يكشف هذا المقال، الذي نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، بعض خفايا الزيارة التي يعتزم بنيامين نتنياهو القيام بها الى أذربيجان مطلع الشهر القادم. ووصف معدّا المقال أليكس غرينبرغ (خبير في الشؤون الإيرانية في معهد القدس للاستراتيجية والأمن، وباحث في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية)، وجوزيف إبستاين (مدير الأبحاث في مؤسسة حقيقة الشرق الأوسط (EMET)، وباحث أول في معهد يوركتاون، وباحث في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية)، زيارة نتنياهو الى أذربيجان بأنها ضرورية، خاصةً وأنه لم يسافر منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، إلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمجر.
فما هي الأسباب التي جعلت من هذه الزيارة ضرورية، وما علاقة إيران بذلك؟
النص المترجم:
في مطلع الشهر المقبل، من المقرر أن يسافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أذربيجان، في أول زيارة له إلى دولة مسلمة منذ بدء الحرب ضد حماس في 7 تشربن الأول / أكتوبر 2023.
منذ اندلاع الحرب، لم يقم نتنياهو بالكثير من الرحلات، إذ زار فقط الولايات المتحدة والمجر. فالقائد في زمن الحرب لا يستطيع المغادرة إلا للضرورة — وزيارة أذربيجان تُعد ضرورة.
وبحسب ما أفادت به صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن نتنياهو سيركز خلال زيارته على قضيتين رئيسيتين: الوساطة مع تركيا لتجنب التصعيد في سوريا، وتوسيع اتفاقيات أبراهام لعام 2020 لتشمل أذربيجان.
وقد لاقت فكرة انضمام أذربيجان إلى اتفاقيات أبراهام — التي طُرحت لأول مرة في مجلة نيوزويك في كانون الأول / ديسمبر الماضي — رواجاً في الأوساط الإسرائيلية والأمريكية والأذربيجانية. فقد ناقش نواب الائتلاف الحاكم في الكنيست، ودبلوماسيون أذربيجانيون بارزون، وحاخامات أمريكيون مؤثرون، ونتنياهو نفسه، احتمال أن تكون باكو الدولة التالية التي تنضم إلى الاتفاقيات.
وعلى خلاف الدول الأخرى الموقعة على اتفاقيات أبراهام — الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والسودان، والبحرين — فإن أذربيجان لم تقم فقط بعلاقات مع إسرائيل، بل ربما تكون أقرب حليف لها بعد الولايات المتحدة.
وقد وصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف علاقات بلاده بإسرائيل بأنها تشبه جبل الجليد الذي "تسعة أعشاره تحت السطح". فلا الطرفان يعلنان صراحةً أن إسرائيل ساعدت باكو في هزيمة أرمينيا خلال حرب قره باغ عام 2020 من خلال تصدير أسلحة تكنولوجية متطورة، كما أن أذربيجان تعد من كبار مصدري الطاقة إلى إسرائيل. ومؤخرًا، اشترت شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية "سوكار" حصة كبيرة في حقل "تمار" للغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل، كما مُنحت حقوقاً للاستكشاف في المياه الإسرائيلية.
وعلاوة على ذلك، فقد قرّبت حرب 7 أكتوبر — التي بدأتها حركة حماس الإرهابية — بين الطرفين أكثر فأكثر.
فقد زادت باكو صادراتها النفطية إلى إسرائيل، وتقوم بدور الوسيط في محادثات بين إسرائيل وتركيا تهدف إلى إبقاء التوترات في حدها الأدنى.
وبذلك، فإن إضافة أذربيجان إلى اتفاقيات أبراهام ستكون ذات طابع عكسي مقارنة بالسابق: فبدلاً من أن تكون الولايات المتحدة هي من تقرّب إسرائيل من حلفائها المسلمين، فإن إسرائيل هي التي تقرّب بين حلفائها المسلمين والولايات المتحدة.
وقد شهدت العلاقات بين واشنطن وباكو توتراً بسبب دعم الولايات المتحدة لأرمينيا في نزاعها المستمر منذ 30 عاماً مع أذربيجان حول إقليم ناغورنو قره باغ الانفصالي. ومع أن النزاع بات شبه محسوم، فإن باب التعاون فُتح مجددًا. وقد أعلن مكتب نتنياهو في رسالة مفتوحة إلى الكنيست أن إسرائيل تجري محادثات مع إدارة ترامب لتشكيل علاقة ثلاثية بين إسرائيل وأذربيجان والولايات المتحدة.
وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها. ففي آذار / مارس، زار المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف باكو لمناقشة التعاون الثلاثي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وجّه الرئيس دونالد ترامب رسالة إلى علييف عبّر فيها عن دعمه للتعاون المستقبلي وشكره لباكو على "الدعم والصداقة" مع إسرائيل. وفي الأسبوع الماضي، صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لوسائل إعلام أذربيجانية بأن واشنطن تسعى لتعزيز التعاون في مجال الطاقة مع باكو.
وفي الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بدور الوسيط بين الولايات المتحدة وأذربيجان، تقوم أذربيجان بدور الوسيط بين أقرب حليفين لها — إسرائيل وتركيا.
فقد وصلت العلاقات بين القدس وأنقرة إلى أدنى مستوياتها منذ بداية حرب 7 أكتوبر. إذ صعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من لهجته بقطع التجارة، وقيادة مبادرات دولية ضد إسرائيل، وتهديده بغزو الدولة العبرية بسبب حربها على غزة. ومؤخرًا، دعا الله أن "يدمر إسرائيل الصهيونية" خلال صلاة عيد الفطر.
وقد زادت التوترات مع إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. ففي حين دعمت تركيا الرئيس السوري الجديد والجهادي السابق أحمد الشرع، شنت إسرائيل هجمات على أهداف عسكرية تابعة للنظام السابق في مختلف أنحاء البلاد لتحييد أي تهديد محتمل من دمشق. كما أنها احتلت بشكل غير محدد منطقة الحدود في جبل الشيخ، وربما دعمت الحكم الذاتي للأقلية الدرزية في جنوب سوريا. وقد اقترح بعض الخبراء أن مواجهة عسكرية تركية إسرائيلية ستكون محتملة.
ومع ذلك، لا يبدو أن أياً من الطرفين يرغب في خوض صراع مسلح. فإسرائيل تفضل التركيز على غزة، والبرنامج النووي الإيراني، وشبكة وكلاء إيران. أما تركيا، فإن الصراع مع إسرائيل قد يعزلها عن الولايات المتحدة وحلف الناتو، ويحوّل سوريا — التي ترغب في إعادة إعمارها — إلى ساحة معركة رئيسية، ويؤدي إلى طرد أنقرة من برنامج مقاتلات F-35كما أنه قد يزيد من الدعم الأمريكي والإسرائيلي للجماعات الكردية في سوريا وتركيا، والتي تراها أنقرة تهديدًا انفصاليًا.
هنا يبرز دور أذربيجان. فقد استخدمت باكو في السابق علاقاتها الوثيقة بكل من تركيا وإسرائيل للوساطة بينهما. وكانت من أبرز مهندسي المصالحة التركية الإسرائيلية في عامي 2016 و2021. وبعد سقوط نظام الأسد، قام الدبلوماسي الأذربيجاني الكبير حكمت حاجييف بالتنقل بين القدس وأنقرة لمنع أي صدام عرضي بين القوات التركية والإسرائيلية.
ومؤخرًا، استضافت أذربيجان محادثات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين. ويبدو أن الطرفين توصلا إلى حل.
ففي الأسبوع الماضي، قال أحمد الشرع لمسؤولين أمريكيين إن سوريا ستكون مهتمة بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام إذا ما أوقفت إسرائيل توغلها العسكري في جنوب البلاد، وإذا ما التزمت واشنطن بوحدة سوريا. ومن غير المرجح أن يكون قد أدلى بهذا التصريح دون دعم تركي ضمني.
ورغم وجود أسباب تدعو إلى التشكيك في هذه الإمكانية، فإن السلام بين سوريا وإسرائيل يمكن نظريًا أن يخفف من حدة التوترات.
وفي هذه الأثناء، تتابع إيران هذه التطورات بقلق بالغ.
فآخر ما تريده طهران هو أن تتوصل إسرائيل وتركيا إلى تفاهم. إذ أن كلاً من أنقرة والقدس هما الدولتان الوحيدتان في الشرق الأوسط — إلى جانب مصر ربما — القادرتان على إسقاط نفوذهما خارج حدودهما. وبينما لا تحمل إيران العداء نفسه تجاه تركيا كما تحمله لإسرائيل، إلا أنها لا تثق بالطموحات الإقليمية التركية، وتخشى من أن تؤدي قوة تركيا إلى تحفيز النزعة الانفصالية لدى الأقليات التركية الكبيرة في إيران.
وفوق ذلك، تخشى إيران من تنامي النفوذ التركي بعد أن حلت أنقرة محل طهران كوسيط رئيسي في سوريا. وهذه المخاوف لها ما يبررها. فوجود تركي في شمال سوريا وآخر إسرائيلي في جنوبها قد قطع طريق الإمداد الأساسي لإيران إلى حزب الله.
والأسوأ بالنسبة لإيران هو احتمال التعاون الأذربيجاني مع الولايات المتحدة وإسرائيل. فالمراقبون الإيرانيون يرون في هذا التعاون وسيلة لتطويق إيران، ويعتقد بعضهم — مثل الخبير الإيراني في شؤون القوقاز إحسان موحديان — أن ذلك يشكل تمهيدًا للحرب ضد إيران.
وكما هو الحال مع إسرائيل والولايات المتحدة، فإن أذربيجان كانت هدفًا لعدوان إيراني، إذ أنشأت إيران ميليشيا وكيلة تستهدف أذربيجان، وأجرت مناورات عسكرية واسعة على حدودها، وحاولت اغتيال سياسيين أذربيجانيين مناهضين لإيران ويهود بارزين من أذربيجان. وقد تعاونت أذربيجان في الماضي مع إسرائيل ضد إيران. وإذا ما دخلت واشنطن على الخط، فإن التهديد الذي تواجهه طهران على حدودها الشمالية سيتضاعف.
ويكمن سر نجاح هذه المبادرات الإسرائيلية الأذربيجانية، والتحالف ككل، في إدراك بسيط: ربح طرف، هو ربح للطرف الآخر.
الكاتب: غرفة التحرير