الجمعة 02 أيار , 2025 02:47

إسرائيل تستغل أحداث صحنايا لتقسيم سوريا!

عنصر في الأمن العام التابع للسلطة السورية المؤقتة وطائرة حربية إسرائيلية

كما كان متوقعاً، صعّد الكيان المؤقت من مشاركته المباشرة، في أحداث الفتنة المذهبية في سوريا، عندما قصف طائراته الحربية صباح اليوم الجمعة، محيط القصر الرئاسي في دمشق، ليوّجهوا بذلك رسالةً "تحذير" للنظام المؤقت في سوريا بقيادة أحمد الشرع الجولاني، بعد سلسلة رسائل حصلت منذ أيام، وليؤججوا من التوترات ما بين الدروز السوريين والسنة السوريين ومن خلفهم كل السنة في المنطقة.

فالأطماع الإسرائيلية واضحة لا لبس فيها، وهي إشاعة الفوضى في سوريا وكل المنطقة، بهدف الوصول الى مرحلة تنادي فيها المكونات السورية - وأيضاً اللبنانية والعراقية - المتعددة الأعراق والمذاهب والطوائف بالتقسيم.

وقد وجه وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس رسالة إلى الرئيس السوري المؤقت الشرع الجولاني، في أعقاب القصف الإسرائيلي، عبر منشور على منصة إكس جاء فيه "عندما يستيقظ الجولاني صباحا ويرى نتائج هجوم سلاح الجو الإسرائيلي سيدرك تماما أن إسرائيل عازمة على منع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا"، مشيراً بأن الهجوم الجوي قد أشرف عليه مع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، وأن الهجوم "يُعدّ رسالة تحذير واضحة للنظام السوري"، وأن من واجب الجولاني "حماية الدروز في ضواحي دمشق وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم"، مشيرا من ناحية أخرى إلى أن من واجب كيانه "حماية الدروز في سوريا من الأذى، من أجل الدروز في إسرائيل".

أحداث صحنايا: تسجيل مشبوه فاشتباكات مذهبية

فبعيداً عن التشنجّات الطائفية التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تساهم من توتير الأوضاع في سوريا وغيرها من دول المنطقة على خلفية مذهبية، فإنه يجب التوضيح بأن كل هذه الأحداث حصلت بسبب مباشر مشبوه (لا يمنع الشكّ في أن مصدره على صلة بالمخابرات الإسرائيلية) وهو تسجيل صوتي يتم خلاله شتم الرسول محمد (ص) تم الادعاء بداية بأنه يعود لرجل دين من طائفة الموحدين الدروز "مروان كيوان"، ليتبين بعدها بأنه ليس له بل لشخص آخر.

أما الأسباب غير المباشرة للأحداث، فهي خوف السوريين من المذاهب المختلفة، من المجموعات المسلّحة التي استلمت السلطة بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، بقيادة الجولاني الذي أعلن في بادئ الأمر، رغبته ببناء دولة لجميع المكونات السورية، قادرة على حماية الجميع وتكون السلطة متشكّلة من جميع المكونات.

إلا أن أحداث الساحل والمجازر التي حصلت فيها، بالإضافة الى أحداث صحنايا منذ أيام، وغيرها من المحطات، مثل تشكيل الحكومات وجلسات الحوار ووعود الانتخابات، أظهرت بأن الجولاني والمجموعات المسلحة معه، لا يزالوا يتصرفون وفق سلوكهم خلال سنوات الحرب، وبأنهم لا يريدوا بناء دولة جامعة لكل أطياف الشعب السوري، بل يريدوا التفرّد في القرار وتطبيق ذلك بالقوة على باقي المكونات.

ومشاهد الفيديو التي انتشرت منذ أيام، تؤكّد بأن ما يُصطلح عليه باسم الجيش وجهاز الأمن العام السوري (كأجهزة من المفروض أن تقوم بتطبيق إجراءات قانونية)، ما هي إلا عناصر ومجموعات تقوم بنفس الممارسات الإرهابية والتكفيرية التي حصلت خلال سنوات الحرب.

لذلك ورغم حصول اتفاق بين ممثلين عن السلطة الجديدة وقيادات الطائفة الدرزية، إلا أن الأمر مرجّح لعودة اندلاع أحداث مشابهة، إذا لم يتم إنهاء جميع الأسباب غير المباشرة التي أدت لأحداث صحنايا، خاصةً مع وجود دور إسرائيلي مباشر وغير مباشر يعمل على تذكية الفتنة بين المكونات السورية.

التدخل الإسرائيلي بدأ قبل وبعد اشتعال الأحداث

أما التدخل الإسرائيلي المباشر بالأحداث، فبدأ منذ الأربعاء 30/04/2025، حين قامت طائرات مسيرة مذخّرة إسرائيلية، بالتحليق فوق العاصمة دمشق، ومن ثم تنفيذ عمليات هجوم على مجموعات وآليات تابعة للسلطة السورية.

وقد أعلن نتنياهو في بيان مشترك له مع كاتس، بعد إحدى الهجمات الجوية التي شنها جيشه، بأنهم نفذوا "ضربة تحذيرية ضد متطرفين كانوا يستعدون لمهاجمة الدروز في بلدة صحنايا".

وفي سياق متّصل، أعطى الزعيم الدرزي في فلسطين المحتلة موفق طريف غطاءاً للتدخل الإسرائيلي حينما صرّح مع اندلاع الأحداث قائلاً: "أدعو دولة إسرائيل والمجتمع الدولي والشعب اليهودي إلى التحرك الآن، فورًا، لمنع المذبحة الجماعية. يجب ألا تقف دولة إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث الآن في سوريا".

المصالح الإسرائيلية في دعم الدروز؟

1)حماية وجودها وسيطرتها العسكرية والاحتلالية الجديدة على مناطق الجولان والقنيطرة والسويداء ومرتفعات جبل الشيخ، وتأمين هذا الوجود ببيئة سكانية "صديقة"، وتحقيق العديد من المخططات هناك من ضمنها ما بات يُعرف بـ "ممر داوود".

وما الزيارات الدينية التي يرعاها الزعيم الدرزي موفق طريف الى مقام النبي شعيب (ع)، إلا في إطار تطبيع العلاقات بين دروز الجولان السوري وكيان الاحتلال الإسرائيلي من خلال دروز فلسطين المحتلة. وتأتي أحداث صحنايا الأخيرة لتضيف العامل الأمني الى علاقة التطبيع هذه، بحيث تتحول إسرائيل الراعي الأمني والعسكري للدروز، بدلاً عن السلطات السورية المؤقتة وكيان الدولة السورية (مهما كانت هوية النظام)، وتصبح منطقة شمالي فلسطين المحتلة هي العمق الاستراتيجي لهم وليس العاصمة السورية دمشق.

وهذا ما أشار إليه الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي في لبنان وليد جنبلاط، حينما أكد في كلمة له بعد الاجتماع الاستثنائي للمجلس المذهبي الدرزي على رفض "التدخل الإسرائيلي" وأن "أتباع الشيخ موفق طريف يريدون توريط دروز لبنان وسوريا لمحاربة كل المسلمين". مبيّناً بأن "حفظ الاخوان يكون بإسكات بعض الاصوات في الداخل التي بدأت تستنجد بإسرائيل"، ومطالباً السلطات السورية بإجراء تحقيق شفاف بشأن أحداث جرمانا. كما أعرب جنبلاط عن استعداده للذهاب إلى سوريا، مؤكداً رفضه لأي تدخل إسرائيلي في هذا البلد، ومحذراً من محاولات إسرائيل استغلال الطائفة الدرزية لإشعال فتنة داخلية. كما دعا إلى تشكيل لجنة للتواصل مع جميع الأطراف بهدف العمل على حلّ الأزمة في سوريا.

2)تأمين منابع بحيرة طبريا الموجودة في القنيطرة، فهذه المحافظة تؤمن ما نسبته 70% من المياه التي تغذي نهر بردى وتصب في البحيرة.

3)النفط: بدأ الكيان مؤخراً إعادة تفعيل مسار التنقيب عن النفط في منطقة الجولان، الذي كان متوقفاً منذ سبعينيات القرن الماضي.

4)تكريس حالة التقسيم السورية من خلال نشوء كانتونات عرقية وطائفية، لا تقف عند حدود سوريا فقط بل تمتد الى لبنان والعراق أيضاً، ولاحقاً يتم إثارة نزاعات ما بين هذه الكانتونات، بما يتيح لإسرائيل تسيّد كيانها على دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة.

الإسرائيليون يعترفون بأطماعهم

ولكيلا يظن البعض أن الحديث عن أطماع إسرائيلية بتقسيم سوريا هو كلام يرقى الى نظريات المؤامرة، فإن من المهم استعراض بعض تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذي اعترفوا بذلك وفي مقدمتهم وزير خارجية الكيان جدعون ساعر ومؤخراً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

فبعد أيام من سقوط النظام، اعتبر ساعر في تصريح له، أن "نظام الفيدرالية اللامركزي هو الأنسب لسوريا في واقعها الحالي"، مهاجماً الإدارة السورية الجديدة، التي قال بانها ستنتقم "من العلويين، وتلحق الأذى بالأكراد"، فيما بدا محاولة منه للعب على وتر الأقليات لتقسيم البلاد.

أما سموتريتش فكان أكثر وقاحةً من ساعر، عندما قال مؤخراً بأن حرب الكيان في المنطقة لن تتوقف "قبل تهجير سكان غزة وتقسيم سوريا".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور