الجمعة 03 شباط , 2023 11:25

بناء الهيكل المزعوم.. بين الواقع وأوهام بن غوريون

هيكل سليمان المزعوم

تعتبر محاولات تغيير الوضع القانوني لـ "الأماكن المقدسة" في "القدس العتيقة وفيها المسجد الأقصى، لـبناء "هيكل سليمان" الثالث المزعوم مكانه، الهدف النهائي لتكريس التهويد على كامل التراب الفلسطيني، وقد قال ديفيد بن غوريون المؤسس السياسي للكيان المؤقت بعد انتهاء حرب 1967، "لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل".

وبناء على ذلك جرت منذ 1920 تحركات عدة لهدم "المسجد الأقصى" حيث تزعم "الأصولية الصهيونية " أنه أقيم على أنقاض الهيكل المزعوم. كما أكد الحاخام "إبراهيم اسحق لوك" ضرورة تهويد المسجد الأقصى. ولأنه يقوم على "قدس الأقداس" بحسب "كلوزنر" أحمد ممثلي الحركة الصهيونية العالمية في عام 1929، و"لأننا اليوم نمر في مرحلة مماثلة لتلك المرحلة التي حرر فيها داوود القدس، ومنذ ذلك الوقت وحتى قيام سليمان ببناء الهيكل مر جيل واحد، وسيكون الأمر مماثلاً بالنسبة لنا في هذه المرحلة من تاريخنا"- بحسب المؤرخ الإسرائيلي "إسرائيل إلداد" – في أعقاب حرب حزيران 1967.

إن الاساطير الإسرائيلية، تحاول تكراراً وبشتى الأساليب أن تقلب حقائق التاريخ، وأن تزيفها، بهدف الوصول الى غايتها وهي الإشارة الى أن القدس ترتكز على "أرض الميعاد" للإقدام على تغيير هويتها وبناء "هيكل سليمان الثالث" المزعوم مكان "المسجد الأقصى"، إذ كان الأول قد هدم كما يزعمون في عام 587 ق.م، والثاني في عام 70.

تغيير الوضع القانوني ل “القدس العتيقة " كانت قد بدأت مراحله الأخيرة في شباط / فبراير 2001، مع وصول "آرييل شارون" الى رئاسة الحكومة، الذي مثّل نقطة تحول، في مشروع تهويد كامل التراب الفلسطيني، ومن ورائه "القدس العتيقة".

بدأ تغيير الوضع القانوني فعلياً مع مشروع الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في عام 1947، حيث نشطت "الأصولية الصهيونية " لفصل "القدس العتيقة" عن جسد الدولة العربية الفلسطينية آنذاك، وضمها الى الدولة اليهودية المزعومة، وكانت أولى الخطوات اغتيال الوسيط الدولي "الكونت برنادوت" الذي أشار لأول مرة في تقريره الذي رفعه للأمين العام للأمم المتحدة، إلى عدالة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلى وضع القدس المهددة بخطر التهويد.

ثم كانت الخطوة الثانية، تأسيس المحكمة اليهودية العليا في القدس في أيلول/ سبتمبر 1948، وجاءت الخطوة الثالثة عبر تقسيم القدس الى شرقية وغربية، وفقاً لخط وقف إطلاق النار المعتمد في اتفاقية الهدنة في نيسان/ابريل 1949، فيما جاءت الخطوة الرابعة بتأدية "حاييم وايزمان" قسم اليمين كأول رئيس لدولة الكيان المؤقت في 17 شباط/فبراير 1949 في القدس الغربية.

أعلن ديفيد بن غوريون في خطاب أمام الكنيست رفض حكومته تدول القدس حسب مشروع الأمم المتحدة عام 1947. ثم بدأت مرحلة تكريس تغيير الوضع القانوني ل “القدس الشرقية" وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عقب حرب 1967، حيث قارن "موشي دايان" بين ذلك وبين قيام الكيان في عام 1948، قائلاً: “إن دخولنا الى القدس الشرقية يتساوى في أهميته مع الإعلان عن قيام إسرائيل في عام 1948".

وفي 30 حزيران/ يونيو أقر الكنيست بشكل استثنائي، أن القدس الموحدة هي عاصمة الكيان الأبدية، وهي مقر المحكمة العليا والكنيست والحكومة ورئاسة الدولة. كما أكدت حكومة تل أبيب على أن عمليات تحرير أراضي القدس الشرقية مستمرة، وهذا ما دفع بمجلس الأمن الدولي في 20 آب/ أغسطس 1980 الى إدانة الإجراءات الهادفة لتغيير هوية القدس بموجب القرار رقم 478، وأعلن "عدم اعترافه بهذه الإجراءات، ووجوب إلغائها وتصحيح الأمور على ضوء ذلك"، لكن بقي ذلك حبراً على ورق.

في 25 نيسان/ابريل 1999 قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بإغلاق "نادي بيت الشرق" المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في "القدس العتيقة" بالاستناد الى قرار محكمة العدل الإسرائيلية العليا، التي أعلنت أنها ستوقف العمل بهذا القرار، في حال توقف "بيت الشرق" عن ممارسة النشاطات السياسية في القدس الشرقية. يومها دعا فيصل الحسيني المكلف بملف القدس، الإسرائيليين الى التعقل والامتناع عن هذا الاجراء.

ولعل الأخطر في التأثير على الوضع القانوني للقدس العتيقة، جاء من الراعي الأول للكيان المؤقت، من رئيس الولايات المتحدة الأسبق دونالد ترامب الذي أعلن في 6 كانون أول 2017 اعتراف دولته بالقدس عاصمة رسمية للكيان، في حين رفضت غالبية قادة العالم هذا القرار، وفي 21 كانون اول صوّت أعضاء الأمم المتحدة على قرار رفض تغيير الوضع القانوني للقدس، حيث اعترضت 9 دول، وامتنعت 35 دولة عن التصويت، وتم إقرار مشروع القرار رسمياً. ولكن أعلنت الخارجية الأميركية في 23 شباط/ فبراير 2018 أنها ستفتح سفارتها في القدس في أيار/مايو، وبالفعل تم ذلك في 14 أيار / مايو تزامناً مع ذكرى إعلان قيام الكيان.

ويمضي الكيان المؤقت في تغيير الوضع القانوني لهوية "القدس العتيقة"، وفي تحديه المجتمع الدولي، ووضعه أمام الأمر الواقع، وفي تغيير الحقائق على الأرض، وذلك عن طريق قضم الأراضي العربية الإسلامية، فيما الحكام العرب يهرولون نحو التطبيع، إلا ان الروح المعنوية الجهادية المتنامية لدى الشعب الفلسطيني، والشعور المتعاظم لديهم لا سيما بعد الانتصار في معركة سيف القدس بأن تحرير كامل فلسطين وعودة القدس لأهلها أمر ممكن بل قادرون عليه  سيجعل من  مقولة بن غوريون مجرد سراب وأضغاث أحلام تتلاشى على صخرة المقاومين، وستبقى مطامعهم ومخططاتهم  أفكاراً تراودهم في عالم الخيال ولن تجد طريقها نحو  عالم التحقق والواقع.


الكاتب: نسيب شمس




روزنامة المحور