الثلاثاء 13 تموز , 2021 08:03

ماثيو تولر: سفير أمريكا "الحربي" في العراق

ماثيو تولر

من الواضح أن وجود صاحب الخبرة الدبلوماسية الواسعة وعرّاب السياسة في الخليج، ماثيو تولر في السلك الدبلوماسي، والذي يُعرف بأنه سفير حربي أكثر من كونه دبلوماسي، ليس عبثيًا حيث ارتبط عمله دائما بمناطق تشهد توترات، إما داخلية أو على صعيد العلاقة مع أميركا، كخدمته في الكويت بعد حرب الخليج، وفي السعودية بعد أحداث العام 2001 وما شهدته العلاقة الأميركية-السعودية التي كانت تحت تحدّ وتأثير كبير، بالإضافة إلى الفترة الممتدة بين العامين 2007 و2008 في العراق، تلك المرحلة الحرجة من الاقتتال الأهلي حيث شارك في "زيادة عدد القوات" الأميركية، إضافة إلى الفترة التي بدأت فيها أحداث "الربيع العربي" في مصر. ليعود بعدها ويصبح سفيرا في اليمن بعد الاضطراب الذي شهدته المنطقة، وبالتالي من الواضح أن الخارجية الأميركية تلجأ لتعيين تولر نظرًا لدوره في ترتيب الملفات والتعامل مع القضايا المشتعلة.

وقد برز ذلك أخيرا من خلال تعيين إدارة ترامب له في العراق، وقد اعتبر واحدًا من أقوى 30 شخصية في حملة ترامب، كونه أكثر المنتقدين للسياسات الايرانية، إذ تم اختياره في مرحلة التصعيد مع ايران والضغط على بغداد للالتزام بالعقوبات الأميركية، وتحجيم دور الفصائل والحشد الشعبي سعيًا نحو إشعال فتنة في العراق، حيث أعلن بعد انتهاء الحرب على داعش "أن العراق سيكون وقود الحرب مع ايران" وذلك بعد يومين من توليه منصبه وأضاف "العراق قريب جدًا من ان يكون حطبًا للنزاع الذي سيندلع بين الولايات المتحدة وإيران، وعلى الولايات المتحدة اتخاذ ما يلزم لمنع ذلك، عبر تقوية قدرة العراق على مواجهة الاخطار الداخلية والخارجية، بما في ذلك التهديدات الايرانية لكرامتها السيادية"، وجاء هذا التصريح  بعد انتقاد السفير دوغلاس سيليمان لضعفه في مواجهة تحركات إيران والشهيد قاسم سليماني.

جاء تعيين تولر بالتماهي مع خطاب ترامب المعادي لإيران والذي أشار من خلاله إلى أن أنصار الله في اليمن مشروع إيراني، وتحوله لنسخة عن تنظيم القاعدة الإرهابي على غرار ما حدث في أفغانستان، أي أن تعيينه عبّر عن استعداد لأي تصعيد محتمل مع إيران أي في وقت تحاول فيه الإدارة الأمريكية تكثيف الضغوط على إيران، وسط دعوات في الكونغرس إلى كبح نفوذ طهران في العراق. وفي ظل وجود ماثيو في العراق تم اتخاذ قرار اغتيال كل من الحاج قاسم سليماني والعالم الحاج فخري زادة، وطرح الحوار الاستراتيجي بين العراق وأميركا كما الانسحاب الأميركي من العراق، والإبقاء على القوات الاميركية للدور الاستشاري والتدريب.

إذا، ماثيو تولر، أحد صقور الدبلوماسية الأميركية، ليس سفيرًا عاديًا، إنما شرس جدًا، يمتلك ثقة عالية في النفس، صاحب رؤيا واضحة المعالم تتبلور في السعي لتحقيق المصالح الأميركية عبر العمل الدبلوماسي المعزز بخلفية غنية بالخبرة القيادية في منطقة الشرق الأوسط وشبكة العلاقات التي استطاع أن ينشئها خلال عمله من خلال اكتسابه للغة العربية، التي يعتبرها أداة فاعلة نحو أداء أكثر نموذجية.

 يتميز بشخصية دبلوماسية حادة في مواقفها منطلقًا من دوافع قومية ويمتلك طموحًا في ممارسة نشاطه على أكمل وجه من باب الثبات والاستمرارية وبناء الصورة الوهمية للدور الأميركي الإيجابي في المنطقة، وقد عمل دائمًا على إرضاء الرؤساء الأميركيين خلال فترات عمله في سفارات بلده في الدول العربية.

من هو ماثيو تولر؟

ماثيو تولر هو دبلوماسي أميركي يعمل سفيرًا للولايات المتحدة في العراق. كان انضمام تولر إلى السلك الدبلوماسي أمرًا حتميًا يدركه منذ الصغر، حيث أخبر أخته عندما كان في السادسة عشرة من عمره أنه سيكون سفيراً عندما يصبح في الخمسين. إنه من "أطفال الثقافة الثالثة"، وهو مصطلح صُمّم في الخمسينيات من القرن الماضي لوصف أبناء المواطنين الأمريكيين الذين يعملون في الخارج أي ولدوا أو نشأوا في سنواتهم التأسيسية الأولى في ثقافات غير ثقافاتهم الأصلية التي يُنسبون إليها وراثيًا عن طريق آبائهم. كان والده موظفًا في السلك الدبلوماسي لأكثر من 30 عامًا، فنشأ تولر في أمريكا اللاتينية وأوروبا وشمال إفريقيا. عاش في طنجة في سن ما قبل المراهقة، وأتيحت له الفرصة لتعلم اللغة العربية العامية، وهي مهارة عززها خلال برنامج مكثف في القاهرة، قبل الانضمام إلى فصل M.P.P لعام 1984 في هارفرد (هو برنامج تعليمي يمتد لعامين يتلقى فيها الطالب معلومات شتّى تتعلق بالاقتصاد والأخلاق المهنية والقيادة كما الإدارة المالية وأساليب التفاوض وتصميم السياسات والتحليل ليتمتع بقدرة على فهم المشكلات المعقدة وصياغة الحلول المناسبة من خلال انخراطه بتمارين تُعنى بالإطار الميداني، بالإضافة إلى اكتسابه المهارات وتطبيقها). قال زملاؤه إنه "ربما هو أفضل من يتكلم اللغة العربية في السلك الدبلوماسي"  وبالتالي لديه القدرة على الاندماج والتعلم.

وفي مقابلة له أعرب عن انجذابه إلى الوظيفة الدبلوماسية كجزء من الشعور بالمثالية و"فرصة الخدمة" ومنحه القدرة على السفر والوقوف في الخطوط الأمامية للأحداث التاريخية، وأضاف "رأيت ما فعله والدي وكان لديه إحساس بأن تمثيل الولايات المتحدة في الخارج كان طريقة هادفة لقضاء حياتي". ويشير إلى أن هذه الوظيفة بحاجة للأفضل دائما وبحاجة لتكوين المهارات في المعرفة الجوهرية والمهارات الفكرية. ولكن لا تقل أهمية عن مهارات التعامل مع الآخرين، والقدرة على العمل مع أشخاص من ثقافات وخلفيات مختلفة، والقدرة على التواصل بشكل فعال. كما القراءة على نطاق واسع في كل مجال، لا سيما من خلال الاشتراك في The Economist، وقراءة ذلك الغلاف كل يوم، "إذا كان بإمكانك القيام بذلك ويمكنك أن تجد كل مقال في The Economist مثيرًا للاهتمام، فأنت على الأرجح مرشح جيد جدًا للخدمة الخارجية"، على حد تعبيره، ويضيف أنه "يجب امتلاك القدرة على التفكير بشكل استراتيجي على المدى الطويل وليس فقط من حيث التأثير الذي لديك اليوم، ولكن بالأخص ما يجب أن يحدث لتعزيز المصالح الأمريكية على المدى الطويل".

التعليم

أخذ إجازة لمدة عام من جامعة بريغهام، -التي تعتبر من بين أفضل 10 جامعات لموظفي الخدمة الخارجية، بحيث أن أغلبية خريجيها وصلوا إلى اعلى رتبة في الخدمة الخارجية وهي رتبة سفير- للعيش والعمل في إسبانيا كمبشر عن طائفة المورمون.

حصل ماثيو على شهادة البكالوريوس من جامعة بريغهام يونغ، وعلى درجة الماجستير في السياسة العامة من كلية جون ف. كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد عام 1984. بعد التخرج، عمل لمدة عام كمسؤول في إدارة ريغان. حاصل على جائزة SIA المخابراتية (تُمنح من قبل CIA للأفراد غير التابعين للوكالة، بما في ذلك موظفي الحكومة الأمريكية والمواطنين العاديين، الذين كان لهم مساهمات بارزة في جهود الوكالة الاستخباراتية)، وجائزتين فخريتين رئاسيتين، وجائزة بيكر ويلكنز من وزارة الخارجية وهو عضو في السلك الدبلوماسي الأميركي الأقدم برتبة "وزير مستشار".

يعتبر ماثيو أن السلك الدبلوماسي بحاجة إلى التخصص والبحث عن أشخاص لديهم مهارات تجعلهم قادرين على التكيف ليكونوا ذوي قيمة في أي موقف أُسقطوا فيه، فالمهارة القيادية تكون بمجرد الاستعداد والقدرة على العمل بجدّ ليكون مثمرا.

سيرته المهنية

 ماثيو تولر، دبلوماسي مخضرم من كبار موظفي سلك الخدمة الخارجية، شملت مهامه في واشنطن الأعمال التالية:

- بين عامي 1989 و1991، عُيّن نائبًا لمدير مكتب شؤون شمال الخليج ومسؤول مكتب شؤون مصر، وموظف في القسم السياسي في سفارة الولايات المتحدة في لندن، وفي القسم السياسي والقنصلي في سفارة الولايات المتحدة في عمان والأردن ونائب لرئيس البعثة الأميركية في الدوحة.

- في العام 2000، عُيّن مديرًا للمكتب الأمريكي في مدينة عدن في اليمن.

- في العام 2001، استلم منصب رئيس القسم السياسي في سفارة الولايات المتحدة في الرياض.

- بين عامي 2004 و2007، كان نائبًا لرئيس البعثة الامريكية في الكويت.

- في العامين 2007 و2008، عُيّن رئيسًا للقسم السياسي بدرجة وزير مستشار في سفارة الولايات المتحدة في بغداد.

- بين عامي 2008 و2011، استلم منصب نائب رئيس البعثة الامريكية في القاهرة.

-  في العام 2011، عُيّن سفيرا لدى الكويت.

- في العام 2014، عُيّن سفيرا للولايات المتحدة لدى اليمن.

- في العام 2019، تم تعيينه سفيرًا للعراق.

شخصيته

ماثيو تولر معروف لدى المسؤولين العراقيين الذين عملوا خلال حكومتي إياد علاوي وإبراهيم الجعفري، وهم يؤكدون على أنه صِدامي وتقاريره موثوقة جدًا لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، وسيرته في اليمن لا تبشر بالخير. وقال مسؤول في الحكومة العراقية، إنّ "هناك ترقّبا للخطوة المتمثّلة بتسمية تولر سفيراً للولايات المتحدة في بغداد، فهو معروف من قبل قيادات الصف الأول بالعملية السياسية في العراق، وكان موجوداً بعد عام 2003 وشارك بترتيب بعض الملفات"، مبيناً أنه "شرس جداً ويمكن وصفه بالسفير الحربي".

علاوة على ذلك، رأى مراقبون ومحللون سياسيون عراقيون أنّ ترامب اختار تولر "كونه أكثر المنتقدين للسياسات الإيرانية ونفوذ طهران في العراق وسورية والمنطقة العربية، وأنه مستمع جيّد للرئيس، وكان كثير العمل على إرضاء الرؤساء الأميركيين خلال فترات عمله في سفارات بلده في البلدان العربية"، لافتين إلى أنّه "خلال فترة عمله في اليمن، انتقد تولر كثيراً سياسة إيران في دعم الحوثيين، وهو الأمر الذي سيقوم على تثبيته بالنسبة للحشد الشعبي، بالإضافة إلى إرساء مبادئ أميركا لتعميم وتثبيت التزام العراق بقرار العقوبات الاقتصادية على إيران". ويوصف بأنه "شرس جداً ضد إيران، وقد يكون وصف فترة وجوده في بغداد بالمريحة غير صحيح، فالسفير السابق دوغلاس سيليمان شخص مسالم، لكن الجديد يمكن وصفه بالسفير الحربي". وأشار مسؤول في الحكومة العراقية إلى دور السفير الجديد في تحجيم دور الحشد الشعبي ومنع تطوير العلاقات مع إيران" قائلاً إنّ "الرئيس الأميركي يعرف أنّ للعراق خصوصية تتعلّق بالنفوذ والوجود الأميركي فيه، ومن خلال هذه النقطة، لا يتعامل مع العراق بمثل ما يتعامل مع باقي الدول".

 وترشيح تولر خلال عهد ترامب أتى متناغماً مع الحملة الأميركية ضد إيران، فالرجل خدم في العديد من الدول العربية ومن بينها العراق، إبان مرحلة الاحتلال الأميركي، وهو معروف بمواقفه المناهضة لإيران. كما أن عمله سفيراً سابقاً في اليمن جعله على دراية أوسع بالتحركات الإيرانية في المنطقة، وتعيينه يشير أن ثمة استراتيجية أميركية جديدة.

سفير الولايات المتحدة في العراق

في 7 تشرين الثاني 2018، أعلن البيت الأبيض عن نية دونالد ترامب ترشيح السفير ماثيو تولر ليكون سفير الولايات المتحدة القادم في العراق. في 16 أيار 2019، أكد مجلس الشيوخ الأميركي ترشيح ماثيو تولر لمنصبه.

يقول تولر "العراق ليس سفارة عادية"، ويضيف "إنها كبيرة جدًا من بعض النواحي، بسبب تحديات معينة نواجهها في العمل في بيئة مليئة بالتهديدات الأمنية". هذه التهديدات الأمنية منعت زوجته دنيس من الانضمام إليه في بغداد. يقول "هناك سبب لوجود أسر في الخدمة الخارجية، نحن نمثل الولايات المتحدة، نحن لا نعيش في قاعدة عسكرية. ندمج أنفسنا في المجتمع، في الثقافة، والاقتصاد، ويلتحق أطفالنا بالمدارس المحلية، ولدينا أصدقاء وجيران محليون، إنه جزء مهم للغاية في جعل نفسك طليقًا في كيفية العمل ضمن تلك الثقافة. بغداد مختلفة ".

ويشير ماثيو إلى أنه "إذا تمكن العراق بالفعل من إيجاد طريقة، من خلال المشاركة في عملية ديمقراطية، لإعطاء جميع العراقيين الشعور بأن لديهم دولة، فسيكون لذلك تأثير مفيد على الجيل القادم بين جميع البلدان في الشرق الأوسط الذي لا يزال يكافح من أجل إيجاد طرق لإرساء أساس لشرعية الحكومات. لدينا الفرصة لمساعدة العراق في الحصول على هذا النوع من النتائج. لن يحدث ذلك بسرعة، ولكن هذا من شأنه أن يخدم مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل في رؤية منطقة تحترم فيها الدول حدود بعضها البعض، وتحكم داخل حدودها على أساس المشاركة الشعبية للجميع، وليس على أساس التمييز بين المواطنين. على الهويات التعسفية". وبالتالي يسعى تولر للظهور كمدافع وحريص على المصلحة العراقية، عبر تسليط الضوء على الثغرات التي يعاني منها الشارع العراقي، بما يتماشى مع رغباتهم ومتطلباتهم سعيًا نحو تحقيق المصالح الأميركية من باب جذب العراقيين إلى تأييد مساعيه التي تتماهى مع حاجاتهم، كما أنه يطمح للاندماج في المجتمعات التي يعيش فيها ويزاول مهنته كجزء من الانخراط في ثقافتها والعمل عن قرب بما يساهم في تفعيل مهمته.

وقد أعلن ماثيو تولر أن بلاده "لا تريد إبقاء تواجد عسكري دائم في العراق، فيما وصف عمليات إطلاق صواريخ الكاتيوشا في بغداد بالمتطرفة"، وأكد، خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد، أن "هناك الكثير من سوء الفهم المقصود عن علاقة التحالف الدولي والحكومة العراقية، فأمريكا لا تريد إبقاء تواجد عسكري دائم في العراق وإننا في الخمس سنوات الماضية حققنا مع العراقيين الكثير من التعاون في الحرب ضد داعش" حسب قوله. وزعم تولر "في نهاية الحرب على داعش سيكون هناك نقاش مع الفرق الفنية لتحديد الظروف في المرحلة الاخيرة من القتال، إذ أننا دائما نسمع الكثير من الشركاء العراقيين بأن الشراكة مع أمريكا يجب أن تتواصل"، مشيراً إلى "وجود أصوات متطرفة تصل إلى حد إطلاق الصواريخ لاستهداف التواجد العسكري والتواجد الدبلوماسي، وهذا لا يمثل الشعب العراقي أو مصلحة العراق". (31آب 2020)

وحذر تولر "لو انتصر هذا الخطاب على مصلحة العراق، فهذا يدفع الى مراجعة كثير من القضايا ليس بين العراق وأمريكا، بل بين العراق والتحالف الدولي بصورة عامة". وتابع "نأمل من البرلمان العراقي ألا يقوم برفض الاتفاقات الأخيرة بين العراق وأمريكا، كما أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي تمت المصادقة عليها من قبل البرلمان في سنة 2008، وأي شيء نقوم به ضمن هذا الإطار وهي نافذة كقانون، وأن جميع ما قمنا به مؤخرا يتم مع اتفاق الإطار الاستراتيجي ضمن المصلحة المشتركة".

أكد تولر، التقارير التي تحدثت عن تخفيض عدد الدبلوماسيين الأميركيين في بغداد، مشددا على أن ذلك "لن يؤثر على عمل السفارة". وفي فيديو نشرته صفحة السفارة الأميركية على "فيسبوك"، قال تولر إنه سيستمر في أداء واجباته الاعتيادية في السفارة. وأضاف "سأفعل ذلك بدعم من فريق أساسي من الدبلوماسيين الأميركيين والمستشارين الأميركيين للجيش العراقي. جميعهم ملتزمون بهذه العلاقة المهمة". وتابع "لن يؤثر تخفيض عدد الموظفين المؤقت على التزام هؤلاء الموظفين المتفانين"، مشدّدا على أن الإجراء مؤقت. وقال الدبلوماسي الأميركي إن حديثه جاء ردا على العديد من "الأصدقاء العراقيين" الذين اتصلوا به، للاستفسار عن التقارير الصحفية التي تحدثت عن نية واشنطن تخفيض عدد دبلوماسيين في بغداد. وأكد مصدر حكومي أميركي لـ "سكاي نيوز عربية" أن الإجراء يشمل نحو نصف عدد موظفي السفارة، بمن فيهم موظفون أميركيون وعراقيون. وأن الإجراء بدأ بالفعل، وذلك بعد تقارير أمنية تحدثت عن أن ميليشيات عراقية مدعومة من طهران قد تلجأ إلى أعمال عدائية وإرهابية قد تستهدف السفارة في المنطقة الخضراء، وسط بغداد وبدأت القيادة العسكرية الأميركية مراجعة إجراءات خطط الطوارئ المرتبطة بأمن السفارة. وقال ماثيو إن مهمة قوات بلاده الموجودة في العراق هي مهمة تدريبية واستشارية."

يدعي ماثيو أن السياسة الخارجية لإدارة بايدن في البلاد تتلخص في أربع أولويات رئيسية تشمل محاربة داعش، ومساعدة جهود بغداد لمكافحة الفساد، والتغلب على التحديات الاقتصادية، بالإضافة إلى مواجهة جائحة كورونا وأزمة تغير المناخ. وأشار تولر إلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد حافظت على نفس الأهداف الإستراتيجية بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض، لكنه أشار إلى أن القيادات المختلفة قدمت مناهج عملية مختلفة للتعامل مع هذه الأهداف. إلا أن هذه الأولويات لا تشكل سوى الجانب السياسي والدبلوماسي للتوجه الأميركي، والتي تخفي مسار القيادة المركزية الاميركية في التعامل مع هذه المنطقة من منطلق ردع إيران وتطويق عمل الحشد الشعبي ومواجهة التهديد الذي يطال مصالحها.

أبرز تصريحاته عن العراق

- "حين تسعى الولايات المتحدة لمساعدة العراق في بناء قوات أمنية محترفة موالية للدولة، تسعى إيران إلى زراعة قوات غير نظامية تعمل خارج السيطرة الكاملة لـلحكومة. عندما تسعى الولايات المتحدة لمساعدة العراق على ضمان سيادة القانون، تشجع إيران تكتيكات مؤسسات الجريمة المنظمة. حين تزود الولايات المتحدة العراق بخبير المشورة والتمويل لتعزيز مياه الشرب النظيفة في البصرة، إيران تروج لطوفان من المنتجات الزراعية دون المستوى، وكذلك الأدوية منخفضة الجودة والعقاقير غير المشروعة مثل الهيروين في الشوارع العراقية وفي المنازل العراقية. باختصار، إيران تريد إبقاء العراق ضعيفا ومتكل. إذا تم التأكيد، سأعمل على جعل العراق قوياً وذو سيادة". بهذه العبارات يسعى تولر للمقارنة بين ايران وأميركا حول علاقة الطرفين مع العراق من باب ان اميركا هي الدولة الصديقة التي تسعى لتأمين امنه واستقراره وتقدم الدعم له بينما ايران هي المهدد الأول لاستقراره والمصدر الأول للجماعات التي تعمل على تأجيج الأوضاع وزعزعتها وبالتالي التوجه نحو الشعب العراقي.

- "لا يزال هدفنا الرئيسي الطويل الأمد هو تعزيز العراق كدولة ذات سيادة، شريك مستقر وموحد وديمقراطي للولايات المتحدة. يجب أن نظل منخرطين لضمان أن العراق قادر على صد التهديدات الداخلية والخارجية، بما في ذلك التهديدات من إيران". يتبلور في هذا التصريح التوجه في السياسة الأميركية من تبرير الوجود، بدعم العراق ليكون ديمقراطيا ومساعدته على مواجهة تحدياته الداخلية والخارجية ضمن إطار العلاقة المتوترة مع إيران وتصويرها كتهديد يجب صدّه واحتوائه، ليس لتكريس المصلحة العراقية كما هو ظاهر، إنما لمنع الوجود الإيراني من أن يعرقل المصالح الأميركية في المنطقة.

- "وجود القوات الأمريكية في العراق يأتي بدعوة من الحكومة العراقية"/ "تواجد القوات الأميركية كان بناء على طلب الحكومة العراقية لمحاربة تنظيم داعش". ويأتي هذا التصريح كنوع من إضفاء الشرعية على التدخل الأميركي في العراق بصورة دبلوماسية كما وتكريس السياسة الأميركية في المنطقة تحت غطاء محاربة داعش.

- "القوات الأمريكية موجودة في البلاد للقيام بمهمة محدودة تركز على تقديم المشورة والمساعدة لقوات مكافحة الإرهاب العراقية، بما في ذلك البيشمركة". يسعى تولر لتبيان الدور الأميركي الجديد في العراق بعد إطلاق تصريحات أميركية عن التوجه نحو الخروج من المنطقة وبالتالي فرض واقع سياسي ودبلوماسي بديل عن التواجد العسكري الكبير، واقتصار دوره على الجانب الاستشاري ومكافحة الإرهاب.

- "تمثل الانتخابات العراقية المقبلة نقطة تحول للديمقراطية العراقية" /"المراقبة الدولية الفعالة للانتخابات ستكون مفيدة في تعزيز الثقة في العملية الانتخابية ومنع تكرار المشاركة المنخفضة في انتخابات 2018 التي أدّت إلى تحقيق الأحزاب المتحالفة مع إيران مكاسب في مجلس النواب" كل ما يطرحه تولر عن الانتخابات العراقية يصبّ بشكل واضح في توجّه السياسة الخارجية نحو مواجهة الفساد وإرساء الديمقراطية بالتوازي مع سياستها السابقة، بما يتناسب وطموحات الشارع العراقي لكسب الميول الشعبي العام وخلق الانقسامات الداخلية بين مؤيد ومعارض ما يسهّل عملية زعزعة استقرار هذا البلد، ومواجهة قوى المقاومة المدعومة من ايران من باب احتوائها والضغط عليها.

- "عملنا في العراق يعتمد على الدعم الجوي والاستخباراتي للقوات العراقية... لا نقوم بأي عمليات قتالية". تجميل الصورة الأميركية للرأي العام، وظيفة يتفنّن كل دبلوماسي أميركي في تجسيدها، ومن منصبه يسعى تولر إلى إظهار الدور الأميركي كصديق أمني واستخباراتي للعراق، بأسلوب واضح ومختصر، متجاهلا كل ما فعلته قواته لهذا البلد.

- "لا نية لزيادة عدد القوات الأميركية في العراق كما لا نسعى لقطع العلاقة بين العراق وإيران، ولكن يجب احترام السيادة من الجانبين". يأتي هذا التحول في عهد الرئيس بايدن الذي يكرس شخصية ماثيو حيث يسعى لإرضاء رؤسائه، وبالتالي التحول من تصريح موجه بشكل حاد لإيران والجهات الداعمة لها إلى الأسلوب الدبلوماسي الذي يقضي بتخفيف حدّة التوجه.

بناءً على ما تقدم، تظهر تصريحات تولر فيما يتعلق بمحاربة داعش وتحقيق النتائج الديمقراطية من الانتخابات العراقية بما يحاكي الشارع كما وتعزيز الحوار مع العراقيين، واقتصار الوجود الأميركي على الدور التوجيهي والتدريبي للقوات الامنية العراقية بصورة تتماهى مع الأولويات المطروحة لدى كل من الرئيس الأميركي والقيادة المركزية، وبالتالي يدعم ماثيو بتصريحاته رؤية بلاده الدبلوماسية في رسم السياسة في المنطقة، فإلى جانب شعار محاربة داعش، تسعى الإدارة الأميركية إلى إضفاء المشروعية على وجودها في العراق تحت شعار محاربة الفساد وبناء الديمقراطية ما يتماشى مع متطلبات الشارع وحاجاته.

أحد صقور السلك الدبلوماسي

فيما يخص اليمن، شارك في مفاوضات بين حكومة صنعاء وقوات التحالف الذي تقوده السعودية. وقد شكك المفاوضون اليمنيون وغيرهم في وزارة الخارجية في حياده، مما أدى إلى انتقادات بشأن دور الولايات المتحدة في حالة الصراع المطولة والأزمة الإنسانية الناتجة عنها.

وأوضح تولر أن العلاقات بين اليمن والولايات المتحدة مبنية على المصالح المشتركة في الاستقرار والأمن والازدهار في هذه المنطقة الإستراتيجية الحيوية. وكان الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، التقى السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر، بمناسبة انتهاء فترة عمله، ومنحه وسام الوحدة اليمنية، نظرًا لجهوده ومهامه التي قام بها خلال فترة عمله.

وفي تصريحاته العلنية حول الأزمة اليمنية، دائماً ما كان تولر يؤكد أنه يجب "الدفع باتجاه حل سياسي" بين أطراف النزاع، وأن الحل السياسي يجب أن تنخرط فيه كل الأطراف من "حكومة شرعية" ومن "أولئك الراغبين في قلب الحكومة الشرعية"، ما يتطلب من الجميع "تقديم تنازلات".

بجانب ذلك، كان يتماشى مع خطاب إدارة ترامب المعادي لإيران، ويحذّر من "تحوّل المشروع الإيراني الذي يمثله الحوثيون إلى نسخة أخرى من تنظيم القاعدة الإرهابي، على غرار ما حدث في أفغانستان، فشعاراتهم هي الموت، وأفكار القتل باسم الدين تتطابق".

ولم يؤكد السفير الذي راح يمارس مهامه من السعودية بعد إقفال مقر السفارة الأمريكية في صنعاء في شباط 2015، فقط على أولوية التعاون مع السعودية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وعلى أهمية العمل المشترك "في مواجهة النفوذ الإيراني الخبيث"، بل اعتبر في بعض تصريحاته "أن المملكة ليست طرفاً في الصراع اليمني".

ولكن للتعرّف على ميول تولر الخاصة فيما خص قضايا الشرق الأوسط، يمكن رصد مواقفه من الأزمة اليمنية بين فترة تعيينه وبين ربيع عام 2016، حين كانت الخارجية الأمريكية تترك له هامش تحرّك واسع، بسبب انشغال الوزير جون كيري بملفات أخرى أبرزها الملف السوري، ما يعني أنه لم يكن فقط موظفاً ينفّذ تعليمات. أهم ما نُشر عن ذلك تقرير لموقع "ذا إنترسبت" رصد تحركات تولر ومواقفه خلف الكواليس في تلك المرحلة، ونسب المعلومات التي ذكرها إلى ستة موظفين كبار حاليين وسابقين في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي عملوا معه عن قرب. يبدأ التقرير من حادثة استهداف طائرات التحالف العربي لميناء الحديدة، في أحد أيام منتصف آب 2015، وتدميرها خمس رافعات ضخمة حيوية لتفريغ حمولات السفن التي ترسو في ذلك الميناء الذي تدخل منه حوالي 80% من المواد الغذائية المستوردة. تسبب ذلك بنقص في المواد الغذائية وبتزايد التحذيرات الدولية من مجاعة في اليمن، فقدمت الولايات المتحدة مساعدة بقيمة 3.9 ملايين دولار لبرنامج الغذاء العالمي من أجل شراء رافعات جديدة. وعندما توفرت الرافعات بعد أشهر، منع التحالف العربي السفينة التي تحملها من التوجه إلى الحديدة. وبالرغم من أن الولايات المتحدة هي مَن دفع ثمنها، إلا أن دبلوماسياً أمريكياً كبيراً عارض وصولها. إنه ماثيو تولر الذي رأى أن لا ضرورة لتركيبها في ميناء الحديدة لأنها ستتدمّر مجدداً بفعل غارات جديدة، متجاهلاً التحذيرات الدولية من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.

وفيما يتعلق بالعلاقة الأميركية السعودية والتأثير الأميركي على الأخيرة في اليمن، يقول تولر في إحدى مقابلته التي أجريت في العام في 23 آذار من العام 2018 "أظن بأن لدينا تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على السعوديين، وأرى أن هذا التأثير في تزايد؛ فالسعوديون يتقبلون نصحنا حول بعض الإجراءات، فقد بذلوا مؤخرًا جهودًا كبيرة في الاستجابة لنداء الأمم المتحدة لتمويل برامجها في اليمن. فالضحايا المدنيين والأضرار الجانبية الناجمة عن العديد من الغارات الجوية السعودية منذ بداية هذا الصراع هي من وجهة نظرنا غير مقبولة وبكل بساطة. لقد عملنا بشكلٍ وثيق مع السعوديين لوضع منهجيات لمراجعة اختيار الأهداف. كما قمنا بتدريب السعوديين على قانون النزاع المسلح، وكيفية تنفيذ العمليات بطريقةٍ يتم فيها التأكد التام من اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتجنب وقوع أي أضرارٍ جانبية. لقد تعلمنا الكثير حول هذا الأمر، ونلاحظ الآن أن السعوديين قد بدأوا وببطء باتخاذ بعض التدابير التي اقترحناها لهم".

وعن تحمل المسؤولية فيما يخص استخدام المملكة العربية السعودية أسلحةً أمريكية وارتكابها خطأ ما على الأرض يقول تولر "هناك وبطبيعة الحال مسؤولية أخلاقية ملقاة على عاتقنا أخذًا بعين الاعتبار الدولة التي نمثلها، ونحن نشعر بتلك المسؤولية الأخلاقية. وعليه فنحن نعمل ما بوسعنا لضمان استخدام الأسلحة التي نبيعها وفقًا للكيفية التي نريد. ويمكنني القول إن مسؤوليتنا عند بيع الأسلحة التأكد من أنه سيتم استخدامها وفقًا لقيم الولايات المتحدة ومصالحها." ويضيف "شخصياً أنا أقوم بذلك، فأنا وزملائي في الحكومة الأمريكية نجتمع بانتظامٍ مع كبار ضباط الجيش، كما أني أراهم يعكسون وباستمرار قيم الولايات المتحدة من خلال أقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم مع نظرائهم".

  مع وصوله إلى العراق، مارس مهماته منطلقاً من ثوابت لديه وهي التقارب مع السعودية والإمارات، والعداء لإيران والقوات الموالية لها. ستنعكس آثار ذلك بشكل سريع على مطالب الأميركيين من الحكومة العراقية، وستكون سياسات ممثل واشنطن أكثر هجومية وأكثر "جرأة" من سياسات سلفه، ويمكن توقّع صدامات بين فريقه وبين حلفاء طهران في العراق.

ولتولر تعليقات هاجمت إيران في مناسبات عدة، وخصوصاً بشأن تحركها في اليمن، بالإضافة إلى مهاجمته للجيش واللجان الشعبية اليمنية، فقد قال في تصريح سابق إنّ "حكم الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها، هو حكم وحشي بالنسبة للشعب اليمني"، فيما شدّد في تصريحات قبلها على أنّه "لا تهاون مع مساعي إيران لفرض هيمنتها في اليمن".

الموقف الإيراني من ماثيو تولر

كان قد أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، أن بلاده وضعت السفير الأميركي في العراق ماثيو تولر، ومسؤولَين أميركيين آخرين، على قائمة الحظر "لدورهم في الأعمال الإرهابية في العراق والمنطقة، واغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني، وتصعيد الحظر ضد إیران".

وأشار في تغريدة له على "تويتر" إلى "أنّ السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر كان ينسق الأعمال الإرهابيّة في العراق والمنطقة، ولعب دوراً محوريّاً في اغتيال قاسم سليماني وتشديد الحظر على إيران".

وكانت إيران قد أدرجت سفير الولايات المتحدة في بغداد ماثيو تولر، ونائبه ستيف فاجن، والقنصل الأميركي العام في أربيل راب والر، في قائمة الحظر. كما أصدرت وزارة الخارجية بياناً رأت فيه أنّ هؤلاء الثلاثة "كان لهم مشاركة فعالة في تنظيم وتمويل وتوجيه وتنفيذ الإجراءات الإرهابية ضد مصالح الحكومة أو مواطني إيران، ودعم الجماعات المتطرفة والإرهابية، بما في ذلك داعش وجبهة النصرة، والإرهاب الرسمي ضد أبناء المنطقة".

وأبرز البيان أنّ المسؤولين الثلاثة "انتهكوا أيضاً القواعد الأساسيّة للقوانين الدوليّة، ومن بينها حقوق الانسان ضد شعوب المنطقة، وخصوصاً دورهم في اغتيال الفريق قاسم سليماني، إضافة إلى دورهم في فرض الحظر الأميركي الظالم وغير القانوني على الشعب الإيراني".

البيان أوضح أنّهم "يتحملون من الآن التبعات والإلزامات المدرجة في قانون مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات الإجراميّة والإرهاب الأميركي في المنطقة، وبالتالي فإنّه على جميع المؤسسات المعنيّة اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هؤلاء المسؤولين الأميركيين طبقاً للقانون".


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور