الأربعاء 18 كانون الثاني , 2023 04:17

موقف إيران الحقيقي من المرأة

الإمام الخامنئي في لقاء مع فئات نسائية

في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات والاتهامات بين الغرب باعتباره غرّب المرأة عن البيت، وبين بعض المجتمعات في الشرق باعتبارها ترفض إخراج المرأة منه، إلا أنه مما لا شكّ فيه أن تيارات غربية مدعومة بسياسات داخلية وخارجية نسوية معلنة وسرية كشفت عنها وثائق استخبارية وأمنية، وضعت المرأة الغربية في شأن شديد التعقيد، جعلها تحارب أنوثتها إلى حدّ البؤس، فلا تريد أن تكون أنثى فتمارس دورها الأنثوي بشكل طبيعي، ولا هي رجل فتشعر بالانتماء للأدوار ذات الخصائص الرجولية. وعندما نقول الأدوار ذات الخصائص الرجولية، لا نعني بالطبع ما تمّ التعاقد عليه عرفًا بأنه دور للرجل، بل هو ما يتّسق بنيويًا مع قوة الذكر الجسدية وصلابته النفسية. وهذا هو جوهر الغبن الذي تتعرض له المرأة الغربية.

الواقع أنّ "موقفنا من قضية المرأة تجاه المدّعين الغربيين هو موقف مساءلة وهجوم وليس موقف دفاع". يقول قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي. ويضع النقاط على الحروف فيما يتعلّق برؤية ولاية الفقيه للمرأة، خاصة بعد محاولة إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال حركة نسوية.

يبين الولي الفقيه في لقاء مع فئات نسائية مختلفة مجموعة من الإشكاليات التي يعتبرها جريمة الغرب "المنافق" كما أسماه، بحق المرأة، دون أن يغفل عن أهمية "وضع قوانين محكمة وقوية فلا يستطيع أي رجل أن يظلم المرأة". يقول قائد الثورة.

يمكن للمرأة أن تكون قدوة للرجل

يوضح السيد علي خامنئي أنّ نظرة الإسلام لكلا الرجل والمرأة "هي نظرة إلى الإنسان، ولا خصوصية لأيّ منهما، والمساواة بين الرجل والمرأة في مجال القيم الإنسانية والإسلامية هي من مسلّمات الإسلام. ليس هناك أدنى شك في هذا الموضوع في آيات القرآن يتساوى جميعهم في الأجر". ويقول القائد: "فإذا أراد الرجال كلهم في العالم أن يصيروا مؤمنين، فقدوتهم امرأتان: إحداهما زوجة فرعون والأخرى السيدة مريم (ع)؛ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ}".

في هذه القضية يطرح القائد نموذجًا أراد منه فضح الذكورية الغربية التي تجعل الرجل نموذجًا للمرأة، ويصبح مركز الهدف أن تصل لما يحققه الرجل، وهذا في الواقع إلغاء للمرأة لصالح الرجل، واحتقار للأنوثة واعتراف بقيم الذكورة. وكأنه الغرب يقول لنا، إن المرأة كائن ضعيف لا ينصلح حالها إلا أن تكون رجلًا. أما نظرة القرآن فهي مختلفة جدًا، ووضعت المرأة الأتقى قدوة ليس فقط للنساء بل تُميّز على الرجال أيضًا. والآيتان القرآنيتان {ضرب الله مثلًا للذين آمنوا} وليس اللواتي آمنّ، إنها نزلت للرجال والنساء.

اختلاف مسؤوليات المرأة والرجل

"هناك اختلافات بين المرأة والرجل، أي الطبيعة الأنثوية والذكورية. هناك اختلافات في الجسد والروح والأمور المعنوية أيضاً، والمسؤوليات متناسبة مع تلك الاختلافات. هذه الاختلافات تؤثر في نوع المسؤوليات الموكلة إلى المرأة أو الرجل، فالأمر يتعلق بالطبيعة الأنثوية والذكورية".

يفصح الإمام الخامنئي في هذا المقطع عن معيار يجب اعتماده لدى إيكال المسؤوليات للرجل المرأة، وهو أن تكون متناسبة وملائمة للطبيعة الأنثوية والذكورية، وذلك سيضمن بطبيعة الحال نتائج أفضل تعود على الرجل والمرأة وتنعكس على المجتمع في النهاية. إلى ذلك، إذا لم يكن ثمة تميّز في المسؤوليات، فما الذي سيميّز إنسانًا عن آخر؟

الحقوق والواجبات ليست نفسها لكنها متعادلة

"في القرآن {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ذاك المقدار نفسه الذي هو حق لهنّ وهو حقّ عليهن أيضاً. شيء ما يخصهنّ بالمقدار نفسه، وهناك شيء يخصّ الطرف المقابل، أي يقع على عاتقه، أي تكليفه. فكل واجب يُكلّف لشخص ما هناك حق قبالته. كلّ امتياز يُعطى لكل واحد منهما هناك واجب مقابله؛ تعادلٌ كامل. هذا فيما يتعلق بحقوق المرأة والرجل. طبعاً الحقوق والواجبات ليست نفسها لكنها متعادلة". هكذا يقول قائد الثورة.

 إنها قيمة العدل التي تفوق قيمة المساواة.

الزوجية هي القانون العام في عالم الخلق

"هناك زوجية عند الأجرام الفلكية لا نعلم كيفيتها. في المستقبل سوف يُكتشف ذلك. لاحظوا: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} إذًا الزوجية قانون عام".

 ويمكن أن نضيف، أن قانون الزوجية الذي تعاقدت عليه المخلوقات منذ بداية التاريخ، يحاول الغرب أن يمحقه من خلال تحريض النساء على الرجال وتحريض البشرية على الشذوذ الجنسي. وفي هذا الإطار يقول القائد:

"مع ذلك، هذا القانون الثابت له ضوابط في حالة الإنسان. لقد وضعوا ضوابط في حالة الإنسان [فقط]. لماذا وضعوا الضوابط؟ لأنّ الزوجية يمكن أن تقع من دون ضابطة كما في بعض الأماكن في العالم، دون ضوابط. وسبب ذلك أن الإنسان يفعل عن انتخاب واختيار. لا يمكن أن يتحرّك الإنسان ويتقدّم دون انتخابه واختياره. يجب أن يكون انتخابه واختياره ضمن إطار وإلا فإن شخصاً سيختار أمراً وآخر سيختار شيئاً يناقضه ومن ثم تحدث الفوضى".

الزوجية تعني السكينة

"{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (آل عمران، 21). «مودّة» هي نفسها المحبّة، و«رَحمة» تعني العطف. يجري تبادل المحبّة والعطف بين المرأة وزوجها. هذا هو دور المرأة بصفتها زوجاً، ودور الرجل بصفتها زوجًا وهو ليس بالدّور الصغير. إنه دورٌ مهمّ وعظيمٌ جدّاً". يقول الإمام الخامنئي.

الواقع أن السكينة التي يحصل عليها المرء من العلاقة الزوجية، هي حاجة نفسية لن يحصل عليها لا من أهل ولا من أخوة ولا حتى من أبناء، وبالطبع لن يحصل عليها من الوحدة. إنها حاجة نفسية لا يمكن إشباعها بشكل كامل إلا مع زوج. وهو الشعور الذي يفقده الفرد الغربي الغارق في فردانيته، المتمحور حول نفسه، وغير القادر على الانطلاق نحو الآخرين إلا بما يخدم مصلحته فقط. والواقع أيضًا أن الفرد المشبع بهذه الميزة سينطلق نحو الأسرة والمجتمع أكثر إرادة وقوة، سواء كان رجلًا أو امرأة.

العنصر الأكثر تأثيرًا في الزوجية هو الأنثى

"دور المرأة هو دور «حقّ الحياة»، أي المرأة تُنشئ الكائنات التي تتكوّن منها. فهي التي تَحمِل، وهي التي تضع، وهي التي تُغذّي، وهي التي ترعى. حياة البشر مرهونة بقبضات أيدي الأمّهات، فلهنّ حقّ الحياة على الأبناء. المحبّة التي جعلها الله المتعالي في قلوب الأمّهات تجاه الأبناء شيءٌ فريدٌ من نوعه، أي لا وجود لأيّ محبّة من هذا النوع وهذا النّحو الذي جعله [الله]. هي صاحبة حقّ الحياة ثمّ استمرار النّسل. فالأمّهات هنّ السّبب في استمرار النسل، أي يستمرّ نسل البشر بفضل الأمومة".

هكذا يقرأ الولي الفقيه أهمية المرأة بالنسبة للبشرية بشكل عام.

العنصر الأكثر تأثيرًا في انتقال عناصر الهوية الوطنية هو الأنثى

"الأمّهات سببُ الانتقال لعناصر الهويّة الوطنيّة، وهذه الهويّة شيءٌ مهمّ. إنّ هويّة أيّ شعب وشخصيّته تنقلها الأمّهات بالدرجة الأولى: اللغة، العادات، التقاليد، الأعراف، الأخلاق والعادات الحسنة... كلّها تنقلها الأمّ بالدرجة الأولى. الأب مؤثّرٌ أيضاً لكن بنسبة أقل بكثير من الأمّ، فهي لديها الأثر الأكبر".

وهكذا يقرأ أهمية المرأة في المعارك الثقافية التي تستطيع أن تمحو هويات بأكملها.

محورية الأنثى في الأسرة لا تعني عدم ممارسة العمل والأنشطة السياسية

بعض الأشخاص يشتبهون بين هذين الأمرين. يرى الإمام الخامنئي أننا "عندما نقول: إدارة المنزل، يظنّون أنّنا نقول: اجلسنَ في البيوت ولا تفعلنَ أيّ شيء، ولا تؤدّين أيّ مسؤوليّة، ولا تدرّسن ولا تجاهدنَ ولا تمارسنَ العمل الاجتماعي والأنشطة السياسيّة. ليس هذا ما تعنيه إدارة المنزل. إنها تعني الاهتمام به، وإلى جانب ذلك، يمكنكنّ فعل أيّ عمل آخر في وسعكنّ أداؤه وترغبن فيه وتشعرنَ بالتوق لإنجازه، لكن ذلك كلّه يندرج بعد إدارة المنزل. إذا دارَ الأمر بين أن تُصان حياة هذا الطّفل أو يُنجز ذاك العمل في المديريّة، فإنّ حياة الطفل أوْلى. هل لديكنّ شك في هذا؟ كلا، أي لا يوجد أدنى شك لدى أي امرأة في أنه إذا كانت حياة الطفل في خطر، وكان العمل في المكتب في خطر، فإن حياة الطفل أولى. كذلك الأمر بشأن أخلاق الطّفل وإيمانه وتربيته. فكما أنكنّ لا تشعرنَ بالتردّد بشأن حياة الطّفل، فإنّ هذا الأمر يصدق على التربية أيضاً. طبعاً، هناك بعض الحالات التي يُمكن فيها حلّ هذا التردد وتدوير الأمر بين هذا وذاك بأسلوب معيّن وبطريقة من الطرق. هناك بعض الحالات يُمكن حلّ الأمر فيها، لكن إذا كان هناك تدوير ولم يكن هناك من سبيل، فسيكون هذا مقدّماً على ذاك [العمل في المديريّة]. لكن لو كان ذاك أيضاً عملاً مشروعاً وضروريّاً، يكون في بعض الحالات واجباً - في بعض الحالات، تكون الأعمال الاجتماعيّة فريضة ولا بدّ من إنجازها - ولا بدّ منه".

هنا يشدد الإمام الخامنئي على أن أخلاق الطفل وإيمانه وتربيته ليست أقل أهمية من حياته، لأن هذا الكائن الذي ستنجزه الأنثى، سيكون مرآة تقدم وتطور المجتمع، ولا يرى الإمام الخامنئي مهمة أو مهنة يتقنها البشر  أهمّ وأرقى من هذه المهنة.

القوانين لحماية المرأة من ظلم الرجل

"من الإنصاف [القول] إن النساء يُظلمنَ في بعض العائلات في مجتمعنا". يقول الإمام الخامنئي، ويرى أنّ "الرجل يتجبّر على المرأة بالاعتماد على قوته الجسدية، ولأن صوته أخشن وطوله أعلى وعضلاته أثخن. النساء يتعرضن للظلم. حسناً، ما الحل؟ ماذا ينبغي أن نفعل؟ إذن، نريد أن نصون الأسرة، والحل أن تكون القوانين المتعلقة بالأسرة محكمة وقوية فلا يستطيع أي رجل أن يظلم المرأة. يجب أن تأتي القوانين هنا لمساعدة الطرف المظلوم. طبعًاً هناك حالات قليلة تكون فيها المسألة بالعكس، أي المرأة هي التي تَظلِم، إذْ لدينا أيضاً حالات على هذا النحو. طبعاً هي قليلة وغالبية الحالات كما ما قلت. نأمل أن تصلح هذه الأمور كلها، إن شاء الله".

الواقع أن الإمام الخامنئي قطع الطريق بهذه المسألة على الغرب الذي يدّعي أن مجتمعاتنا ليس في أولوياتها أن تحمي المرأة، والذي نصّب نفسه المدافع القانوني الوحيد عن حقوقها والحامي الوحيد لها. وهو على الرغم من ذلك فإن ما انتفعت به المرأة من القوانين الغربية هو أقل بكثير مما تضررت منه بسببها، كما تشير الإحصاءات أن الغرب لم يتمكن لحدّ الآن من حماية المرأة بشكل كامل.

فضح ما يفعله الغرب بالمرأة تقع على عاتق النساء

هي رسالة بل لعله تكليف أوصى به القائد في خطبته مرتين. أن تبيين وتفصيل وتفريع ما يرتكبه الغرب من جرائم المرأة يقع على عاتق النساء من خلال المتابعة والبحث والعمل. للوصول إلى " فضح النظرة الكارثية للثقافة الغربية فيما يتعلق بنوع جنس الإنسان وبالمرأة" واعتبرها "إحدى مهماتكنّ الأساسية".  ويضيف: "اليوم التواصل في الفضاء المجازي سهل للغاية؛ يمكنكنّ أن تجرين تواصلاً في الفضاء المجازي وأن تشكّلن أرضيةً لكي يلتفتوا، وأن تجعلن هذه المفاهيم في إطار عبارات قصيرة ومعبّرة – تكون قصيرة ومعبّرة أيضاً – وترسلنها لتفهيم الرأي العام المُخاطب بهذه «الهاشتاغات» وأمثالها".

"من المؤمل أن تتمكنّ حقاً من التأثير في الرأي العام للغربيين". هكذا يأمل قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي من النساء.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور