السبت 01 تشرين أول , 2022 11:30

معاريف: تتفجر امامنا طاقات في الضفة لم نشهد لها مثيلاً

فلسطين

يقف كيان الاحتلال على بُعد خطوة من التصعيد المتوقع في عدد من المناطق الفلسطينية المحتلة. وبحسب الأوساط الإسرائيلية فإن تراكم التحديات التي باتت تواجهها تل أبيب والتي تتوزع بين الأراضي الفلسطينية ولبنان وإيران -اذ ان التوصل إلى الاتفاق النووي بات امراً واقعا- يتطلب معالجته بسبل أكثر نجاعة. وتقول صحيفة معاريف في مقال لها، ان ما يرونه في الضفة "طاقات لم نشهد لها مثيلاً منذ سنوات" وهي "من نوع جديد وأكثر صعوبة على الإحباط". معتبرة ان "التوقف في المفاوضات تكتيكي، ويمكن التقدير بأنه بعد تشرين الثاني ستستأنف المحادثات، وسيكون في النهاية اتفاق. عندما يكون الطرفان هما إيران والولايات المتحدة، معنيين بالاتفاق، فسيتحقق".

النص المترجم:

يبدو أن عادة إجراء حساب شخصي في الأيام ما قبل يوم الغفران قد انقضت. على الأقل، هذا هو الانطباع الذي يؤخذ من تصفح الشبكة الاجتماعية. فأنهار الشبكة تفيض بالشتائم بين الشخص وصديقه حتى في الأيام ما قبل الغفران. لكن استغلال هذه الأيام والهدوء الذي يجلبه يوم الغفران لحساب نفس أمني، هو أمر ممكن ومجدٍ.

الساحات التي في محيطنا تطرح أمامنا بضعة أسئلة لا نحب الانشغال بها في معظم أيام السنة. بما في ذلك أولئك الذين يعتقدون بأننا دوماً محقون وحكماء، فإن الأيام الفظيعة هي زمن ممتاز لكي نستوضح لأنفسنا ما هو خير وما هو صائب لنا، ولعل هذا يؤدي بنا إلى تحول ما قبل وقوع الشر.

الساحة السياسية في "يهودا والسامرة" هي الأكثر إلحاحاً واشتعالاً منها جميعها، وواضح هناك أننا نقف أمام ظاهرة جديدة. يتحدث الشاباك عن انتفاضة من نوع جديد، ويفضل الجيش تسمية هذا تصعيداً، لكن المسألة التي أمامنا هي: ما السبيل الصائب الذي نعيد به الغطاء إلى مكانه فوق الوعاء.

تتفجر أمامنا طاقات لم نشهد لها مثيلاً منذ سنوات، وإرهاب من نوع جديد وأكثر صعوبة على الإحباط: إرهاب شبان غير منتمين لمنظمات الإرهاب التقليدية التي عرفناها، بلا قيادات أو تمويل أو مؤسسات توجيه. معظم المخربين الشبان الذين نلتقيهم ولدوا أو لم يكونوا واعين في أيام الانتفاضة الثانية و"السور الواقي"، ولا يرتبطون بمنظمات الإرهاب، والأجواء – في السلطة الفلسطينية أيضاً – عنيفة.

هذه الأجواء تجرف المئات بل وربما الآلاف، لكن ليس عموم الشارع الفلسطيني الذي لا يخرج في غالبيته الساحقة من البيت ولا يشارك في العنف. التحدي هو إبقاء أغلبية الشارع الفلسطيني في البيت وقمع عنف أولئك المئات أو الآلاف.

إن سماحنا بعمل نحو 110 ألف فلسطيني في إسرائيل والمستوطنات هو عامل لجم هام ذو مغزى، ومن المهم الإبقاء عليه. السؤال هو: كيف نقاتل أولئك الذين يبحثون عن الاحتكاك بنا؟

المطلوب سلوك حساس ودقيق في استخدام الجيش الإسرائيلي، في ظل التمييز بين حملات اعتقال ضرورية لقنابل موقوتة وبين اعتقالات وحملات ترسيم وهدم منازل، يمكنها الانتظار. قتل في بداية السنة 97 فلسطينياً بنار الجيش الإسرائيلي، أغلبيتهم عن حق، لكن العدد رهيب، ويشحن دوائر عداء وثأر جديدة.

القيادة التكتيكية في الجيش مسرورة من فرصة استخدام القوة والشعور كجيش مقاتل، وهكذا ينبغي لها أن تشعر. لكن القيادات العملياتية والاستراتيجية فوقها ينبغي أن تزن المنفعة التي ستكلفها مقابل كل حملة.

ثمة من يدعي إلى حملة واسعة وعميقة للجيش الإسرائيلي في شمال السامرة، مثل "السور الواقي". تتفق القيادة السياسية والعسكرية على أن الثمن يفوق المنفعة في مثل هذه الحملة، لأن التواجد المتواصل في الميدان سيؤدي بالضرورة إلى إصابات إسرائيلية وإلى مزيد من الإصابات الفلسطينية.

في الأسبوع الماضي، طرأ تغيير في سلوك السلطة الفلسطينية. أبو مازن عاد من نيويورك مشحون بطاقات جديدة، والسلطة الفلسطينية طلبت إجراء تقسيم عمل: الجيش الإسرائيلي يعالج جنين، حيث لا تتجرأ على الدخول، والسلطة تعالج المسلحين المارقين في نابلس. يعطي جهاز الأمن في هذه اللحظة فرصة لهذا المشروع التجريبي، الذي إذا ما نجح، قد يقلص احتكاكنا مع الفلسطينيين ويوفر المصابين من جانبنا أيضاً.

يحوم فوق هذا كله المتفجر المطلق: الحرم. تنجح شرطة إسرائيل حتى الآن في كبح استفزازات الفلسطينيين الذين يبحثون عن الاحتكاك، واليهود الذين يسعون إلى الإشعال. لكن الحرم يبقى عود الثقاب الذي سيشعل ناراً كبرى ويغير الصورة.

والخلفية هذه، يبدو الهدوء مفاجئاً من ناحية غزة. عندما يُسأل: لماذا غزة هادئة بهذا القدر في ضوء المجريات التي في الضفة؟ فهناك من يقول انه بسبب 17 ألف عامل الذين يدخلون إلى إسرائيل ويغذون القطاع بالدخل. فيما يعزوه آخرون إلى ردع تحقق في "حارس الأسوار" و"بزوغ الفجر"، وآخرون يقولون بأن حماس ليست جاهزة الآن لجولة قتال إضافية.

أما الحقيقة فهي على ما يبدو خليط من هذه العوامل. مهما يكن من أمر، فإن غزة تمنحنا مهلة للنظر إليها، الأمر الذي لا نحب أن نفعله، وأن نسأل أنفسنا ما هي العلاقات التي نريدها مع هذا الكيان المعادي الذي يسكن على أعتابنا.

توافق إسرائيل حالياً على زيادة عدد العمال الوافدين من غزة حتى 20 ألفاً، لكنها تشترط دخول مشاريع كبرى إلى القطاع بالتقدم في المفاوضات حول الأسرى والمفقودين. لا جدال في التزام إسرائيل تجاه عائلتي المقاتلين اللذين سقطا في غزة، والسؤال هو، هل بكل ثمن؟

في هذه اللحظة، لن توافق حماس على صفقة أسرى لا تتضمن تحرير قتلة، وإسرائيل تعارض صفقة أخرى يتحرر فيها مخربون قتلة. في هذه الوضعية، أليس من الصواب التقدم مع غزة في مجالات مدنية، تعفينا من المسؤولة عن رفاه سكان القطاع؟ والسماح لهم بأن ينتجوا الكهرباء والمياه لأنفسهم دون التعلق بنا؟

تشكل غزة تهديداً عسكرياً، لكنه محدود. فهل المطلوب جولة قتال أخرى قبل أن نفهم بأن المشكلة الأساسية لغزة ليست عسكرية بل اقتصادية؟ بغياب الماء والكهرباء والرزق، ليس لغزة ما تخسره ولا يمكن ردع من ليس له ما يخسره.

ما سيكون له ليخسره ابتداء من الأسبوع القادم، إذا ما سار كل شيء كما كان مخططاً، هو لبنان. في نهاية هذا الأسبوع، ستتسلم وإسرائيل مسودة الاتفاق على الحدود البحرية، التي إذا ما أقرها الطرفان، فستشكل تغييراً دراماتيكياً لوضعنا الاستراتيجي تجاه لبنان.

في الشهر القادم، يفترض بشركة "انيرجيان" اليونانية البدء بإنتاج الغاز من كاريش. إذا ما أقر الاتفاق فستتمكن شركة "توتال" الفرنسية أيضاً من البدء بإنتاج الغاز من حقل قانا لرفاه اللبنانيين. مثل هذا الاتفاق، الذي تحقق من فوق رأس "حزب الله"، قد ينتج ميزان ردع متبادل مستقر بيننا وبين لبنان. فهو سيضع لجامات ثقيلة على دافع "حزب الله" للمبادرة في أعمال تجاه إسرائيل تعرض مستقبل لبنان الاقتصادي للخطر.

فضلاً عن فحص الاتفاق وإقراره، يجدر تكريس العلاقات المستقبلية بيننا وبين لبنان. فإنتاج الغاز المتبادل أساس ممتاز لتعاون مستقبلي، في كل أنبوب غاز مشترك ينزع المحفز من التهديد العسكري الأكبر على إسرائيل – حزب الله.

وأخيراً – إيران: توجت القيادة الإسرائيلية نفسها بتيجان عديدة على النجاح في تأخير المفاوضات مع إيران. أما الحقيقة فهي أن من أخر الوصول إلى الاتفاق هم الإيرانيون. التوقف في المفاوضات تكتيكي، ويمكن التقدير بأنه بعد تشرين الثاني ستستأنف المحادثات، وسيكون في النهاية اتفاق. عندما يكون الطرفان – إيران والولايات المتحدة – معنيين بالاتفاق، فسيتحقق.

أيام استمتاعنا بتوقف المفاوضات كفيلة بأن تكون قصيرة، وليس بعيداً اليوم الذين نبدأ فيه بالتوق لاتفاق جديد. فهل سيحصل هذا عندما ستخصب إيران اليورانيوم إلى مستوى 90 في المئة؟ عندما تستبدل إيران أجهزة الطرد المركزي بطراز جديد وسريع؟ علينا استغلال أيام تعثر المفاوضات كي نفكر بالمرحلة التالية.

إذا وقعت الولايات المتحدة مجدداً على الاتفاق النووي السيئ من العام 2015 مع إيران – فستكون هذه خاتمة طيبة لنا. لكن اليوم هي الخاتمة الأفضل التي ربما نحصل عليها الآن.


المصدر: معاريف

الكاتب: ألون بن دافيد




روزنامة المحور