الجمعة 15 نيسان , 2022 01:34

القدس: مابين الأسرلة والتهويد

القدس المحتلة

يعود تاريخ المدينة القديمة في القدس إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث بناها اليبوسيون، فيما تعاقبت عليها شعوب مختلفة منها اليهود والرومان، إلى أن خضعت للسيطرة الإسلامية العربية منذ 15 قرناً. وقد ظلت القدس معروفة بحدود البلدة القديمة الواقعة داخل السور حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث بنى بعض الأهالي منازل لهم خارج منطقة السور، وهكذا اتصلت القدس بالقرى المحيطة مثل "أبو طور" و"البقعة" و"الطالبية" و"السلوان". ومع النمو العمراني اللاحق اتصلت القدس بقرى المالحة وعين كارم ولفتا والعيزرية والعيسوية وشعفاط وبين حنين، وقد ضم معظم هذه القرى إلى القدس، وأصبح جزءاً من مخطط المدينة الهيكلي.

في بداية القرن التاسع عشر وصل سكان مدينة القدس إلى 60 ألف غالبيتهم من العرب. وفي أوائل عهد الاستعمار البريطاني ارتفع العدد الى 114.500 نسمة منهم 105.410 من العرب، والباقي من الأرمن واليهود. وكان عدد العرب داخل سورة البلدة القديمة 21 ألف نسمة.

بلغت المساحة التنظيمية للقدس 175 دونم، تشغل القدس القديمة منها 927 دونماً يملكها العرب، في العام 1948 خسر العرب القسم الغربي من المدينة بكامله، فطرد كل سكان هذا الجزء قبل فترة قصيرة من الإعلان عن قيام الكيان المؤقت. وكانت القرى المجاورة شهدت طرداً جماعياً، بل أن دير ياسين شهدت مجزرة راح ضحيتها أكثر من 200 مواطن.

لقد سيطر الإسرائيليون على أربع قرى أصبحت الآن جزءاً من القدس الغربية وهي:

أولاً: قرية "لفتا" وأراضيها الواقعة في الجنوب الغربي من القدس، ويقع فوق أراضي هذه القرية مبنى الكنيست الإسرائيلي وفندق هيلتون.

ثانياً: دير ياسين وقد أقيمت فوقها منطقة صناعية، كما قامت الجرافات الإسرائيلية منتصف عام 1983 بشق طريق تمر في مقبرة القرية .

ثالثاً: عين كارم وتقع في الجنوب الشرقي من المدينة، ويقوم فوق أراضي هذه القرية مستشفى عين كارم إضافة إلى بيوت سكنية، وكذلك نصب "يادرفشيم" الخاص بضحايا النازية.

في العام 1948 استولت قوات الاحتلال على نحو20 ألف منزل في الجزء الغربي من المدينة، صالحة للسكن ومؤثثة في أحياء البقعة الفوقا والبقعة التحتا والقطمون والطالبية وقسم من رحابية، وقسم من أبو طور. ولجأ أهالي القدس الغربية إلى الضفة الغربية والأردن. كما لجأ أهالي القرى المذكورة إلى القرى المجاورة والقدس الشرقية، وهاجر قسم منهم إلى الأردن والكويت.

في العام 1967، وبعد حزيران/يونيو مباشرة، لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى سياسة الإرهاب لطرد السكانالعرب من مدينة القدس.وقد تمّ قتل أكثر من 3000 مواطن وتشريد 5 آلاف في الأيام الأولى للاحتلال، إضافة إلى هدم العقارات، كما وقع في حي المغاربة داخل أسوار المدينة، حيث شردت 35 عائلة من سكانه تضم 650 مواطناً.

في 28 حزيران/يونيو 1967 صدر الأمر رقم 2964 في الصفحة 2690 من نشرة الأنظمة بشأن ضم القدس القديمة إدارياً وسياسياً " لسيادة دولة إسرائيل"، وحلّ مجلس أمانة القدس ودمجها مع المدينة، وإلغاء القوانين الأردنية واستبدالها بالتشريعات الإسرائيلية، وإغلاق المحاكم النظامية الأردنية وتجميد تنفيذ أحكام المحاكم الشرعية الإسلامية، والضغط على مسلمي القدس لمراجعة محكمة يافا الشرعية الإسلامية التي تطبق القوانين الإسرائيلية في الأحوال الشخصية خلافاً للعقيدة الإسلامية.

في 30 تموز/يوليو 1980 أقر الكنيست الإسرائيلي بشكل استثنائي قانوناً معجلاً جديداً عُرف باسم "قانون أساسي: القدس عاصمة إسرائيل 5841 – 1980 " وقد تقدم بمشروع القانون هذا النائب غيئولا كوهين التي كانت عضواً في المنظمة الإرهابية "شتيرن" قبل قيام الكيان المؤقت، ثم عضواً في حزب حيروت.

نص البند الأول من القانون، بعد التعديلات التي أدخلت عليه بطلب من المعراخ، على أن "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل وهي مكان ومقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا"، وأشارت البنود الأخرى إلى "المحافظة على الأماكن المقدسة من الانتهاك وأية إساءة أخرى...وحرية الوصول إليها... وتوفير موارد خاصة بما في ذلك منحة سنوية خاصة لبلدية القدس ومنحها أفضلية خاصة في نشاطات أجهزة الدولة...".

جاء هذا القانون الإسرائيلي بعد 24 ساعة فقط من صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى إنسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلية من الاراضي المحتلة قبل تشرين الثاني/ نوفمبر 1980، وتحدى الكيان المؤقت إرادة العالم ممثلة بإرادة 112 دولة صوّتت على القرار.

لكن، بعد حزيران/ يونيو 1967 عمدت سلطات الكيان المؤقت إلى القضاء على التراث الإسلامي والمسيحي، وتدمير الأماكن المقدسة في القدس. وقد تمثبل هذا النهج العنصري في عدد من الإجراءات التي تمت ضد المساجد والكنائس الإسلامية والمسيحية.

وفي 21 آب/ أغسطس 1969 دبرت سلطات الكيان المؤقت جريمة حرق المسجد الأقصى، وتلا ذلك محاولة عديدة لإحراقه، عدا عن منع المصلين من أداء صلاة الجمعة.

كما تم حرق وتدمير الكنيسة المعمدانية بشكل كامل، وذلك في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1982، قالت "هآرتس" إن حركة "كاخ" العنصرية نفذّت هذا الاعتداء.

ولقد أقر مجلس الشيوخ الأميركي في 27 تموز/ يوليو اقتراحاً يسمح للولايات المتحدة بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. ويوجد خلاف واضح في المجتمع الدولي حول الوضع القانوني والدبلوماسي للقدس، حيث يدور النزاع الرئيسي حول الوضع القانوني للقدس الشرقية، وهي إحدى القضايا المحورية في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية. حيث يريد الإسرائيليون والفلسطينيون القدس عاصمة لهم. في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة إلى القدس، كما أعلن القدس عاصمة لإسرائيل في  6 ديسمبر 2017.

طالت عملية الأسرلة الشاملة سائر مكوّنات المدينة المقدّسة بحيث جاءت لتحدث انقلابًا جذريًا في واقع تلك المكوّنات يلغي خصوصياتها العربية الإسلامية التاريخية، ويثبِّت خصوصيات يهودية بديلة عنها. من هنا كان التلازم بين الأسرلة والتهويد بمنزلة التلازم بين الإنجاز والنتيجة في عملية تكاملية تصب في النهاية في خدمة المشروع الصهيوني في إقامة الدولة اليهودية التوراتية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور