السبت 17 أيار , 2025 11:35

موقع أمريكي: الطائرات التركية والإسرائيلية فوق سوريا تثير أزمة جديدة

طائرات حربية في سماء سوريا

يعتقد تيد غالين كاربنتر، في هذا المقال الذي نشره موقع "1945" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، أن التوترات تتصاعد بين حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا وإسرائيل، في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في كانون الأول / ديسمبر 2024، وصعود زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع "الجولاني".

مشيراً إلى أن تصاعد هذه التوترات بين هذين الحليفين المقربين من أمريكا، لأن كلٍّ منهما يسعى لتحقيق أهداف متضاربة تماما في سوريا. وأن جذور الأزمة تكمن في أن كلًّا من إسرائيل وتركيا تتبعان سياسة توسعية عدوانية، ولم تبذل واشنطن حتى الآن جهدًا يُذكر لكبح هذه الطموحات.

النص المترجم:

كانت كل من تركيا وإسرائيل منذ عقود، على قائمة الحلفاء الأقرب لواشنطن.

فبدعم متحمّس من واشنطن، انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952، واعتبرها القادة الأمريكيون الحارس الأساسي للجناح الجنوبي الشرقي للحلف خلال حقبتي الحرب الباردة وما بعدها. أما الولايات المتحدة وإسرائيل، فترتبطان بـ"علاقة خاصة" منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، وقد أصبحت أهداف سياساتهما الخارجية متقاربة بشكل متزايد على مر العقود. وقد منحت واشنطن إسرائيل إمكانية الوصول إلى العديد من أكثر الأسلحة تطورًا في الترسانة الأمريكية.

توترات بين الحلفاء
لكن التوترات تتصاعد بين هذين الحليفين المقربين من أمريكا، لا سيما مع سعي كلٍّ منهما لتحقيق أهداف متضاربة تمامًا في سوريا. ففي كانون الأول / ديسمبر 2024، أطاح تحالف متمرّد يغلب عليه الطابع الإسلامي، تقوده هيئة تحرير الشام، ببشار الأسد الذي حكمت عائلته سوريا على مدى خمسة عقود.

وفي مقال بمجلة فورين أفيرز، أشار خبيرا شؤون الشرق الأوسط ديفيد ماكوفسكي وسيمون ساندميهر إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، تولّى زمام الحكم في سوريا، وأن القوى الخارجية تسعى لتوجيه سلوكه. وكتبا: "اثنان من جيران سوريا، إسرائيل وتركيا، استغلا الفراغ في السلطة لبسط نفوذهما هناك – وقد بدأتا بالفعل في التصادم". وأضافا: "برزت تركيا كقوة عسكرية مهيمنة في سوريا. فمنذ عام 2019، تسيطر هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وكانت أنقرة تدعمها بشكل غير مباشر من خلال إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري حمتها من قوات الأسد. والآن، تريد تركيا نفوذاً أكبر في سوريا".

لكن إسرائيل أيضًا تطمح إلى مزيد من النفوذ في سوريا، ولا تثق بأن أنقرة لن تستغل الفراغ الحالي لدعم موجة جديدة من المقاتلين الإسلاميين التابعين لها. ويخلص ماكوفسكي وساندميهر إلى أن "القادة الإسرائيليين اعتبروا سقوط الأسد مكسبًا استراتيجيًا، ويسارعون الآن للاستفادة من غيابه عبر إنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية في جنوب سوريا. وتُبدي إسرائيل قلقًا خاصًا من الوجود التركي في البلاد، لأنها تخشى أن تدفع أنقرة سوريا إلى احتضان مقاتلين معادين لإسرائيل".

وفي أوائل أيار / مايو، تصاعد التوتر عندما حلقت طائرات تركية وإسرائيلية بشكل مستقل وعلى مقربة شديدة في أجواء سوريا. كانت الطائرات الإسرائيلية تنفذ ضربات ضد مجموعات إسلامية مسلحة، بينما سعت تركيا إلى تعطيل هذه الغارات وحماية تلك الأهداف.

وقد أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن مدنيًا قُتل وأُصيب عدد آخر بجروح في الهجمات الإسرائيلية على أطراف حرستا ومدينة التل قرب دمشق، خلال قصف يوم الجمعة. وبدورها، أكدت هيئة البث الإسرائيلية حدوث التدخل التركي، قائلة إن "الطائرات التركية ترسل إشارات تحذيرية وتشوّش على المقاتلات الإسرائيلية لإجبارها على مغادرة الأجواء السورية".

وقد عبّر مسؤولون أتراك عن إحباط متزايد من توسّع العمليات الإسرائيلية في سوريا، والتي تراها أنقرة تهديدًا لمصالحها واستقرار المنطقة.

جذور الأزمة
تكمن جذور الأزمة في أن كلًّا من إسرائيل وتركيا تتبع سياسة توسعية عدوانية، ولم تبذل واشنطن حتى الآن جهدًا يُذكر لكبح هذه الطموحات. فقد وقف القادة الأمريكيون متفرجين، من دون أي احتجاج يُذكر، بينما استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية وضمّتها في نهاية المطاف بعد حرب 1967.

كما قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بنقل المستوطنين إلى الضفة الغربية، وتهجير السكان الفلسطينيين قسرًا، وبناء طرق مخصصة حصريًا للمستوطنين وقوات الجيش الإسرائيلي. وقد وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي مؤخرًا على إجراء جديد يُعدّ بمثابة ضم فعلي لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية.

أما واشنطن، فقد تعاونت بنشاط مع تحركات حليفتها للسيطرة على غزة وطرد سكانها الفلسطينيين. ولا تزال أهداف إسرائيل التوسعية هناك تتصاعد، إذ باتت تسيطر الآن على 50% من قطاع غزة بعد أن أنشأت "منطقة عازلة" موسّعة.

العدوان التركي
ارتكبت تركيا أعمال عدوان صارخة ضد ثلاثة من جيرانها — قبرص، والعراق، وسوريا — بهدف تحقيق مكاسب إقليمية غير مشروعة. ففي صيف عام 1974، أرسلت تركيا قواتها إلى قبرص، بذريعة حماية القبارصة الأتراك الذين كانوا يشكلون نحو 20% من سكان الجزيرة، وكانوا يتورطون بشكل متكرر في مواجهات عنيفة مع المجتمع القبرصي اليوناني الأكبر عددًا. وفي تلك المناسبة، توسعت القوات التركية خارج مناطق الإنزال الساحلي ذات الغالبية التركية في الشمال، واحتلت مناطق سكانية يونانية في مختلف أنحاء الجزيرة.

وكان عدوان تركيا على قبرص أكثر وقاحة واتساعًا من سلوك روسيا اللاحق في أوكرانيا. فموسكو تسيطر اليوم على نحو 20% من أوكرانيا، بينما لا تزال أنقرة تحتل 40% من قبرص. وقد أثار هذا العدوان الصارخ من قبل عضو في الناتو غضبًا واسعًا داخل الكونغرس الأمريكي، مما أدى إلى فرض بعض العقوبات على تركيا.

ومع ذلك، سارع داعمو أنقرة داخل البنتاغون، والبيروقراطية المعنية بالسياسة الخارجية، وصناعة الدفاع الأمريكية إلى التخفيف من أثر تلك العقوبات منذ البداية. وخلال سنوات قليلة، تلاشت الإجراءات العقابية، وعادت العلاقات والتعاون بين واشنطن وأنقرة إلى طبيعتها. وفي عام 1978، رفع الكونغرس الحظر المفروض على مبيعات الأسلحة إلى تركيا.

وقد كانت قبرص الضحية الأبرز لاستخدام أنقرة للقوة العسكرية في سبيل السيطرة على أراضٍ إضافية، لكنها لم تكن الضحية الوحيدة. فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، وإنشاء إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق، نفذت القوات العسكرية التركية عشرات التوغلات داخل الأراضي العراقية.

وفي عهد إدارة دونالد ترامب الأولى، اتخذت أنقرة إجراءات أكثر اتساعًا ضد المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال سوريا. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية لم تقدّم أي مطالبة رسمية بأراضٍ في أي من البلدين، فإن أنقرة تسيطر فعليًا على شريط واسع من الأراضي يتجاوز حدودها مع كلا الجارين.

وباتت واشنطن اليوم تواجه معضلة كبرى؛ إذ أن الأهداف التوسعية لكل من إسرائيل وتركيا في سوريا تتعارض بشكل مباشر، ومن شبه المستحيل على القادة الأمريكيين إرضاء الطرفين معًا. ومع قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية والتركية بمناورات خطرة واستفزازية في أجواء سوريا، فإن الوضع مرشّح لأن يتحوّل إلى كارثة حقيقية.


المصدر: موقع 1945

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور