الثلاثاء 08 تموز , 2025 01:52

زيارة باراك إلى لبنان: قفازات دبلوماسية فوق نار التصعيد؟

لقاء برّاك مع رئيس الجمهورية

الاستعراض اللفظي للمبعوث الأميركي، توم برَّاك، يوم أمس في بيروت، لم يكن فقط محاولة لرسم مشهد سلمي زائف، بل حمل أيضاً رسائل ضغط مبطنة على للداخل اللبناني. فبإلقائه مسؤولية الحل في "الملعب اللبناني"، وامتناعه عن الحديث عن أي جدول زمني، بدا كمن يحاول تأطير النقاش حول سلاح حزب الله في مسار عزل المقاومة سياسياً، وحشرها في زاوية مواجهة داخلية مع العهد والحكومة، في سياق يبدو أقرب إلى استراتيجية تفتيت الجبهة اللبنانية الداخلية.

ثبات حزب الله والتهويل الإعلامي المسبق

في هذا السياق، لم تكن المصادفة أن تترافق زيارة برَّاك مع حملة تهويل سياسية وإعلامية سبقتها بأيام، سعت أبواق عوكر، وفي طليعتها حزب "القوات اللبنانية"، إلى استثمارها على أمل استقدام ضغط أميركي يؤدي إلى نزع سلاح حزب الله. لكن ما أعقب الزيارة كان إحباطاً واضحاً لهذه القوى، بعد أن اكتشفوا أن الخطاب الأميركي لم يأتِ بحجم رهاناتهم، لا بل بدا وكأنه تراجع تكتيكي فرضته موازين القوة والمواقف الصلبة التي أعلنها حزب الله.

فقد شكّل موقف حزب الله الثابت والواضح كما عبّر عنه الأمين العام، الشيخ نعيم قاسم، في خطاباته الأخيرة أحد العوامل الرئيسة في تليين الخطاب الأميركي. إذ أن الحزم في الموقف والسقف العالي، المؤكِّد على خيار السلاح لمواجهة الاحتلال، أظهر لواشنطن أن أي محاولة للضغط المباشر لن تُثمر، بل قد تُنتج مزيدًا من الإصرار على مواجهة المخططات الأميركية في لبنان. كما أن الموقف الذي عبّر عنه الرئيس نبيه بري، والذي شدّد على أولوية تطبيق القرار 1701 وملف إعادة الإعمار، قبل أي بحث آخر، واصفاً لقائه مع برَّاك بالجيد والبنّاء، وضع لبنة إضافية على موقف حزب الله واتحاداً لخيار المقاومة المتمثّل بالثنائي الوطني.

هنا، لا بد من التذكير بأن برَّاك، مهما أظهر من لين دبلوماسي، لا يملك صلاحية اتخاذ القرار. فهو مجرد حامل لرسالة، والقرار الحقيقي يصاغ في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون، حيث تتحدد السياسات، وتتقاطع مع أجندات حلفاء واشنطن في تل أبيب. ولذلك فإن قراءة الزيارة يجب أن تتم ضمن السياق الكامل لما يُحضّر للمنطقة، لا في التصريحات الناعمة التي أطلقها برَّاك من بيروت.

ما وراء اللغة الناعمة

رغم ما طغى على تصريحات برَّاك من إيجابية لفظية، حيث وصف لبنان بـ"لؤلؤة المتوسط"، إلا أن المضمون حمل أكثر من إشارة مريبة. فهذه اللغة الناعمة، التي حاول من خلالها الظهور بمظهر الوسيط النزيه، بعكس لهجة أورتاغوس، تخفي خلفها مراوغة استراتيجية العصا والجزرة التي لطالما اعتمدتها واشنطن في تعاطيها مع ملفات المنطقة. ويفيد التزخيم الجوي الإسرائيلي عشيّة وصول المبعوث الأميركي إلى بيروت بأن إسرائيل، ومِن خلفها الإدارة الأميركية، تمارس أقصى درجات الضغط على لبنان للإسراع في نزع سلاح حزب الله.

فلا يُلغي خطاب برَّاك السياسي المفاجئ، احتمالية كونه مراوغة أميركية من ديبلوماسي من أصول لبنانية، وغطاء تمهيدي لاحتمال تصعيد عسكري إسرائيلي، وقد دأبت الولايات المتحدة على اعتماد مثل هذه الأساليب السياسية، التي تخفي وراءها تدخلها المباشر في الملف اللبناني.

الكلمات المطمئنة التي أطلقها برَّاك بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون حيث قال "أنا ممتنّ للرد اللبناني... الرد مدروس وموزون. نحن نعمل على وضع خطة للمضي قدماً، ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى الحوار"، أتت في ظل غياب لأي موقف حازم من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان، بل وتنصّل من أي مسؤولية لواشنطن عن هذه الاعتداءات.

يتألف رد لبنان على ورقة الموفد الأميركي من سبع صفحات قدّمت من قبل رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الى برَّاك تحت اسم "ورقة الدولة اللبنانية". وفي أساس مضمون الورقة رغبة وسعي الدولة الى حصرية السلاح، بالتوازي مع المطالبة بالتزام "إسرائيل" ببنود اتفاق 1701، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وتضمنت عدداً من الصفحات تتحدث عن ترسيم وضبط الحدود من الجانبين السوري والإسرائيلي، كما عن الإصلاح الإداري والمالي والقضائي ومواضيع أخرى.

ربما كانت الرسالة الأهم في زيارة برَّاك، لا ما قاله هو، بل ما عجز عن تغييره. فالمقاومة، رغم الضغوط، لم تتنازل عن حقها في امتلاك السلاح لمواجهة العدوان، بالتوازي مع تأكيدها على الالتزام بالقرارات الدولية واتفاق إنهاء الأعمال العدائية. و"القفازات الدبلوماسية" التي ارتداها باراك لن تخفي فخاخ العنجهية الأميركية في التعاطي مع الملف اللبناني، ولم تنجح في إخفاء نار التصعيد التي ما زالت مشتعلة تحت الطاولة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور