الخميس 20 أيار , 2021 12:49

ما هي استراتيجية محور المقاومة في المواجهة القائمة؟

محور المقاومة هو ائتلاف بين مجموعة من الدول والفصائل والقوى والتيارات الشعبية، وهو لا يعني التطابق في الإجراءات والسياسات والتكتيكات، لكنه ينطوي على توافق عام وكلي على مواجهة الظلم واسترجاع السيادة واستقلال الشعوب المستضعفة. يتخذ المحور قراراته بشكل مشترك ويراعي الخصوصيات الوطنية والمحلية. تمارس جبهات المحور إدارة ذاتية في الإجراء، مع قيادة مشتركة على صعيد الأهداف الاستراتيجية الكلية.

الاقتراب الموزع مفهوم يقارب تفسير سلوك محور المقاومة في الاستجابة للتحديات وخصوصًا خلال المواجهات العسكرية، ويقدّم الإجابة على التساؤلات المطالبة بتدخل المحور في الحالات المختلفة، وهو مفهوم يقصد به تحديدًا: عدم الدخول بشكل جماعي من قبل كل جبهات المحور بشكل مباشر في المواجهة، إلا في لحظة استراتيجية مناسبة، وبدلًا من ذلك يقوم بالاقتراب من التحديات والمواجهات الكبرى بشكل موزع، حيث يقوم كل طرف بخوض مواجهته الخاصة به، وعند قيام الضرورة أو الفرصة المناسبة، يحصل التدخل المباشر من قبل بعض أو كل أطراف المحور.

يرتكز المفهوم على عدة عناصر تشكل مجتمعة استراتيجية لدى محور المقاومة، وهذه العناصر هي: تعميم قدرة محور المقاومة، تراكم الخبرات، إثبات القدرة، الردع النموذجي، مكافحة الاستنزاف، حماية المشروعية واللحظة الاستراتيجية.

تعميم القدرة: كل تجربة تتحول إلى قدرة لكل محور

عند كل مواجهة تخوضها إحدى قوى المحور تستفيد منها قوى المحور مجتمعة، فعند تحقيق الإنجاز يتم توزيع العائد بشكل تلقائي على كل جبهات المحور، حيث ينظر العدو إليه ككتلة واحدة، ونتائج كل حرب، تؤثر تلقائيًا على حركة العدو تجاه كل الجبهات. أما في حال الدخول المباشر لقوى المحور مجتمعة، فإن هذه الفائدة المفصلية ستتراجع، إذ يتم رمي الأوراق بشكل دفعي، وبالتالي يفقد المحور القدرة على مراكمة القدرة والتأثير في العدو، وتتراجع قدرته على استثمار النتائج في ساحات متعددة.

تراكم الخبرات: كل معركة تكسب المحور خبرات

السرعة في التطور لدى قوى المحور هي العامل الأساسي في قدرته على المواجهة أثناء المعارك الكبرى، وتحدثت مراكز الدراسات الأجنبية عن هذا التطور في كسب الخبرات من خلال نقل التجارب، فأساليب المواجهة وتقنياتها وكذلك أسلحتها، تخضع للتجريب والتطوير في كل جولة، ويتم استكمال نقائصها والتعرف على نقاط قوتها وضعفها من خلال المواجهة المباشرة مع العدو. أما في حالة المواجهة الشاملة، فإن ما لدى المحور سيكون محددًا بما يمتلكه عند انطلاق المواجهة، ولذلك يفقد الميزة الهامة في إمكانية تطور القدرات، وعمليًا استفادت كل جبهات المحور من تجارب بعضها البعض في كل المجالات، ولذلك نشهد هذا التقدم الكبير في تحقيق الإنجازات الميدانية والاستراتيجية طوال تجربة المحور، ونلاحظ هذا التطور الطردي التراكمي.

إثبات القدرة: بناء وتنمية الثقة بقدرات المحور

اثبات القدرة على التحدي ومواجهة التفوق الكمي والنوعي للعدو، هو فائدة إضافية لاستراتيجية الاقتراب الموزع، حيث تكتسب قوى المحور عند كل جولة الثقة بالقدرات والتعرف على الإمكانات الكامنة وإخضاعها للتجربة في المواجهة المباشرة، وهذه النقطة تحديدًا هي نقطة حاسمة في تنمية الإمكانات التي تستند بشكل كبير إلى الثقة، خصوصًا مع تنوع الساحات وأنماط القتال وظروفه الميدانية والجغرافية والنفسية والتكنولوجية. من ناحية أخرى، فإن تراكم الثقة لدى محور المقاومة، يقابله تراجع في الثقة لدى العدو، وهذه أيضًا بحد ذاتها قيمة مفصلية، خصوصًا أن استراتيجية الاقتراب الموزع تفوت على العدو إمكانية استخدام كل موارده دفعة واحدة.

الردع النموذجي: استخدام نموذج الردع الموضعي وتعميمه

يتحول الإنجاز في أي ميدان يخوضه طرف من أطراف محور المقاومة إلى مورد تستفيد منه سائر الجبهات من خلال الردع النموذجي، حيث يستخدم الأعضاء نموذج الردع الذي تم اثباته في الميدان الموضعي، لتهديد العدو وكبحه وردعه في سائر الميادين. هذا العامل يشكل لدى وكلاء أمريكا في المنطقة هاجسًا يربك تحركاتهم، يمنعهم عن القيام بأي خطوة قد تكلفهم ما لا يستطيعون تحمله. بهذا تتقلص ميادين حركة العدو بالتدريج، ويتم تجميد موارده الضخمة ويتم تعطيل ميزة التفوق النوعي والكمي التي يمتلكها، بعكس حالة المواجهة الشاملة أو المتعددة، حيث تتراجع هذه الميزة، رغم تقدم ميزات أخرى، مثل الضغط الشامل على العدو والإحاطة به، لكن أن تدخل في حرب بعد تقلص مساحات حركة العدو، وتعرضه لرسائل ردعية متعددة، أمر مختلف كليًا عن دخوله في المواجهة دون كوابح. على أن الردع النموذجي يستخدم كذلك في المواجهة الموضعية التي يدخل فيها جبهة واحدة من جبهات المحور.

مكافحة الاستنزاف: عدم استنزاف المحور في تدخل شامل في ظل تفوق العدو في الموارد

قبل الدخول في مواجهة شاملة، ينبغي أن يتم تعريض العدو لاستنزاف طويل اقتصاديًا ونفسيًا وعلى مستوى مفاهيم الردع التي يمتلكها، بحيث يتم تجويف نقاط التميز لديه من قيمتها نسبيًا بأكبر قدر ممكن، قبل خوض المواجهة الحاسمة التي لا ينبغي أن تتكرر، وقد لا يتمكن المحور من تكرارها في حال لم تصل إلى نتائج حاسمة، وبالتالي تحتاج تلك المواجهة إلى رسم مسار استنزاف يعطيها نسبة معقولة جدًا للنجاح، خصوصًا أنها معركة تاريخية حضارية كبرى. بالمقابل، فإن دخول المحور في مواجهة شاملة قبل نضوج الظروف، يفقده العمق الاستراتيجي الجغرافي، وكذلك يفقده الاحتياطات الاستراتيجية التي توفرها جبهات المحور غير المنخرطة في المواجهة المباشرة، بما تشكله من كوابح على حركة العدو، وبالتالي يتمكن المحور من ناحية أخرى من الحفاظ على الموارد جاهزة للمواجهة الحاسمة في اللحظة المؤاتية التي توفر إمكانية الانتصار بأكبر قدر ممكن.

حماية المشروعية: الحفاظ على مشروعية المحور في المنظور الدولي

إن تدخل دول وفصائل من جنسيات متعددة في معركة موضعية، يحمل مخاطر لناحية الموقف الدولي من هذا التدخل، إذ يمكن أن يدفع إلى تشكل تكتل دولي في مواجهته، يجمع إلى الدول الأساسية في المحور الأمريكي، دول إضافة متضررة من هذا التدخل، أو متخوفة منه. ولذلك فإن التدخل الشامل أو المتعدد بالحد الأدنى، يحتاج إلى مشروعية واضحة، بحيث يتحرك المحور دون السماح لقيام تحالف دولي ضده، بما يسمح له بتحقيق الأهداف، وهذه إحدى مميزات الاقتراب الموزع. أما عند اللحظة المصيرية فإن المحور يذهب نحو قرار الضرورة، ويواجه بشكل حاسم كما جرى سابقًا في سوريا، وتدخل بناءً على طلب رسمي من الدولة السورية.

اللحظة الاستراتيجية: التدخل في حال تعرض أحد جبهات المحور للتهديد الوجودي

يبقى السؤال الأساسي عن اللحظة المناسبة للتدخل المتعدد أو الشامل من قبل قوى المحور في معركة موضعية، حيث يتم تجاوز كل العناصر التي ذكرت أعلاه، لصالح الضرورة القاهرة المتمثلة في تعرض أحد الجبهات لتهديد وجودي، كما حصل في حرب سوريا، والتي تمثل ضرورة تتجاوز كل الاعتبارات الأخرى، وتدفع قوى المحور للتدخل بشكل مباشر، بحسب الحاجة وبحسب المشروعية وبحسب الامكانية.

حالة أخرى تمثل لحظة مناسبة للتدخل المتعدد أو الشامل، وهي ظهور فرصة تاريخية واستراتيجية للقضاء على جبهة من جبهات المحور الأمريكي في المنطقة، حيث تمثل حالة تتجاوز العناصر المذكورة أعلاه كذلك.

أما في حالة قيام العدو بفرض المواجهة الشاملة في لحظة تناسبه خلال خوض أحد جبهات المحور لمواجهة موضعية، وحين يفضل العدو تحويل المعركة الموضعية إلى معركة شاملة، فإن قوى المحور ستستفيد من حالة الاستنزاف التي تعرض لها العدو في المعركة الموضعية، قبل الدخول في المواجهة الشاملة.


المصدر: مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير يوفيد




روزنامة المحور