الأربعاء 08 شباط , 2023 04:42

السلام مع موسكو: تنازُل الجمهوريين عن الأراضي التي ضمّتها روسيا

دونالد ترامب وزيلينسكي

لم يكن ينقص الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس، سوى ما أخطره الجيش الأمريكي بأن الصين الآن لديها قاذفات صواريخ أرضية عابرة للقارات أكثر من الولايات المتحدة. أصبح لدى النواب المؤيدين للحد من الدعم لأوكرانيا سببًا جديدًا و"وجيهًا"، لإيقاف الجبهة الأوكرانية بهدف التركيز على الجبهة الصينية. " حان الوقت الآن لتعديل وضع قوتنا وزيادة القدرات لمواجهة هذا التهديد"، يقول مايك روجرز النائب الجمهوري ورئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس. لكن هل يتعلّق الأمر فقط بالتركيز على السباق الصيني للتسلّح؟ ماذا عن التكلفة المالية التي يدفعها الأمريكيون طيلة هذه الفترة دون إحراز انتصار ملموس؟ أم أن المسألة تتعلق بضعف إيمان الجمهوريين بالجهود الحربية لأوكرانيا كما قال مضيف قناة فوكس نيوز تاكر كارلسون ذات مرة.

يأتي هذا الجدال في الوقت الذي يجري فيه مناقشات في أوكرانيا حول "السيناريو الكوري"، أي تقسيم أوكرانيا إلى قسمين، وهو الأمر الذي اعتبره الرئيس الروسي السابق دمتري ميدفيديف علامة على أن كييف في طريقها للاعتراف بالواقع على الأرض وقبول الخسائر. إلا أن الأكثر إثارة للتعجب هو استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أظهر استعدادًا للتنازل عن الأراضي التي ضمتها روسيا مقابل إنهاء الحرب، بنسبة 41% للجمهوريين، و38% من المستقلين، في حين سجّل 16% من الديموقراطيين تأييدهم لاحتفاظ روسيا بالأراضي مقابل إنهاء الحرب. كما يأتي في الوقت الذي بدأت تظهر فيه ملامح فشل القرار الأمريكي بحظر النفط الروسي وتحديد سقف السعر.

هل يمكن تطبيق "السيناريو الكوري"

بعد حرب أهلية استمرت لثلاث سنوات، تم تقسيم كوريا إلى قسمين، حيث تم دعم الفصائل المتعارضة في الشمال والجنوب من قبل الاتحاد السوفياتي والصين، والولايات المتحدة على التوالي. تطالب كل من بيونغ يانغ وسيول بالسيادة على شبه الجزيرة الكورية بأكملها، ويعتبر كل منهما أن الحكومة الأخرى غير قانونية إلا أن الرئيس الروسي السابق ميدفيديف صرّح أن فكرة تقسيم أوكرانيا بالطريقة التي كانت عليها كوريا بعد الحرب في الخمسينيات من القرن الماضي هي "للاستهلاك المحليوتشكل "تفكيرًا أمنيًا". وأضاف أنهم "اختبروا بحكمة القول بأنه لا يمكن أن يكون هناك نصرًا" وأن "الانقسام هو أفضل سيناريو:. وأن "السيناريو الكوري" يعني أن أوكرانيا الأصغر المدعومة من الولايات المتحدة يمكن أن تتطور في النهاية إلى مستوى كوريا الجنوبية مع الحفاظ على مطالباتها بشأن الأراضي المفقودة.

ومع إشادته بأن هذه هي الخطوة الأولى نحو قبول الحقائق على الأرض، إلا أن الموقف الروسي من هذا السيناريو كشف عنه الرئيس بوتين في اتصال مع الرئيس التركي أردوغان، الشهر الماضي، أن المفاوضات مع كييف لن تحدث إلا إذا اعترفت أوكرانيا "بالحقائق الإقليمية الجديدة"، وهي الاعتراف بأن المناطق التي جرى دمجها حديثًا من خلال الاستفتاء هي أجزاء من روسيا تمامًا كما جزيرة القرم. وليست منطقة متنازع عليها.

ملامح فشل تحديد سقف سعر النفط الروسي

وفقًا لإرشادات جديدة، يُعفى الخام الروسي الممزوج بمنتجات بترولية في دولة ثالثة من سقف السعر، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي استثناءات من الحظر المفروض على المنتجات البترولية الروسية الذي دخل حيز التنفيذ في 5 فبراير/ شباط. وفقًا للتقرير المنشور على الموقع الإلكتروني للمفوضية الأوروبية فإنه  إذا تمت معالجة منتج بترولي روسي عن طريق مزجه في بلد ثالث مع منتج من بلد آخر ، فلن يعد من أصل روسي ولن يتمّ أخذ سقف السعر بالحسبان.

سيسمح الإعفاء لدول الاتحاد الأوروبي بمواصلة شراء المنتجات البترولية الروسية مثل الديزل من دول ثالثة لأن موسكو حظرت أي مبيعات بموجب مخطط أقصى سعر. وبالتالي يمكن من خلال خلط كوب واحد من نفط دول ثالثة مع النفط الروسي أن يحلّ مشكلة الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعتبر فشلًا ذريعًا لخطة أمريكية أخرى غير قابلة للتنفيذ، يتحمّس لها الاتحاد الأوروبي مجاراةً للولايات المتحدة، بل خضوعًا لها.

معاهدة "نيو ستارت" للحدّ من التسلّح الصيني

أشار المشرعون الجمهوريون إلى منصات إطلاق الصواريخ على أنها مؤشر على حجم طموحات الصين وحثوا الولايات المتحدة على توسيع قواتها النووية. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن إخطارات القيادة لا تشمل الصواريخ التي تُطلق من الغواصات والقاذفات بعيدة المدى، وعليه فإن ما تمتلكه الصين من قاذفات للصواريخ العابرة للقارات، أعلى بكثير من التقارير العسكرية الأمريكية. وبذلك فإن الصين "تقترب بسرعة من التكافؤ مع الولايات المتحدة"، حسب ما أشار السيناتور الجمهوري روجرز، وفي نفس السياق أضاف، أن القيود المفروضة على القوات بعيدة المدى التي وضعتها معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا، معروفة باسم نيو ستارت، جرت بين أوباما وميدفيديف عام 2010، قال إنها تمنع الولايات المتحدة من بناء ترسانتها لردع روسيا والصين. هذا الاتفاق المخصص لتدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحدّ منها، والصين ليست طرفًا فيه، من المقرر أن ينتهي في عام 2026. فحصل جدال أنه بدلاً من محاولة تجاوز الصين والقوات النووية الروسية، فإن "الولايات المتحدة لديها الكثير لتكسبه من خلال محاولة الحفاظ على حدود المعاهدة مع روسيا ومحاولة جذب بكين إلى مناقشة الحد من الأسلحة النووية".

التكاليف لا تستحقّ العناء

يمكن لملمة أطراف هذا المقال بالقول إنّ الأغلبية الجمهورية في الكونغرس لا ترى طائلًا من استمرار الحرب مع روسيا، وأن الجمهوريين عازمون على تسكير الجبهات التي يفتحها الديموقراطيون بعضها مع الأخرى. خاصةً في ظلّ التحديثات العسكرية للصين، يبدو أن الجمهوريين أكثر انفتاحًا من أي وقت مضى على احتفاظ روسيا ببعض الأراضي فبالإضافة إلى استطلاع غالوب، طرح استطلاع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية معضلة مماثلة إلى حد ما: بين دعم أوكرانيا "للمدة التي تستغرقها" حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع أسعار الغاز والغذاء المحلي، أو التفاوض على تسوية "حتى لو كان ذلك يعني أن أوكرانيا سوف تفقد بعض الأراضي. انقسم الجمهوريون حول نفس السؤال في صيف عام 2022، لكن بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) اختاروا التسوية الأسرع بهامش 2 إلى 1 تقريبًا، 63-33 .


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور