السبت 08 نيسان , 2023 02:13

المخابرات الروسية تنشر وثائق سرية تستفز الشعب الأمريكي

تحليل الوثائق المسربة في الصحافة

بعد انتشار وثائق الحرب السرية المسربة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل موسع بتاريخ 7 نيسان 2023، أمست وسائل الإعلام الأمريكية وأصبحت وشغلها الشاغل هو تكذيب هذه الوثائق وإعلان أنها مزورة. وبحسب الأخبار الواردة، عكفت المخابرات الأمريكية على إزالة هذه الوثائق من الفضاء الإلكتروني، ولم تتمكن من ذلك إلا حتى صباح اليوم التالي، أي بعد انتشارها على نطاق واسع.  هذه الوثائق لم تكن مكتوبة على ورق كتقارير استخبارية، بل هي خرائط ورسوم بيانية وإنفوغراف تم تصويرها بمنتهى الدقة، وتمّ نشرها على أكثر من قناة روسية منها القنوات التابعة للاستخبارات الروسية، نشرت على تويتر وتلغرام بشكل منهجي وعمليات مكثفة.

تتضمن التسريبات معلومات أكثر مما كان معروفًا في الأصل، وتحدد أيضا معلومات حساسة حول النقاط الساخنة في الحرب الأوكرانية. توضح هذه الوثائق بالتفصيل الخطط السرية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي لبناء الجيش الأوكراني قبل الهجوم المخطط له. وبحسب المعلومات الواردة يحقق البنتاغون في من قد يكون وراء التسريب. لا تقدم الوثائق خططًا محددة للمعركة، مثل كيف ومتى وأين تعتزم أوكرانيا شن هجومها، ولأن الوثائق عمرها خمسة أسابيع، فإنها تقدم لمحة عن الوقت من وجهة النظر الأمريكية والأوكرانية، اعتبارا من 1 مارس، ولما قد تحتاجه القوات الأوكرانية للحملة.

تذكر الوثائق، على سبيل المثال ، معدل إنفاق HIMARS - أنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة التي توفرها الولايات المتحدة ، والتي يمكنها شن هجمات ضد أهداف مثل مستودعات الذخيرة والبنية التحتية وتجمعات القوات ، من مسافة بعيدة. لم يقل البنتاغون علنا مدى سرعة استخدام القوات الأوكرانية لذخائر HIMARS إذ ليس من عادته أن يكشف عن الكميات المهولة من الذخائر الدقيقة التي تستهلكها أوكرانيا يوميًا، وذلك بهدف عدم استفزاز الشعب الأمريكي. حاولت الصحافة الأمريكية بكل جهدها تكذيب هذه الوثائق إلا أنها لم تفصح عن العدد بكل الأحوال.

اللافت أن ثمة فئة من المعلومات المسربة لها مؤشرات على أرض المعركة وفي تصريحات المسؤولين على الرغم من محاولات تكذيبها، إحدى محاولات التكذيب هي اتهام الأوكرانيين من قبل المحللين الأمريكيين على وسائل الإعلام بأنهم يحاولون تضليل الروس. حتى إنّ صحيفة نيويورك تايمز نشرت مقالًا يشي بأنه قد نزل كالصاعقة على محرره، ثم تحدثت في المقال التالي عن أن روسيا قد تلاعبت بمضمون الوثائق المسربة قبل نشرها على مواقع التواصل، واعتبرت أن تسريبها على مواقع التواصل يدعم هذه الفرضية، ذلك أن المخابرات عندما تريد تسريب المعلومات تسربها عبر قنوات رسمية. وقد تم التركيز في الإعلام الأمريكي على الوئائق الخاصة بعدد الضحايا من كلا الجانبين، إذ كشفت عن 71 ألف جندي أوكراني في مقابل 17500 من الجنود الروس. وتداول على ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال سابقًا أن ضحايا الجيش الروسي قد قارب ال 200 ألفًا وأوكرانيا لديها فقط 100 ألف.

إلى ذلك، هذه الوثائق ليست موجود لدى مقرات البنتاغون ولا  لدى الناتو، إنما في قاعدة عسكرية ألمانية، حيث تقوم قوات أمريكية بتدريب الأوكرانيين، وبحسب الصحافة الأمريكية أن أحد الجنود الأوكران قام بتصوير هذه الوثائق وإرسالها للمخابرات الروسية. هذه القاعدة التي زارها رئيس الأركان الأمريكي مارك ميلي شخصيًا، ليس من المتخيّل أن يزورها رئيس الأركان في مهمة للإشراف على التدريبات، ثمة ما هو أخطر وأهم، وهو الأمر الذي يجعل من هذه الوثائق ذات أهمية وبأنها حقيقية. لقد تم نشر هذه الوثائق بإغراق إمعانًا في الإهانة، وتأكيدًا على الخرق الاستخباري الذي قامت به روسيا.  مع العلم أن الحرب الاستخبارية القائمة بين البلدين غالبًا ما تكون سرية ولا يتم الافصاح عن خسائرها.

غالبًا خلال الفترة السابقة من الحرب، لطالما كان الأوكران متحفطين على مشاركة المعلومات مع الأمريكيين، هم يتركون الأمر لتقديراتهم ومعلوماتهم الاستخبارية، وذلك بسبب الخوف من التسريب، والآن، ستصبح أوكرانيا أكثر قلقًا من مشاركة الخطط مع الولايات المتحدة، وكذلك الأمريكيين سيصبحون أكثر حزمًا في مشاركة الخرائط الخاصة بهم، بالطبع هذه المسألة لا بدّ أن تضرّ بتبادل المعلومات الاستخبارية بشكل عام.

لن تعطل هذه التسريبات الهجوم الأوكراني، وبعكس السائد من التحليلات، وإجراءات البنتاغون بالحد من نشر الوثائق، بالإضافة إلى حركة الإعلام الأمريكي، لا يجب استبعاد فرضية أن من سرّب هذه الوثائق للروس ليس جنديًا أوكرانيًا. يمكن أن يكون أمريكيًا بمعرفة من الإدارة الأمريكية، وهي عادة أمريكية قد تعوّد العالم عليها، بأن تقوم بالتسريب لتتهم الآخرين بعدها، لكي تقول أننا نتصرّف كما يحلو لنا، بغض النظر عن المواثيق واحترام السيادات. ومهما كان من قام بالتسريب، فإنّ هذه الوثائق تكشف عن الوقاحة الأمريكية في التدخل في سيادة الدول وشؤون العالم، وهذه الحيثية هي أخطر ما في هذه الوثائق.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور