يستعرض هذا المقال، الذي نشره موقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، حالة تصاعد العزلة الدولية ضد الكيان المؤقت، بسبب جرائمه وعدوانه على قطاع غزة. مشيراً إلى أن حتى أقرب الحلفاء لإسرائيل يبتعدون عنها، بما في ذلك ألمانيا والمملكة المتحدة، وهو ما كان سبب الخشية والقلق المزمنين عندها.
وبيّن المقال بأن إسرائيل تخسر الدعم الدبلوماسي لدى الجماهير الغربية ولدى النخب أيضاً: الإعلام، الجامعات، المنظمات غير الحكومية، والمسؤولون الحكوميون — ومن الأمثلة على ذلك "موظفو الاتحاد الأوروبي من أجل السلام". لاقتاً إلى أنه مع انتقال أفراد الجيل الشاب إلى مواقع صنع القرار، فإن رؤيتهم للعالم ستزداد هيمنة بين قادة الرأي. ووفقاً للمقال فإن إسرائيل أصبحت أقل قيمة كأصل استراتيجي، فإن اهتمام واشنطن بحمايتها من أي إجراءات عقابية أوروبية سيتراجع.
النص المترجم:
يعاني الإسرائيليون بشكل مزمن من القلق من أن يُترَكوا يومًا ما في عزلة. فإسرائيل دولة صغيرة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التجارة والاستثمار الأجنبي، وتؤمن بأنها جزء من عائلة الديمقراطيات الغربية، ولذلك فإن قدرتها على التكيّف اقتصاديًا وعسكريًا ونفسيًا مع العقوبات والإدانة العالمية ستكون أقل بكثير من دول مثل إيران وروسيا.
هذه المخاوف لم تتحقق من قبل، لكن خلال الأسبوعين الماضيين، أصبحت التهديدات أكثر واقعية من أي وقت مضى. السبب المباشر هو قرار إسرائيل تجديد هجومها على قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية. لكن خلف ذلك توجد تطورات طويلة الأمد لا تبشر بالخير لإسرائيل.
التهديد الأكثر وضوحًا جاء من أوروبا. ففي 20 أيار / مايو، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيُراجع اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، التي تشمل من بين أمور أخرى، ترتيبات التجارة الحرة. وفي اليوم نفسه، جمّدت بريطانيا المحادثات مع إسرائيل بشأن اتفاقية تجارة حرة ثنائية. وقد أوقفت بعض الدول الأوروبية إمدادات الأسلحة أو جمّدت تراخيص التصدير، بينما دعت إسبانيا الشهر الماضي إلى فرض حظر عام على تصدير السلاح لإسرائيل. وأصدرت عدة دول، بما في ذلك ألمانيا ودول أوروبية أخرى تُعتبر تقليديًا من أصدقاء إسرائيل، بيانات تنتقد بشكل غير معتاد الحرب المتجددة في غزة.
على الورق، لا تزال الولايات المتحدة متمسكة بدعمها لإسرائيل، وتستمر شحنات الأسلحة دون انقطاع. لكن على أرض الواقع، وجدت إسرائيل نفسها مرارًا وتكرارًا في موقف مناقض لأولويات إدارة ترامب في الشرق الأوسط. ففيما يخص إيران، اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب التفاوض بدلًا من مهاجمة المنشآت النووية، كما كانت تفضل إسرائيل؛ وفي سوريا، تجاهل ترامب المخاوف الإسرائيلية وأسقط العقوبات وبدأ بإعادة فتح مقر السفير الأميركي هناك؛ ومع الحوثيين، توصّلت الإدارة إلى هدنة، تاركة إسرائيل تخوض المواجهة معهم بمفردها.
وربما الأهم من ذلك، أن زيارة الرئيس الأميركي البارزة إلى الخليج شكّلت إشارة واضحة إلى أن اهتماماته الإقليمية تكمن في عقد الصفقات الاقتصادية وتجنّب المواجهات العسكرية، وهي توجهات تتعارض مع النهج التصعيدي الذي يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حريص على اتباعه.
مع ذلك، لا يرقى أي مما سبق إلى مستوى العزلة الوشيكة لإسرائيل. فعلى سبيل المثال، لكي تسفر مراجعة الاتحاد الأوروبي عن خطوات ملموسة، يتوجب موافقة أغلبية دوله، وهو أمر غير مرجّح حاليًا. كما أن فرض حظر على السلاح سيكون بلا معنى إذا لم تنضم إليه الولايات المتحدة، التي تُمثّل – إلى جانب ألمانيا – مصدر معظم الأسلحة المستوردة إلى إسرائيل (ومع ذلك، فقد أعلنت إسبانيا في 3 حزيران / يونيو إلغاء صفقة أسلحة بقيمة 285 مليون يورو، في خطوة تُسهم في تنفيذ "فك الارتباط" عن إسرائيل في المجال الأمني). أما بريطانيا، فقد جمّدت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، لكن اتفاقها التجاري الحالي مع إسرائيل لا يزال ساريًا.
وإذا أنهت إسرائيل حربها في غزة قريبًا – وهو أمر غير مضمون – فإن التهديد الفوري بعزلتها قد يزول، وإن كان ذلك على حساب مزيد من التآكل في مكانتها الدولية. لكن الاتجاهات طويلة الأمد التي وضعت إسرائيل في هذا الموقف الخطير لا تزال قائمة.
أول هذه الاتجاهات هو الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا. لا يزال الأمريكيون أكثر تعاطفًا مع الإسرائيليين من الفلسطينيين، وفقًا لاستطلاعات مؤسسة غالوب، لكن الفجوة بين الطرفين أخذت تضيق خلال العقد الماضي. ففي شباط / فبراير، عندما أجرت غالوب آخر استطلاع لها، كانت النسبة 46% لصالح إسرائيل مقابل 33% لصالح الفلسطينيين — وهي ليست الأغلبية الساحقة التي تحتاجها دولة تعتمد بشدة على الدعم الأميركي.
أما في أوروبا، فإن الرأي العام بات يرى إسرائيل بشكل سلبي، حتى في ألمانيا التي تُعد من أكثر داعميها التقليديين. ووفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان شتيفتونغ مطلع هذا العام، قال 36% فقط من الألمان إنهم ينظرون إلى إسرائيل بشكل إيجابي، مقابل 38% عبّروا عن رأي سلبي. وقبل 4 سنوات فقط، أظهر الاستطلاع نفسه أن 46% من الألمان كانوا يحملون رأيًا إيجابيًا تجاه إسرائيل. لقد ألحق الدمار الهائل والعدد الكبير من الضحايا الذي تسببت به حرب غزة — مع التغطية الإعلامية المكثفة والاحتجاجات الشعبية الواسعة في الولايات المتحدة وأوروبا — ضررًا كبيرًا بصورة إسرائيل في أعين الرأي العام. لكنّ هناك مشكلة أعمق لن تُحل بمجرد انتهاء القتال: فالأجيال الشابة ترى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور سياسات العِرق وإرث الاستعمار الأوروبي، ما يضع إسرائيل تلقائيًا في موقع أخلاقي ضعيف. ولا عجب أن استطلاعًا أجرته مؤسسة بيو العام الماضي أظهر أن بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، عبّر أكثر من ضعف عددهم عن تعاطف مع الفلسطينيين مقارنةً بالإسرائيليين.
وتؤثر نتائج هذه الاستطلاعات حتمًا على السياسيين المنتخبين، الذين يشعرون بضرورة التعبير عن مواقفهم وربما اتخاذ خطوات فعلية. لكن لا ينبغي المبالغة في تأثيرها، لأن قضية إسرائيل وفلسطين ليست مسألة حاسمة لغالبية الناخبين. إلا أن الخسارة الحقيقية لإسرائيل في معركة الدعم الدبلوماسي في الغرب تحصل ضمن النخب: الإعلام، الجامعات، المنظمات غير الحكومية، والمسؤولون الحكوميون — ومن الأمثلة على ذلك "موظفو الاتحاد الأوروبي من أجل السلام". ومع انتقال أفراد الجيل الشاب إلى مواقع صنع القرار، فإن رؤيتهم للعالم ستزداد هيمنة بين قادة الرأي.
أما الاتجاه الثاني الذي يعمل ضد إسرائيل، فهو التغير في ديناميكيات الشرق الأوسط. لقد ظلت إسرائيل محصنة نسبيًا من إجراءات الحكومات الغربية لأنها كانت تُعتبر حليفًا مهمًا في الدفاع عن المصالح الإقليمية — سواء في مواجهة إيران، أو دعم الأنظمة المعتدلة، أو تقديم معلومات استخباراتية ذات قيمة.
لكن ما بات واضحًا بشكل متزايد خلال الأشهر الأولى من الولاية الثانية لترامب، هو أن العديد من الثوابت القديمة في السياسة الأميركية يجري التخلي عنها. وكما قال الرئيس نفسه خلال جولته في الخليج:
"أمام أعيننا، جيل جديد من القادة يتجاوز الصراعات القديمة والانقسامات المرهقة للماضي، ويصنع مستقبلًا يُعرّف فيه الشرق الأوسط من خلال التجارة، لا الفوضى؛ ويصدّر التكنولوجيا، لا الإرهاب؛ وتبني فيه شعوب مختلفة الأعراق والأديان والمعتقدات مدنًا معًا — لا أن تقصف بعضها حتى الفناء."
لكن هذا ليس بالضبط ما تراه إسرائيل — أو على الأقل حكومة نتنياهو — في الشرق الأوسط. فهي لا تزال تعتبر إيران تهديدًا يسعى للهيمنة على المنطقة وتدمير إسرائيل، وسوريا بقيادة جهاديين لا يتراجعون، وحماس وحزب الله كخصمين لم يُهزما. أما الدبلوماسية وصفقات التجارة، فترى أنها غير ذات جدوى؛ فهذه التحديات لا يمكن التعامل معها إلا من خلال نوع من العمل العسكري الاستباقي والمستمر، كما تفعل إسرائيل في سوريا ولبنان وغزة — وكما كانت لتفعله في إيران لو أتيحت لها الفرصة من واشنطن.
قد تُثبت الأيام أن إسرائيل كانت على حق على المدى البعيد، لكن على المدى القصير، فإن دورها كشرطي للمنطقة قد تراجع. فموقفها المتشدد يهدد بإرباك المسار الدبلوماسي الذي ينتهجه ترامب. وإذا أصبحت إسرائيل أقل قيمة كأصل استراتيجي — وربما حتى عبئًا — فإن اهتمام واشنطن بحمايتها من أي إجراءات عقابية أوروبية سيتراجع. وقد تتخذ هي نفسها بعض الإجراءات، وأرجحها (نظرًا لكره ترامب للمساعدات الخارجية) أن تُخفّض حزمة المساعدات السنوية الضخمة التي تحصل عليها إسرائيل عند انتهاء الإطار الحالي في عام 2028.
هاتان النزعتان — تآكل الدعم الشعبي في الغرب وتغير التوازن الإقليمي — لا تكفيان وحدهما لتهديد إسرائيل بعزلة شديدة. المشكلة أن إسرائيل نفسها غير قادرة حاليًا على معالجة هاتين القضيتين جذريًا.
ففي الهوامش، حاولت إسرائيل تهدئة منتقديها، وأبرز ذلك استئنافها لكمية محدودة من المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكن ردها الأساسي تمثل في توبيخ الأوروبيين واتهامهم عمليًا بأنهم مؤيدون للإرهاب، يقفون في الجانب الخاطئ من التاريخ، بل ومعادون للسامية.
والسبب الأوضح لذلك هو أن إسرائيل يقودها حاليًا تحالف حكومي من اليمين المتطرف والمتدينين. كثير من أعضائه الأقوياء ينظرون إلى أوروبا على أنها معادية لإسرائيل بلا أمل في التغيير، ولا يؤمنون بأن شيئًا يمكن أن تفعله إسرائيل سيُبدّل هذا الموقف. أما احترامهم للولايات المتحدة، فهو مقتصر على ترامب والحزب الجمهوري — لكن حتى هذا يُختبر اليوم، في ظل معارضة البيت الأبيض لسياسات إسرائيل تجاه إيران، والأسوأ من ذلك، ضغطه لإنهاء الحرب في غزة. وبالنسبة لليمين المتطرف، فإن السيطرة الكاملة على غزة، تمهيدًا لإعادة الاستيطان فيها، تُعد بمثابة الكأس المقدسة، قضية لا تقل أهمية عن ضم الضفة الغربية. والتضحية باتفاقية تجارية أو تعاون بحثي مع أوروبا أمر يستحق الثمن. بل إنهم، بدلًا من التقليل من شأن الكارثة الإنسانية في غزة، يتباهون بتعهداتهم بتسوية القطاع بالأرض، وطرد سكانه، وحرمانهم من الطعام والدواء.
أما موقف نتنياهو نفسه من أيديولوجيا "اجعلوا إسرائيل عظيمة من جديد"، فليس واضحًا تمامًا. تقليديًا، كان براغماتيًا يعرف كيف يختبر صبر أصدقاء إسرائيل دون أن يتجاوزه. لكنه اليوم أسيرٌ لشركائه المتطرفين في الائتلاف، يخشى أن يُسقطوا حكومته وربما ينهوا مسيرته السياسية. بالنسبة له، البقاء في السلطة هو "الكأس المقدسة".
الغالبية العظمى من الإسرائيليين يرون أنفسهم جزءًا من العالم الليبرالي الغربي، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وتُظهر الاستطلاعات أن معظمهم يرغبون في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى حماس وإنهاء الحرب على غزة. لكن هناك محاذير. أولها أن الحكومة لا تهتم بإرادة عموم الناخبين، بل بإرادة قاعدتها الانتخابية، التي ما تزال مؤيدة للحرب. أما الثاني، فهو أن حتى الإسرائيليين الذين يشككون في سياسات الحكومة، يترددون في معارضتها علنًا بينما يخاطر أحباؤهم بحياتهم في غزة — وهو ما يفسر على الأرجح سبب ضعف الحراك الاحتجاجي ضد الحرب. كما أن صدمة هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 ما زالت تحصّن الكثيرين ضد الانتقادات الأجنبية، حتى من أولئك الذين يعتبرونهم عادةً أصدقاء.
الحدث الوحيد القادر على تغيير مسار إسرائيل هو سقوط حكومة نتنياهو واستبدالها بائتلاف أكثر اعتدالًا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن هذا سيكون المرجح إذا أُجريت انتخابات الآن. لكن نتنياهو وحلفاءه مصممون على التمسك بالسلطة لأطول فترة ممكنة. وإذا نجحوا في ذلك، فقد يصبح تدهور مكانة إسرائيل الدولية مسارًا لا يمكن عكسه، حتى مع وصول قيادة أكثر اعتدالًا.
المصدر: فورين بوليسي - foreign policy
الكاتب: غرفة التحرير