الإثنين 14 نيسان , 2025 01:53

الجيش الإسرائيلي 2025: أزمة بشرية وتململ في صفوف النخبة

مع دخول شهر نيسان/أبريل 2025، وبعد مرور أكثر من 18 شهراً على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يواجه الجيش الإسرائيلي واحدة من أخطر التحديات التي عرفها منذ عقود. لم تعد المشكلة محصورة في إدارة العمليات أو في طبيعة المعركة مع حركة حماس وفصائل المقاومة، بل اتسعت لتشمل أزمة داخلية متفاقمة تتمثل في نقص حاد في القوى البشرية، إلى جانب مؤشرات متزايدة على تململ داخل بعض وحدات النخبة، مثل لواء المظليين، ووحدات الاحتياط، وحتى بين صفوف بعض القيادات الميدانية.

وفق تقارير نشرها معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، فإن الجيش الإسرائيلي بات يعاني من تراجع غير مسبوق في معدلات التجنيد، حيث سُجّل انخفاض بنسبة تجاوزت 30% في عدد المجندين الجدد خلال الربع الأول من العام، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. يعود ذلك إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها طول أمد الحرب، وانعدام الأفق السياسي، والتأثير النفسي العميق على المجتمع الإسرائيلي بأسره، خاصة بعد سقوط مئات الجنود والضباط منذ بدء العملية في تشرين الأول 2023.

إلى جانب ذلك، شهدت وحدات الاحتياط، التي تشكل العمود الفقري لأي حملة طويلة الأمد، تراجعاً في نسب الاستجابة للاستدعاء، مما اضطر القيادة العسكرية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، شملت تمديد الخدمة الاحتياطية قسراً، وتقليص فترات الراحة الممنوحة للجنود، مع إعادة نشر بعض الوحدات في مناطق ساخنة بعد فترات قصيرة جداً من الاستراحة.

اللافت أن هذه الأزمة لم تعد تقتصر على الجنود العاديين أو على وحدات الدعم اللوجستي، بل وصلت إلى وحدات النخبة التي طالما وُصفت بأنها الأكثر صلابة وانضباطاً. لواء المظليين، على وجه التحديد، شهد مؤخراً مؤشرات واضحة على التململ الداخلي. فقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تحقيقاً موسعاً نقلت فيه عن عدد من الجنود وضباط الصف شعورهم بالإرهاق النفسي والجسدي، وافتقادهم للوضوح في الأهداف الميدانية والسياسية على حد سواء.

أحد الضباط في اللواء قال حرفياً: "نخوض نفس العملية للمرة الرابعة خلال ستة أشهر. ندخل ونخرج ونعود لنفس النقطة. لا استراتيجية واضحة ولا نتائج ملموسة. وهذا يقتل الحافز في أعماق الجنود".

مثل هذه الشهادات، حتى وإن لم تعبّر عن تمرد صريح، تعكس مناخاً مقلقاً داخل المؤسسة العسكرية، وتشير إلى بداية تفكك الاندفاع التقليدي الذي كان يميز الجنود الإسرائيليين في العمليات الكبرى، خاصة تلك التي ترتبط بسردية الأمن القومي والدفاع عن وجود "الدولة".

الجيش الإسرائيلي يقاتل اليوم على أكثر من جبهة، ليس فقط في غزة، بل أيضاً على الحدود مع لبنان، وفي بعض مناطق الضفة الغربية، وفي ظل تهديدات مستمرة من جبهات أخرى مثل اليمن والعراق وسوريا. هذا التمدد الجغرافي يترافق مع عبء نفسي متزايد، خاصة وأن العمليات باتت أكثر تعقيداً وأقل حسماً، في ظل تعاظم قدرات الفصائل غير النظامية، واستخدامها لتكتيكات مرنة تستنزف القوات المهاجمة وتمنعها من تحقيق إنجازات حاسمة.

في هذا السياق، يجد الجيش نفسه مضطراً للتعامل مع ضغوط داخلية متزايدة من عائلات الجنود، ومن بعض التيارات السياسية، التي بدأت تطالب بمراجعة شاملة لأهداف الحرب، وإعادة النظر في مدى جدوى الاستمرار في "المراوحة الميدانية" دون أفق سياسي واضح.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يواصل إطلاق التصريحات المتشددة، مؤكداً أن الحرب مستمرة حتى "القضاء الكامل على قدرة حماس"، لكن هذه العبارات باتت تفقد زخمها السياسي والمعنوي، خصوصاً مع تصاعد الانتقادات داخل الشارع الإسرائيلي من غياب خطة ما بعد الحرب، والتكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة التي يتكبدها.

نيسان 2025 يقدّم صورة مركّبة لأزمة تتجاوز حدود الميدان. الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُعدّ أحد أقوى الجيوش النظامية في الشرق الأوسط، يواجه اليوم استنزافاً طويل الأمد، لا تقف حدوده عند الإمكانات المادية، بل تشمل البنية النفسية والمعنوية للجنود، وتماسك القيادة، وصلابة الرواية الوطنية. ما يحدث في وحدات النخبة ليس مجرد صدفة عابرة، بل مؤشر على خلل أعمق يتطلب مراجعة جذرية قبل أن تتفاقم الأزمة إلى ما هو أبعد من حرب غزة.





روزنامة المحور