الخميس 22 تموز , 2021 10:20

على ضوء اجتماعات الكاظمي وبايدن.. هل تنسحب القوات الاميركية!

يختلف المراقبون للشأن العراقي حول المفاوضات المرتقبة بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الاميركي جو بايدن، وهل يكون هناك انسحاب أميركي جدّي أم أنها مناورة؟  
سنعرض هنا قراءة في التقارير والصحف والتصريحات، ويمكن عن طريقها تقويم الأمور ومعرفة النتائج:

1- أعلن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بيان بتاريخ 15-7-2021، عن قرب توجه الكاظمي إلى واشنطن في زيارة إلى البيت الأبيض، تهدف إلى "جولة جديدة من المباحثات الثنائية الإستراتيجية"، متضمنة الاتفاق على آلية انسحاب القوات الأميركية من العراق انسحابًا نهائيًا، وفق ما أعلن مكتبه، وأضاف البيان: الكاظمي اجتمع مع منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط [غرب آسيا] وشمال افريقيا بريت ماكغورك في مكتبه في بغداد في السابع عشر من الشهر الحالي، حيث اكد، ان الاجتماع الاولي وضع الخطوط العريضة للاتفاق المقبل على المرحلة الانتقالية للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتعزيز "قدرات العراق العسكرية ومقومات سيادته"، على حد تعبير.

وعليه فالحديث عن علاقات إستراتيجية، وليس رحيل للقوات الأميركية بلا ثمن، إنما استبدال الوجود الأميركي بوجود مؤسساتي؛ عن طريقه يتمكن الأميركي التغلغل عبر كل الملفات: الصناعية، الطاقة، الزراعة، الأمن، الصحة، التدريب… نعم، الشيء الذي يتحقق هو انسحاب عدد من القوات الاميركية، وإبقاء عدد آخر بصفة مدربين!، وكل الأمر مشروط بإنهاء دور الفصائل؛ كما تسميها التقارير الأميركية.

2- الحكومة الأميركية، عن طريق كل الصحف العالمية والمصادر المُعتَدّ بها؛ ترهن وتشترط -مقابل انسحابها من العراق- أن تقدم الحكومة الأميركية حلًا نهائيًا للفصائل المسلحة، وهو شرط نهائي للانسحاب، فقد أوضحت وزارة الخارجية الأميركية على لسان مساعد وزير خارجيتها لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود أنها تعتزم "استخدام المباحثات المزمع عقدها في البيت الأبيض بين الكاظمي والإدارة الأميركية بشأن المرحلة المقبلة من التعاون الإستراتيجي، للضغط على الكاظمي لإيجاد حل نهائي لمعضلة الفصائل في العراق"، مشيرًا إلى أنَّ (حل الفصائل) هو أحد الشروط الأساس التي ستقدمها أميركا للكاظمي مقابل الانسحاب الكلي.
    
وأكَّد هود، أنّ الإدارة الأميركية عازمة على محاسبة الفصائل العراقية على الخروقات التي وقعت سابقًا، وستشجع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بكل ما يلزم للتحرك ضد الفصائل في المدة المقبلة"، مشيرًا، إلى أنَّ الموقف الأميركي يتضمن الدفع بالكاظمي إلى مواجهة الفصائل، في أثناء انسحاب القوات الأميركية؛ منعًا لوقوع ضحايا أميركيين في أثناء العملية الانتقالية. 

وهذا الكلام من المسؤول الأميركي البارز، يشير إلى أنَّ حل الفصائل هو الشرط الأساس، وأنَّ طبيعة الوفد العراقي، الذي يرافق الكاظمي من العسكريين والقادة في الجيش، والأمن؛ يوحي بما لا يقبل الشك أنَّ ثمة خطة لفرض أميركا وجودها في العراق سياسًيا وأمنيًا؛ مقابل تقديم خطة لإنهاء دور الفصائل في العراق، ومن أراد الحقيقة فليدقق في طبيعة الوفد.

3- الصحف العالمية تشير إلى أنَّ أميركا لا يمكن أن تلغي كل وجودها كما فعلت في أفغانستان، وهذا ما  أشارت إليه شبكة ذا ناشيونال نيوز، التي أكدت، أنَّ الاتفاق بين الطرفين على الانسحاب في حال حدوثه لن يُخَفِّض تخفيضًا كبيرًا من الوجود العسكري الأميركي الحالي في العراق؛ حيث تحتفظ أميركا بعدد كبير من القوات داخل البلاد تحت وصف تقديم الدعم والاستشارة العسكرية، مما يعني أنَّ بقاءَها يقع خارج حسابات الانسحاب المتوقع!.

الشبكة تقول أنه يبدو أنَّ البيت الأبيض قد انتبه له أخيرًا، وبات يعمل على خلاف نتائجه، مشيرة إلى أنَّ الهدف الأميركي الحالي يبدو وكأنه يتجه صوب إفقاد الفصائل في العراق، المبرر الأساس لوجودها، ثم التأثير في الحكومة العراقية تأثيرًا سياسيًا قاصدًا دون تقديم الحماية للنظام.

4- الصحف والمراكز الأميركية المهمة لا تشير إلى انسحاب أميركي كما يريده العراقيون، بل هو عبارة عن إستراتيجية جديدية لأميركا في العراق؛ فقد أعلنت مجلة ،فورين بوليسي، في تقرير لها نشرته في الخامس عشر من الشهر الحالي، الإستراتيجية الجديدة للإدارة الأميركية، لم تتضمن الإعلان الصريح عن الانسحاب، حيث لا تزال الإدارة متحفظة على إعلان نيتها حول بقاء قواتها في العراق من عدمه، فيما أكدت صحيفة بزنس ستاندارد الأميركية، أنْ لا انسحاب أميركي يلوح في الأفق حتى الآن، مبينة أنَّ الحكومة الأميركية لا تثق كليًا بالكاظمي لضمان مصالحها في العراق، أو الحفاظ على الأوضاع السياسية والأمنية مستقرة؛ إذا ما انسحبت القوات الأميركية انسحابًا نهائيًا.

5- مجلة "دفينس وان" العسكرية الأميركية، أكدت في تقرير نشرته في الخامس عشر من الشهر الحالي، أنّ مراسلةً لوكالة بي بي سي، نشرت عبر حسابها الخاص على تويتر إعلان الحكومة العراقية المباحثات مع وفد "بريت ماكغورك" حول الانسحاب الأميركي، مؤكدة أنَّ أميركا أعربت عن موافقتها على الانسحاب لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

المجلة أكدت، أنَّ الصحفية اضطرت إلى حذف تغريدتها، موضحة أنَّ مسؤولًا أميركيًا من وزارة الدفاع -رفض الكشف عن هويته- صرح للمجلة، بأنَّ الحكومة الأميركية لم توافق رسميًا على أية خطط للانسحاب من العراق حتى الآن، وأنَّ الأنباء التي صدرت عن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي (عارية عن الصحة).

وتابعت -نقلًا عن المصدر- إنَّ المباحثات بين الوفد الأميركي والكاظمي التي عُقِدَت الخميس الماضي لم تتضمن تقديم أية التزامات من الطرف الأميركي لنظيره العراقي لسحب القوات من البلاد، مشيرة إلى أنَّ تصريحات الكاظمي لم تُدعم من قبل واشنطن حتى الآن.

6- قال الكاظمي في اللقاء المتلفز الذي بثته قناة العربية الحدث: إنَّ القوات الأميركية وإن انسحبت، ستبقي على مجموعة عسكرية ضمن اتفاقها السابق مع الحكومة العراقية السابقة؛ لتدريب القوات العراقية، وتقديم المشورة والرقابة. 

الأسوشيتد برس من جانبها، أكدت أنَّ الحكومة الأميركية إن سحبت قواتها، ستبقى مرتبطة باتفاقية الإطار الإستراتيجي مع العراق، التي تخولها الإبقاء على قوات مقاتلة بأعداد غير محدودة.

الوكالة أشارت، إلى أنَّ الحكومة الأميركية باتت ترى وجودها العسكري القاصد والمعلن عاملًا يضعف موقفها داخل أميركا، وهو أمر تستطيع تفاديه عن طريق وضع غطاء قانوني آخر لوجود قواتها. 

وأوضحت أنَّ الإدارة الأميركية بدأت فعلًا بالعمل ضمن هذه الإستراتيجية الجديدة، حيث صرح بايدن، بأنّ أميركا ستحافظ على دور أكبر في أفغانستان بعد انسحاب قواتها عن طريق مواصلة الغارات الجوية ،مشددًا على أنَّ الحرب على الإرهاب عالمية، ولن تنتهي في أفغانستان أو غيرها، في إشارة منه إلى العراق.

7- مجلة فورين بوليسي، في الرابع عشر من الشهر الحالي، أكدت أنَّ القوات الأميركية ستبقي على قواتها في العراق بطريقة أو أخرى.

يبدو أنّ الحكومة الأميركية ستنجح في تثبيت قاعدة عسكرية متقدمة ضد إيران إن وقع صراع بين البلدين؛ عن طريق استبدال عنوان وجود قواتها في العراق من قوات أميركية، إلى "قوات حلف ناتو" مسؤولة عن تدريب الجيش العراقي!.

8- تصريحات الكاظمي التي أكدت استمرار وجود القوات الأميركية تحت عنوان تدريب وتطوير القدرات العسكرية العراقية، تأتي بالتوافق مع الاجتماع الذي عقده وزراء دفاع حلف الناتو مع الكاظمي في الثلاثين من الشهر الماضي؛ حيث اجتمع الكاظمي برفقة وزير الخارجية فؤاد حسين ووزير الدفاع جمعة سعدون بقادة الناتو، بطلب من الحكومة العراقية.

9- على الرغم من عدم إصدار إيضاحات حول ما اتفق الطرفان عليه عسكريًا، إلا أنَّ حلف الناتو أعلن في موقعه الرسمي، أنَّ المباحثات بين الطرفين تضمنت الحديث عن وجود قوات حلف الناتو في البلاد، زيادةً على توسعة مهمتها؛ لما وصف باستبدال القوات الأميركية بأخرى متعددة الجنسيات. 

الاستبدال الذي لم يؤكَّد إلى الآن يتضمن إبقاء قوات أميركية قتالية في العراق تحت عنوان مهمة للناتو، حيث ستحظى أميركا بغطاء قانوني جديد لوجود قواتها؛ يُجنِّبها ردود الفعل السلبية من الرأي العام الداخلي إذا وقع ضحايا أميركيون في العراق؛ كون المهمة توصف بالدولية.

وعليه، لا نجد ثمة دلالة على وجود تفكير جدي لأميركا بالانسحاب من العراق، وفق التقارير العالمية، والتصريحات الصادرة عن الجانبين، وونحن نذهب الى أنَّ أميركا ستنسحب، لكن ستبقي قوات محدودة، وتعوض انسحابها بوجود سياسي، وأمني، واقتصادي وغيره… فهي تنتقل من ملف إلى آخر، مع الإبقاء على وجود عسكري معتد به؛ عن طريق قوات التحالف، ومع كل الأدوار والأحوال فإنَّ أميركا عازمة على إنهاء دور الفصائل؛ وهذا شرطها  الأساس، وهي تعمل بنحو إستراتيجي لهذا الأمر.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: د.محمد صادق الهاشمي




روزنامة المحور