ومنع أي تعامل مالي معهما، في خطوة سياسية تستكمل سياسة العداء للمجتمع المقاوم في لبنان. واللافت أن واشنطن نفسها لم تقدّم دليلاً عملياً يثبت الاتهامات، بل اكتفت بتكرار سردية الاحتلال عن "الغطاء المدني للمقاومة".

نهج الاحتلال الجديد في استهداف الإعمار

منذ أشهر، ينتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة تصعيدية تستهدف بشكل متكرر الجرافات والآليات العاملة في القرى الجنوبية. عشرات الغارات والصواريخ أصابت معارض للآليات ومواقع تشييد في مناطق عديدة مثل مارون الراس والطيبة، كذلك استهداف معارض الجرافات في منطقة مصيلح الذي يعدّ أكبر عدوان على بنى اقتصادية منذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم تلتزم "إسرائيل" بأي من بنوده. والرسالة الإسرائيلية واضحة "منع أي عملية إعادة إعمار قد تُعيد نبض الحياة إلى المناطق المتضررة".

بهذه الممارسات، يكشف الاحتلال عن تحوّلٍ في المسار، فبعد أن فشل في كسر المقاومة عسكرياً، يحاول الآن استهداف بيئتها المدنية. إذ يرى أن أي حركة إعمار أو نشاط تنموي في الجنوب يرمزان إلى انتصار لا يقل خطورة عليه من الصواريخ. لذلك يوسّع بنك أهدافه ليشمل الجمعيات المدنية والورش التي يتوقع أن تشارك في هذه العملية، متذرعاً بارتباطها بالمقاومة، في وقت تعجز فيه مؤسساته عن تقديم أي برهان فعلي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور