يعتبر ويليام غروفر في هذا المقال، الذي نشره موقع "realcleardefense" الأمريكي وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) قد ماتت وربما لفظت أنفاسها الأخيرة نتيجة العدوان الأميركي على منشآت إيران النووية، وبأنها كانت على أجهزة الإنعاش منذ زمن طويل قبل هذا الهجوم الأخير.
واستعرض غروفر في مقاله، المسار التاريخي لهذه المعاهدة. ورغم العديد من المغالطات، إلّا أنه أكد في السياق العام بأن الواقعية (أي القوة) هي التي تحكم العالم وليس المثالية.
النص المترجم:
السؤال الذي نسمعه كثيرًا بشأن الحروب الجارية في أوروبا والشرق الأدنى هو:
"كيف سيكون شكل اليوم التالي؟"
وبالطبع، لهذا السؤال البسيط أوجه متعددة تتطلب إجابات عديدة، لا إجابة واحدة.
أما الإجابة الوحيدة التي أستطيع الجزم بها، فهي أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) قد ماتت. وربما لفظت أنفاسها الأخيرة نتيجة القصف الأميركي لمنشآت إيران النووية، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية الإيراني يوم الأحد الماضي. ومع ذلك، فإن المعاهدة كانت على أجهزة الإنعاش منذ زمن طويل قبل هذا الهجوم الأخير.
في الواقع، ربما كانت هذه المعاهدة قد وُلدت ميتة عام 1970، عندما رفضت 3 دول أعضاء في الأمم المتحدة – إسرائيل والهند وباكستان – الانضمام إليها، رغم امتلاكهم أو سعيهم لامتلاك السلاح النووي.
ورغم هذه البداية المتعثرة، بدا أن المعاهدة تعمل خلال أول 25 عامًا من عمرها. فقد وقعت كوريا الشمالية على المعاهدة عام 1985، كما انضمت أوكرانيا إليها عام 1994 كجزء من اتفاقية مذكرة بودابست مع الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، مقابل الحصول على ضمانات أمنية مقابل التخلي عن ترسانتها النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي. نعم، مع دخول العالم الألفية الجديدة، بلغ التفاؤل ما بعد السوفيتي ذروته، وبلغت معاهدة عدم الانتشار أوجها.
ثم بدأ كل شيء ينهار.
ففي عام 2003، أصبحت كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي انسحبت من المعاهدة. وبعد 3 سنوات فقط، أجرت أول اختبار نووي لها تحت الأرض. ثم، في عام 2014، قامت روسيا – رغم الضمانات الأمنية التي تعهدت بها قبل عقد – بغزو أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وكان الرد الضعيف من إدارة أوباما، والمملكة المتحدة، وأوروبا بأكملها، بمثابة رسالة صاخبة وصلت إلى كل أرجاء العالم.
ومنذ عام 2006، حاول رؤساء الولايات المتحدة – ومنهم الرئيس ترامب عام 2019 حين أصبح أول رئيس أميركي يزور كوريا الشمالية – إقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن ترسانتها النووية. لكن لماذا تفعل كوريا الشمالية ذلك وقد رأت ما جرى لأوكرانيا عام 2014، ثم مجددًا خلال الغزو الروسي الثاني في 2022؟ تمامًا كما تردد أوباما في تحدي قوة نووية (روسيا) عام 2014، بدا ترامب ضعيفًا بالمثل في تعامله مع روسيا بشأن أوكرانيا عام 2025.
في ظل هذا التاريخ، ما هو الحافز الذي قد تقدمه معاهدة عدم الانتشار لإيران كي تتخلى عن سعيها لامتلاك سلاح نووي؟
الرسالة واضحة وصريحة: امتلك سلاحًا نوويًا وستُعامل بقفازات ناعمة من أمريكا وروسيا. أما إن لم تملكه، فأنت هدف للدول النووية. لم تكن إيران يومًا على استعداد للتخلي عن سعيها لامتلاك سلاح نووي، ومن يستطيع أن يلومها، خصوصًا عندما يكون عدوها اللدود (إسرائيل) مسلحًا بهذا السلاح؟
إن الهجمات الإسرائيلية والأميركية على إيران – كغزو روسيا لأوكرانيا – لا تؤكد سوى الرسالة الكبرى في التاريخ الحديث:
المعاهدات لا تضمن لك الأمان، أما السلاح النووي فيفعل.
الكاتب: غرفة التحرير