الجمعة 25 تموز , 2025 03:18

الضربات المزدوجة: أداة الاحتلال لقتل من يحاولون النجاة

الاحتلال يتعمد قتل المدنيين في غزة عبر تكرار الاستهداف

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وثّقت تقارير ميدانية وشهادات من جنود ومصادر طبية وإنسانية نمطاً خطيراً ومتكرراً في العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة: استهداف المدنيين والمسعفين من خلال ما يُعرف بـ "الضربة المزدوجة"، أي قصف الموقع ذاته مرة ثانية بعد دقائق من الهجوم الأول، عندما تتجمع فرق الإنقاذ والمارة لإنقاذ الجرحى.

يبدو أن هذا السلوك أصبح تكتيكاً عسكرياً ممنهجاً يُستخدم على نطاق واسع، ويقوّض كل ما تنص عليه اتفاقيات جنيف من حماية للكوادر الطبية والمدنيين في الحروب.

الضربة المزدوجة: تكتيك ممنهج

تُعد "الضربة المزدوجة" ممارسة موثقة في العديد من الهجمات الإسرائيلية في غزة، حيث تُقصف منطقة ما، ثم تُعاد مهاجمتها بعد دقائق أو حتى بعد ساعات، مما يؤدي إلى مقتل المسعفين، وعمال الدفاع المدني، وأحياناً الناجين أنفسهم الذين دفعتهم الغريزة الإنسانية للمساعدة.

وفقاً لشهادات ضباط إسرائيليين، فإن هذه الممارسة تُنفذ حتى دون التأكد من هوية من يقتربون من الموقع، سواء أكانوا عناصر من حماس أم أقارب أو طواقم طبية. الهدف الظاهري هو "منع إنقاذ الهدف المصاب"، لكن النتيجة الواقعية هي قتل الجرحى والعائلات المنكوبة، وإبادة فرق الإنقاذ.

عنف متعمد ضد الإنسانية

الهجمات التي تستهدف طواقم الإسعاف والدفاع المدني ليست مجرد أضرار جانبية، بل أفعال متعمدة بحسب ما أكده أكثر من مصدر عسكري شارك فعلياً في "هجمات ثانية". شهادات من موقع "محادثة محلية"، تؤكد هذا السلوك، مع وجود تسجيلات مرئية، وشهادات ناجين، وأرقام توثق أعداد القتلى بين المسعفين.

الأثر الجماعي للضربات المزدوجة

لا تقتصر فظاعة الضربات المزدوجة على عدد الضحايا، بل تكمن خطورتها الأعمق في الأثر النفسي الجماعي الذي تخلّفه داخل المجتمع. فعندما تُنفَّذ ضربة أولى، يتدافع المدنيون لإنقاذ من تبقّى، ثم تأتي الضربة الثانية لتصيب المسعفين والأهالي في لحظة استجابتهم الإنسانية، تنشأ صدمة مركّبة. هذه اللحظة تحوّل النجاة من القصف إلى قلق دائم، وتزرع في وعي الناجين فكرة أن كل فعل إنقاذ قد يكون مقدّمة للموت. ومع تكرار هذا المشهد، يختلّ الإحساس بالأمان، وتضطرب القدرة على الاستجابة للأزمات، فيُزرع الشك في الغريزة الإنسانية: نجدة الآخرين. بهذه الطريقة، تصبح الضربات المزدوجة أداة لتفكيك النسيج الاجتماعي، وتعميق الشعور بالعجز الشعور الذي يريد الاحتلال لأهل غزة أن يعيشوه بغية تخليهم عن أرضهم ومبدأ الصمود.

نمطٌ قديم

رغم وحشيتها، لا تُعدّ الضربات المزدوجة ممارسة جديدة في سجل الحروب، فقد استُخدمت سابقاً في أكثر من بلد، أبرزها الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت أفغانستان وكذلك العدوان الأمريكي السعودي المشترك على اليمن، حيث كانت الطائرات بدون طيار تُطلق صواريخها على هدف محدد، ثم تعود لاستهداف نفس الموقع بعد دقائق، ما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين والمسعفين. كما سُجّلت هذه الممارسة بكثرة في العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.

انتهاك صارخ للقانون الدولي

تُعد الضربات المزدوجة التي تنفذها "إسرائيل" نمطاً ممنهجاً يخالف جوهر القانون الدولي، فبحسب اتفاقيات جنيف، يُحظر استهداف المدنيين والمرافق الإنسانية، كما يُمنع تعمد ضرب فرق الإنقاذ أو تكرار الضربات على مواقع سبق قصفها إذا كان ذلك سيؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين. ومع ذلك، فإن ما وثقته منظمات كـ "هيومن رايتس ووتش" يُظهر أن الكيان يتعمد استخدام الضربة الثانية بعد دقائق من الأولى، مستهدفاً كل من يهرع للمساعدة من عائلات وجيران ومسعفين مما يُشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان. في ظل الغياب التام لأي مساءلة أو محاسبة قانونية على العنف المتعمد تجاه أهل غزة وهذا ما نقله عدة ضباط بالجيش الإسرائيلي أنفسهم: "قواتنا في غزة تمنع إنقاذ الفلسطينيين وتتعمد قصف المواقع المستهدفة".

تنضمّ الضربات المزدوجة إلى سلسلة ممنهجة من الاعتداءات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في غزة. فمن التجويع الممنهج إلى التهجير القسري، ومن تدمير المستشفيات والمدارس إلى قتل الأطفال وحرمان الغزيين من أبسط مقومات الحياة، تتكشّف ملامح إبادة مجتمع بكامله نفسياً وجسدياً.

ولا يقتصر الاستهداف على مواقع القتال، بل يمتد إلى طوابير المساعدات، حيث يسقط المدنيون قتلى أثناء محاولتهم الحصول على كيس طحين أو عبوة ماء. كل ذلك يجري تحت أنظار عالم يدّعي الدفاع عن القيم والحقوق. في هذا السياق، تصبح الضربات المزدوجة نموذجاً عن الفجور السياسي والعسكري الذي يمارسه الاحتلال بكل الوسائل في غزة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور