الجمعة 25 تموز , 2025 11:49

مأزق تفاوضي جديد: تكتيك إسرائيلي أم انسداد سياسي؟

تشير المعطيات الأخيرة حول انسحاب الوفدين الإسرائيلي والأميركي من محادثات الدوحة بشأن غزة إلى حالة من الجمود التفاوضي بات من الصعب تجاهلها، خاصة بعد تحوّل المسار السياسي إلى ورقة ضغط بلا أفق تسوية واضح.

الانسحاب الإسرائيلي من المفاوضات لم يكن مفاجئاً بحد ذاته، إذ إن المفاوضات عالية المستوى كثيراً ما تشهد انسحابات تكتيكية هدفها إعادة ضبط الإيقاع السياسي ورفع سقف التوقعات التفاوضية، كما أشار المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية توماس ووريك. غير أن السياق العام يشي بأن الأمر يتجاوز مجرد مناورة، إذ تزامن الانسحاب مع تصعيد خطابي من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد ما أسماه "شروط الاستسلام" التي تفرضها حركة حماس، وكذلك مع قرار إعادة الوفدين الأميركي والإسرائيلي من الدوحة.

هذا التزامن يوضح أن إسرائيل، وبدعم مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باتت تسعى إلى ترسيخ معادلة جديدة تتجاوز مجرد استعادة الأسرى أو وقف إطلاق النار. فهي تصرّ على شروط نهائية تتعلق بتركيبة ما بعد الحرب، تشمل نزع سلاح حماس وإنهاء دورها السياسي في غزة، وهي شروط لا تندرج ضمن منطق التفاوض على تهدئة مؤقتة، بل ضمن منطق فرض استسلام سياسي كامل.

الخطير في هذا التصور أنه يتجاهل الوقائع السياسية والعسكرية. فإسرائيل، رغم استخدامها المكثف للقوة، لم تتمكن من حسم المعركة عسكرياً أو كسر بنية المقاومة في غزة، ولا تزال عاجزة عن إنتاج بدائل إدارية وأمنية تحل محل حماس في القطاع. وبالتالي، فإن الإصرار على شروط الإنهاء الكامل لدور الحركة لا يعكس توازناً تفاوضياً بقدر ما يكشف أزمة عميقة في الإدراك الاستراتيجي الإسرائيلي.

في المقابل، تدفع واشنطن باتجاه تحميل حماس مسؤولية التعطيل. وقد جاء ذلك على لسان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الذي اتهم الحركة بـ"الأنانية"، وبرفضها وقف إطلاق النار. هذا الاتهام يتناقض مع ما نقله باحثون ومطلعون على المحادثات من أن حماس قدّمت ردوداً مرنة، تشمل تنازلاً عن ثمانية جنود أسرى منذ اليوم الأول، وإيجابية في ملفات الانتشار والمساعدات الإنسانية.

هذا التناقض في الرواية الأميركية يعزز فرضية أن واشنطن لا تسعى حالياً إلى تسوية قابلة للتطبيق، بل إلى تأطير المفاوضات ضمن سردية تحميل المسؤولية، ربما تمهيداً لإعادة تموضع سياسي إسرائيلي مع قرب زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض. فالفشل في الدوحة قد يشكّل مادة مناسبة لإعادة إنتاج صورة نتنياهو كزعيم يتعرض للخذلان من شركائه الدوليين، خاصة في ظل تآكل الثقة الداخلية في حكومته بسبب ملف الأسرى.

أما داخلياً، فتواجه القيادة الإسرائيلية انقساماً واضحاً في ترتيب الأولويات. فرئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض، رون ديرمر، الذي ينتمي إلى التيار اليميني الأميركي أكثر من انتمائه للبيئة السياسية الإسرائيلية، لا يبدو معنياً بملف الأسرى بقدر ما هو منصبّ على تحقيق "أهداف الحرب"، أي القضاء على حكم حماس. وقد أدى هذا التوجه إلى اتساع فجوة الثقة بين الحكومة وعائلات الأسرى الذين حمّلوا ديرمر مسؤولية تعثر المفاوضات، وهو ما يعكس تصدعاً داخلياً يزداد حدة مع اقتراب الاستحقاقات السياسية الإسرائيلية المقبلة.

من زاوية أخرى، لا يمكن تجاهل أن المفاوضات في الدوحة استمرت لمدة غير مسبوقة (18 يوماً)، ما يشير إلى أن إسرائيل لا تملك فعلياً القدرة على إعلان فشل المسار التفاوضي، خشية من أن تُتهم بإضاعة فرصة التوصل إلى صفقة تنهي الحرب. هذا التعقيد يفسّر إلى حد كبير ازدواجية الخطاب الإسرائيلي بين الاستعداد للتهدئة ورفض "الاستسلام".

تواجه حماس بدورها معضلة تفاوضية قاسية، إذ إن الطرح المقدم لا يوفّر لها فرصة سياسية، بل يطرح عليها وصفة للاستسلام الكامل. في ظل غياب ضمانات حقيقية، يبدو أن الحركة تفضّل خيار الصمود، رغم الكلفة الإنسانية الثقيلة، على الانخراط في مسار يؤدي التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور