في خطوة أثارت موجة واسعة من التفاعل والجدل، أطلق المغني البريطاني الشهير، بوب فيلان، هتافاً مدوياً خلال إحدى حفلاته الموسيقية قال فيه: "الموت للجيش الإسرائيلي"، معبّراً عن تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان المستمر على قطاع غزة. جاء هذا الهتاف خلال حفله الذي أُقيم في مدينة مانشستر البريطانية، بحضور آلاف من معجبيه الذين تنوعت ردود أفعالهم بين التصفيق الصاخب والتأييد، وبين الانتقادات التي وصفته بـ"التحريض على العنف والكراهية".
الهتافات، التي انطلقت في لحظة مشحونة بالمواقف السياسية في الرأي العام العالمي، جاءت تنديداً لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وما خلّفته من آلاف الشهداء والجرحى المدنيين. لم يكن موقف بوب فيلان جديداً في التعبير عن القضايا السياسية من على خشبة المسرح، لكن كلماته هذه المرة كانت أكثر صراحةً ووضوحاً تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
ردود الفعل لم تتأخر. على الصعيد الرسمي، أعلن مسؤولون في الولايات المتحدة إلغاء تأشيرات دخول أعضاء الفرقة بعد أيام قليلة من أدائهم. كما فتحت الشرطة البريطانية تحقيقاً جنائياً بشأن ما إذا كانت تلك التصريحات تمثل خرقاً للقانون. وعبّرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عن أسفها لعدم قطع البث المباشر خلال تلك اللحظات، مؤكدةً أنها لم تكن على علم مسبق بما سيُقال.
في المقابل، لاقت الفرقة دعماً من أصوات كثيرة داخل بريطانيا وخارجها. الكاتب البريطاني أوين جونز في مقال له في The Guardian، دافع عن موقف الفرقة، معتبراً أن الغضب الواسع الذي أثارته كلمات بوب فيلان كان مبالغاً فيه مقارنةً بصمت كثيرين تجاه "المجازر والانتهاكات الجارية في غزة". وأشار جونز إلى أن كلمات الفنانين الغاضبة ليست سوى صدى لغضب مشروع ضد آلة عسكرية دمرت حياة الآلاف.
من جانبها، أوضحت الفرقة موقفها في بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قالت فيه: "نحن لا ندعو إلى موت اليهود أو العرب أو أي مجموعة من الناس. نحن ندعو لتفكيك آلة عسكرية عنيفة، آلة دمرت معظم غزة". وأكدت الفرقة أن هتافها كان موجّهاً ضد جيش الاحتلال، لا ضد شعب أو ديانة.
الجدير بالذكر أن بوب فيلان لم يتراجع عن موقفه رغم حملات الانتقاد. وقال المغني في تصريح مقتضب: " قلتُ ما قلتُ. وأُصرّ على ما قلتُه على تلك المنصة. لن أعتذر عن انتقادي لمؤسسة قتلت آلاف الأبرياء ودمرت منازل ومستشفيات ومدارس"، مؤكداً أن مهمته كفنان أن يتحدث عن الظلم والعدالة، وأن يقف مع الشعوب المضطهدة.
الحادثة فتحت نقاشاً واسعًا في بريطانيا حول حرية التعبير، وحدود النقد المشروع للسياسات الإسرائيلية، ومدى ازدواجية المعايير عند التعامل مع مثل هذه القضايا. وبينما يرى البعض أن تصريحات بوب فيلان تحريضية، يرى آخرون أنها تعبير صادق عن الضمير الإنساني في مواجهة مأساة غزة.
تأتي هذه الواقعة، لتؤكد أن الفن لا ينفصل عن السياسة، وأنه في جوهرهِ انعكاس لصوت المجتمع، حيث يسعى الفنانون إلى استثمار حريتهم على خشبة المسرح أو أي ساحة إبداعية أخرى، بعيداً عن التقييد السياسي، وأتت حفلة بوب فيلان في هذا الإطار لتبرز الأصوات الحرة في العالم، التي ستبقى تدفع المجتمعات لمراجعة ضمائرها، مهما كانت الكلفة.
الكاتب: غرفة التحرير