الإثنين 20 شباط , 2023 05:47

هكذا تُسقط الولايات المتحدة حقوق المرأة

جنود أمريكيون يعتدون على النساء

عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ظهر زميله الأمريكي توماس فريدمان، الذي كان قد دأب على تأييد سياسات محمد بن سلمان والمناداة بمناصرته أمريكيًا، على قناة السي إن إن. وبعد أن راوغ لمدة ثلث ساعة في ما يتعلق بدوره في تأييد بن سلمان وبالتالي دوره غير المباشر في تهيئة الظروف لمقتل زميله، عزا الجريمة إلى «نقص/قصور/عجز (deficit) في المعرفة، وعجز في الحرية، وعجز في تمكين النساء» واستدلّ  بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002، ثم استنتج أن «تلك المنطقة مصيرها الخراب (doomed)». ما لم يدركه فريدمان أنه في ثلث ساعة من المراوغة وبالذات في تلك الاستنتاجات/المهاترات، قد قام بتمثيل أمراض الليبرالية الغربية كما وصفها جوزيف مسعد "الإسلام في الليبرالية". فلكي يبرّئ الغربي من آثامه الاستبدادية، عليه أن يُسقطها على آخَره المشرقي فـيتحرر بذلك ويصبح ليبراليًا. وبهذه العملية يتم تشييء وتثبيت العربي على أن عيوبه شيء أصل فيه (عجز عربي في المعرفة والحرية وتمكين النساء).

هكذا يتم إقحام المرأة وحقوقها في أي مسألة يتورّط فيها الأمريكيون، يصبح عجز الشرق عن تمكين المرأة دليلًا على جوهر المنطقة الكاره للنساء في مقابل الغرب المحبّ للنساء والممكن لهنّ، مع أنّ كتب التاريخ التي تذكر كيف كانت النساء الأوروبيات تشعرن بالقمع مقارنة بوضع المرأة التي رأوها لدى الشعوب التي استعمروها، متوفرة في المكتبات. وهنا تأتي المفارقة المضحكة، ما معنى أن تقدم دولة عمرها قرنان، ينقسمان إلى قرن من العبودية العرقية وثانٍ من الفصل العنصري، نفسها داخليًا وخارجيًا على أنها أقدم ديمقراطية في العالم؟ وما معنى أن تقوم دولة لم يسمح للنساء  فيها بالتصويت في القرن الأول ونصف من عمرها بوصف نفسها بالديمقراطية الأقدم؟ وما معنى أن يربط فريدمان وأمثاله تبريرًا لقتل خاشقجي وأمثاله باضطهاد المرأة؟ ليس فريدمان وحده من قدم هكذا مغالطة، بومبيو في مذكراته، برّر قتل خاشقجي بوحشية، على أنه "هكذا تجري الأمور في تلك البقعة من العالم". إنه المنطق الليبرالي القائم على كذبة تاريخية صدقوها، إذ لا يتخيّل الغربي الدول الإسلامية إلا ويتخيل معها اضطهاد النساء؛ وهو للمفارقة خيال ينتمي إلى زمن كانت نساء الدولة العثمانية تحظى بحقوق قانونية واجتماعية تفوق حقوق الأوروبيات اللواتي لم يكن لهن حتى حق التملك وكن يعتبرن قانونيًا تابعات لآبائهن أو أزواجهن.

لطالما كانت المرأة ذريعة للولايات المتحدة لانتهاك الحقوق وليس لممارستها، وقف بوش أمام الأمم المتحدة وقال "قمع المرأة في كل مكان خاطئ دائمًا"، محفّزًا الغرب على مهاجمة العراق "من أجل نسائه". تمامًا كما كان لتحرير النساء من البرقع حصة لقصف أفغانستان، وتم حصار الصين بسبب سياسة الطفل الواحد، والهند بسبب الاعتداء على حرق الأرامل. ولكن، في الولايات المتحدة، لا يعود بوش نسويًا. في أول يوم له في المكتب البيضاوي، قطع التمويل عن كل منظمة دولية لتنظيم الأسرة تقدم خدمات أو استشارات تتعلق بالإجهاض. كما أن الولايات المتحدة لم توقع على اتفاقيات حقوق المرأة الدولية، وأسقطت قوانين حماية المرأة من العنف المنزلي عدة مرات بسبب عدم قدرتها على منع السلاح في البلاد. ولكن عندما تصبح القضية متعلقة بالشعوب من غير البيض، لا تعود مسألة العنف مجرد ظاهرة مدنية شاذة لا تحتاج إلى قوانين، بل يجتاح التعميم ويصبح على الرجل الأبيض أن يحرر المرأة العربية أو المسلمة من الرجل العربي أو المسلم من خلال الأعمال العسكرية. مع الاحتفاظ بحقوقه لامتهانها، وانتهاكها، وقتلها. وهذا الكلام عليه الكثير من الأدلة نورد في هذا المقال غيض من فيضها:

الولايات المتحدة تنتهك المرأة التايلاندية

خلال حرب فيتنام في السيتينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وقعت تايلاند والجيش الأمريكي على معاهدة تسمح للجنود الأمريكيين بالقدوم إلى تايلاند من أجل "الراحة والاستجمام". أدى الوجود العسكري الأمريكي في تايلاند إلى التطور اللاحق لصناعة الجنس التايلاندية. صناعة الجنس ما زالت تتركز لحد اليوم في المناطق القريبة من القواعد الأمريكية الأمامية. في ذلك الوقت أقنعت الإدارة الأمريكية الحكومة التايلاندية بربط صناعة الجنس بأعمال السياحة المزدهرة، وهكذا أصبح العمل الجنسي منتجًا آخر للرأسمالية لكسب النقد الأجنبي. تشير تقديرات الأبحاث إلى أن هناك حاليًا ما بين 5 إلى 9 أضعاف العاملين في تجارة الجنس في المناطق المعالجة مقارنة بالمناطق الضابطة. والمثير للدهشة أن صناعة الجنس أصبحت أكثر تركيزًا حول مناطق الضوء الأحمر هذه على مدار العقود الماضية على الرغم من رحيل الجنود الأمريكيين في عام 1975 والأسس المحلية الضعيفة.

بالطبع تتناول الأبحاث الأمريكية هذه الظاهرة على أنها نتيجة تاريخية للفقر قديمًا، والذي عززته الحياة الاستهلاكية حديثًا، وأن الشعب التايلاندي – بحسب التحليلات الأمريكية- يحبّ البغاء.

الجيش الأمريكي يقتل المرأة العراقية مرتين

يوثق تقرير للجيش الأمريكي عن الانتهاكات في سجن أبو غريب بحسب مجلة نيويورك تايمز اعترف متحدث باسم البنتاغون أن 1200 صورة لم يتم نشرها لسوء المعاملة في سجن أبو غريب تضمنت "سلوكا غير لائق ذا طبيعة جنسية". بالطبع هذا الرقم هو متعلق فقط بالصور ولم يتم أصلًا محاكمة الجنود الذين قاموا بالاعتداء. في العراق، يجري الحديث عن النساء المغتصبات في سجن أبو غريب بصوت منخفض جدًا، معظم النساء اللواتي خرجن من السجان لا يمكنهن التحدث عما ممرن به من طعن بالسكاكين واغتصاب. إن هذا الحدث سيء بما يكفي لتجاهله. بالطبع لدى تناول الصحافة الأمريكية لهذه الحوادث، تأخذ قضية العار وقتل النساء من أجل الشرف المساحة الأكبر من المقال، حتى أن القارئ ينسى فعل الاغتصاب، ويصبّ غضبه على عائلات النساء "المتخلفة" و"الظالمة".

قتل واغتصاب وتجويع النساء في اليمن

وثقت منظمة "انتصاف" لحقوق المرأة والطفل في صنعاء، سقوط أكثر من 13 ألفاً و437 شهيداً وجريحاً من الأطفال والنساء في السنوات الثماني من العدوان الأميركي السعودي على اليمن. بالإضافة إلى ما عانته المرأة اليمنية من الحصار، وأفاد البيان بأنّ ما يقارب 6.1 ملايين طالب وطالبة يعانون بفعل انهيار نظام التعليم، وما يقارب 3 آلاف و500 مدرسة مدمرة أو متضررة، فيما مليونان و400 ألف طفل هم خارج المدرسة، وارتفع عدد الأطفال الذين يواجهون انقطاعاً عن التعليم إلى 6 ملايين طفل.

بالطبع تسقط كل القوانين والمواثيق التي تطلقها الأمم المتحدة، ولا تتم محاسبة أحد، في الساحل الغربي، ارتكبت قوى العدوان بحسب التقرير، 695 انتهاكاً منها 132 جريمة اغتصاب و56 جريمة اختطاف، فيما بلغت الانتهاكات في المحافظات الجنوبية، وعدن خاصة 443 جريمة اغتصاب بحسب البلاغات.

لكن على ماذا تركّز الصحافة الأمريكية ومنظمة حقوق الإنسان والصحافة العربية المعادية في تقاريرها السنوية؟ بالطبع ستتحدث عن مزاعم انتهاك "أنصار الله" لحقوق المرأة، ووضع قوانين تحدّ من حركتها وحريتها ولباسها.

انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات

 تواجه الأسيرات داخل سجون الاحتلال ظروفًا حياتية واعتقالية قاسية وصعبة، إذ تمارس بحقهن كافة أساليب التعذيب والضغط النفسي والجسدي، دون مراعاة لخصوصيتهن واحتياجاتهن، في محاولة لملاحقة المرأة وردعها وتحجيم دورها. أبرز ما تمارسه سلطات الاحتلال من انتهاك ضد الأسيرات هو التعذيب النفسي كحرمانهن من رؤية أطفالهن وأهلهن، ومنعهن من الزيارة، والتعذيب الجسدي كالشبح والعزل الانفرادي في زنزانة ضيقة جدًا، عدا عن الإهمال الطبي الذي وصفته بأشد أنواع التعذيب بحق الأسيرات.

رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس يقول إن الأسيرات الفلسطينيات يعشن واقعا صعبا ومريرا داخل سجون الاحتلال، ويعاملن معاملة لا إنسانية منذ اللحظة الأولى لاعتقالهن. ويقول إنّ العنف سمة مميزة وأساسية في سياسات حكومة الاحتلال الممارسة بحق الأسرى والأسيرات.
ويضيف أنّ "الأسيرات أكثر من مورس بحقهن العنف المنظم، بدءًا من الطريقة الوحشية التي يتم اعتقالهن بها وعمليات التخريب داخل منازلهن، مرورًا بما يتعرضن له خلال التحقيق من تعذيب وعنف جسدي، ونعتهن بألفاظ بذيئة، حتى طبيعة حياتهن داخل جدران السجن".

للمفارقة، يركّز الإعلام العبري وأصدقاؤه من الصحافة العربية، بالإضافة إلى الصحافة الغربية، يركّز هؤلاء على ظواهر قتل النساء على أيدي عائلاتهنّ باعتبار أن نساء المجتمع الفلسطيني يعشن تحت التعنيف والتهديد بالقتل. إلى ذلك تحرص المنظمات النسوية في غزة على متابعة حالات النساء اللواتي يردن التحرر من آبائهن، في الوقت الذي تتجاهل فيه النساء اللواتي يردن التحرر من الاحتلال.

حديث يطول

لم يذكر في هذا المقال تفاصيل الشكاوى اليابانية على الجنود الأمريكيين في قاعدة أوكيناوا حيث ارتكب الجيش الأمريكي أكثر من 5.8 ألف جريمة هناك ما زالت مستمرة حتى اليوم. كما لم يذكر أيضًا الأعداد الهائلة للأطفال غير الشرعيين في هاييتي بسبب اغتصاب قوات حفظ السلام الأمريكية. وغيرها من الوقائع.

يحكي جوزيف مسعد عن الفرق بين النسوية في المعسكر الشرقي، حيث كانت تطالب بحقوق العمل والتعليم والصحة ومستوى المعيشة كحقوق للمرأة انطلاقا من أنها جزء من المجتمع...بينما بظهر تحرر المرأة الغربية البيضاء البروتستانتية على أنه تحرر فرداني مبني عالحريات الشخصية الجنسانة تحديدا. والجدير ذكره أن الرجل الأبيض عندما حرّر المرأة للعمل في زمن المستعمرات، للقيام بأعمال التعليم والتمريض، وهي مهن في ظاهرها إنسانية، إلا أنها في الحقيقة كانت النساء في المستعمرات تقوم بتنفيذ الحرب العسكرية من بوابة الإرادة الثقافية.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور