الخميس 09 شباط , 2023 12:51

أصحاب الدور الرئيسي في الثورة الإسلامية (6)

السيد كميل باقر زاده

بعد الحلقة الخامسة من سلسلة محاضرات "مفهوم الثورة الإسلامیة في فکر قائدها الإمام السیّد علي الخامنئي"، التي أعدّها المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر زاده، والتي خصّ بنشرها موقع الخنادق الإلكتروني. يتحدث السيد باقر زاده في الحلقة الـ 6 عن أصحاب الدور الرئيسي في الثورة الإسلامیة، بناءً علی آراء وأفکار الإمام الخامنئي.

نص المحاضرة:

طبعاً وکما ذکرنا سابقاً، صحیح أنّنا في هذه الجلسات ندرس الثورة الإسلامية في إیران، لکنّنا من خلال کلمات الإمام الخامنئي نحاول أن نقدّم لکم أهمّ الأفکار والمفاهیم النظرية والعناصر الأساسیة لأي ثورة إسلامية حدثت أو قد تحدث في أي مکان أو زمان. ونظرتنا إلی الثورة في إیران لیست من باب الحصر، وإنّما من باب عرض وتقدیم نموذج عیني وعملي یمکن الاستفادة منه لصناعة الثورات الإسلامية في کلّ مکان.

بناءً علی هذه المقدّمة سندخل في موضوع حلقتنا الیوم، وهو عن أصحاب الدور الرئيسي في الثورة الإسلامية. ما نفهمه من مجموعة کلمات سماحة الإمام الخامنئي في هذا الموضوع هو أنّ نجاح أيّ ثورة إسلامية في جميع مراحلها - من النهضة إلی النظام والدولة والمجتمع والحضارة - مرهونٌ بوجود هذین العنصرین الرئیسيين وکیفیة أداء کل واحد منهما لدوره: الدور الأوّل للإمام وقائد الثورة، والدور الثاني للشعب والجماهير.

طبعاً هناك شرائح معيّنة في داخل الشعب لها دورها الخاص وأهميتها الكبيرة في صناعة الثورة واستمرارها، مثل علماء الدین الذين قاموا بإیجاد الربط بأحسن الطرق بین الإمام الخمیني والأمّة عبر شبکة واسعة من المساجد والهيئات الحسینیة المنتشرة في البلاد، ونشروا أفکار الإمام في أوساط المجتمع وأوصلوا رسائل الإمام للجمهور، وهم کانوا دائماً في مقدّمة الشعب في کلّ ساحات الجهاد والتضحیة.

هذا المبدأ وهذا التقسیم یعود إلی شکل المجتمع الإسلامي المطلوب والمرجوّ الذي نرید أن نؤسّسه من خلال الثورة. المجتمع الإسلامي أو المجتمع الولائي في الأساس یتشکّل ویتکوّن من الإمام والأمّة، والإسلام یرسم ویحدّد لنا کیفیة العلاقات والارتباطات بین أفراد الأمة الإسلامية من جهة، وکیفية الربط الصحیح بین الإمام والأمّة من جهة أخری. إمام بلا أمة وأمة بلا إمام لا یمکن لأيّ واحد منهما لوحده أن یشکّل مجتمعاً إسلامياً حقيقياً، وکم کانت هناك من نماذج تاریخیة لهذا الأمر.

إذا تتذکّرون في مبحث الولاية من کتاب "مشروع الفکر الإسلامي في القرآن" قلنا إنّ المجتمع الإسلامي یحتاج إلی مرکز للقيادة، مركز تستلهم منه کلّ العناصر الفعّالة في المجتمع، وإنّ هذا المرکز أو القطب سیقوم بتشغیل کلّ واحد من هذه العناصر بما یتناسب مع شأنه وسیمنع من حصول التعارض داخل المجتمع الإسلامي وسیهدي جمیع القوی باتجاه واحد في سبیل تحقیق الأهداف ومواجهة الأعداء. وقلنا أیضاً، إنّ هذا المرکز أو القطب في المجتمع الإسلامي ینبغي أن یتمّ تعیینه من قبل الله سبحانه وتعالی؛ تعييناً بالاسم أو ببيان المواصفات، وقلنا یجب أن یکون هذا المرکز عالماً وواعیاً وعادلاً ومتّقیاً ومدیراً ومدبّراً وشجاعاً، وأن یکون مظهراً للقرآن. ثمّ قلنا إنّنا نطلق علی هذا المرکز اسم "الولي" أو "الإمام". وقلنا إنّ المجتمع الإسلامي هو ذلك المجتمع الذي یکون فیه الولي منطلقاً لجمیع النشاطات وملهماً لکلّ الفعالیات ومرکزاً لکلّ الأوامر وربّاناً وقائداً لقافلة الحیاة. هذا هو الحال في المجتمع الثوري الإسلامي الولائي.

حسناً، عندما نأتي إلی کیفیة تطبیق هذه الأفکار والنظریات في الثورة الإسلامية في إیران نجد أنّنا -من جهة- أمام قائد ربّاني استثنائي عظیم یتمتّع بجمیع المواصفات الضروریة والشروط اللازمة للقیادة الإسلامية في أعلی مستویاتها، ومن جهة أخری نحن أمام شعب مؤمن مجاهد صامد واعٍ ومطیعٍ لأوامر قائده. وبهذا الشکل، تکتمل الصورة المطلوبة لنجاح الثورة بوجود الأمّة والإمام إلى جانب بعضهما البعض.

في الحلقة السابقة تحدّثنا قلیلاً حول الشعب وإیمانه العمیق والمنتشر، وفي هذه الحلقة نرید أن نرکّز علی الإمام وخصوصیاته. وهذا ما يؤكّد الإمام الخامنئيّ دائماً علی أهمّيّته وضرورته، أعني معرفة شخصيّة وخصوصيّات الإمام الخمینيّ قدّس سرُّهُ. یقول سماحة القائد: "إن التعرّف إلى الإمام أمر مهم لجيل الشباب. لا تزال أبعاد كثيرة لشخصية إمامنا الجليل غير معروفة. في الحقيقة إنّ جيل الثورة الحالي، لا يعرف الإمام العزيز حقّ المعرفة، ولا يعرف عظمة الإمام؛ ويقارن الإمام بأمثال هذا [العبد] الحقير، في حين أنّ المسافة كبيرة جداً! إنّ المسافة فلكيّة. كان الإمام شخصية استثنائية بالمعنى الحقيقي للكلمة".

بالتأکید، إنّ أفضل المصادر لمعرفة شخصيّة الإمام الخمیني الجلیل هو مجموعة خطابات سماحة الإمام الخامنئي في ذکری رحیل الإمام الخمیني. في مثل هذه المناسبة یتحدّث سماحة القائد حول الإمام بالتفصیل، وفي کلّ سنة یسلّط الضوء علی بُعد جدید من أبعاد هذه الشخصية العظیمة ومدرستها الفریدة ودروسها القیّمة. وأنا أوصي إخواني وأخواتي الشباب الأعزاء بأن یراجعوا هذه الخطابات الاستراتیجیة والعمیقة لکي یتعرّفوا علی شخصیة الإمام ومدرسة الإمام ودروس الإمام من خلال کلمات سماحة القائد. لأنّ هناك محاولات کثیرة من قبل الأعداء لتحریف الإمام وقلب الحقیقة. ونحن في هذه الجلسة نقوم بقراءة سریعة لبعض أبعاد شخصية الإمام الراحل وخصوصیاته من منظار سماحة القائد.

البُعد الأوّل والمهمّ في شخصیة الإمام هو "قیادة الثورة". الإمام کان قائد أعظم ثورة في تاریخ الثورات. یقول الإمام الخامنئي: "طبعاً الناس هم الذين أوصلوا الثورة إلى الانتصار، وهذا مما لا شك فيه. لو لم يدخل الناس الميدان بأجسادهم وبأرواحهم وبتضحياتهم، لما انتصرت الثورة. ولكن مَن كانت تلك اليد القوية التي استطاعت أن تجعل هذا المحيط يتلاطم؟ تلك اليد القوية، وتلك الشخصية الفولاذية، وذلك القلب المطمئن، وذلك اللسان الذوالفقاري الذي استطاع جلب ملايين الناس من مختلف الفئات إلى الميدان وإبقاءهم فيه، وأزاح اليأس والقنوط عنهم، وعلّمهم اتجاه الحركة، لقد كان الخميني العظيم! لم يكن أي شخص آخر قادراً على هذا العمل".

البُعد الثاني في شخصية الإمام هو "الحکمة والعقلانية". لم يكن يفعل شيئاً ويُبادر إليه دون أن يُجري الحسابات. كان يُجري الحسابات، وحين يتوصّل إلى نتيجة، يُقدِمُ على الفعل بمنتهى الحزم.  بتعبیر القائد، "الحكيم هو الإنسان الذي يرى خلفيات الأمور الظاهرية والتي تعجز العيون العادية عن مشاهدتها، والعقلانية هو أن يعرف الإنسان الأصالة والأشياء الأصيلة". ولذلك کان الإمام یتوکل علی الله ویثق بالشعب ویعتمد علی الطاقات الداخلیة، ولم يعتمد على أي قوة خارجية. هذه الخصوصية کانت نابعة من العقلانية الثوریة التي کان الإمام یتمتّع بها، وعلی خلاف ما قد یتمّ ترویجه بأنّ النزعة الثورية تعارض العقلانية کان إمامنا الثوري في قمة الحکمة والعقلانية. 

البُعد الثالث من أبعاد شخصية الإمام هو "الشجاعة والصلابة". الإمام کان شجاعاً في الفهم والإقدام والعمل. يروي سماحة القائد هذه القصة عن الإمام ویقول: في إحدى المرات، كانت هناك مشكلة كنت أشرحها للإمام وخلال كلامي قلت له: "أنت لا تفعل هذا الأمر لأنّك تخاف..."، وكان قصدي أن أقول أنت تخشى وقوع المشكلة الفلانيّة، فبمجرّد أنني قلت كلمة "تخاف"، قال الإمام: أنا لا أخاف شيئاً! یقول القائد: لم أكن أقصد أن أقول: "أنت جبان". "أنت تخاف" تعبير عُرفيّ عاديّ يعني "أنّك تراعي من أجل تجنّب الأمر الفلاني"، لكن عندما استخدمت كلمة الخوف، قال الإمام: أنا لا أخاف شيئاً. كان شجاعاً بالمعنى الحقيقيّ للكلمة.

البُعد الرابع في شخصية الإمام الخميني عبارة عن "المعنویة والروحانية". کان إمامنا الخمیني العظيم متصلاً بمرکز المعنویة الإلهية، وکان فانياً في الله تعالی، ومن أهل العبادة وأهل الروحانيّة والحالات العرفانيّة. كان من أهل البكاء عند السّحر. یقول سماحة القائد: أخبرَني ابن الإمام المرحوم الحاج السيّد أحمد أنّ الإمام حين كان ينهض في الأسحار ويبكي أثناء الصّلاة والدعاء لم يكن يكفيه المنديل العاديّ لیمسح الدموع عن وجهه. ولذلك كنا نضع له منشفة، یعني المنشفة التي تُستخدم لتجفيف اليد والوجه! هذه الروحانية والمعنوية إلی جانب تلك الشجاعة والصلابة تُذکّرنا بالحدیث المعروف حول صفات المؤمنين أنّهم رهبانٌ باللیل وأسْدٌ بالنهار. فعلاً هکذا کان الإمام.

البُعد الخامس من أبعاد شخصية الإمام هو "تمسّكه والتزامه العملي بالإسلام". کان همّه الأساس تطبیق الإسلام الأصیل، وکان ملتزماً بالإسلام في جمیع جوانب الحیاة الفردیّة والاجتماعيّة، وکان متمسّکاً بالقواعد الإسلامية في جمیع القرارات والتصرفات حتی في التعامل مع العدوّ أثناء الحرب.

البُعد السادس من أبعاد شخصية الإمام هو "الوعي والبصیرة". کان یعرف العدوّ والصدیق ولم یخطئ في تمييز الأعداء والأصدقاء. منذ البداية استطاع معرفة الأعداء وقال إنّنا سنصمد في وجههم حتّى النّهاية. وفي المقابل، کان یعتبر الشعوب المسلمة والمستضعفة أصدقاء الثورة، فقد عرف الأصدقاء منذ البداية ووقف إلی جانبهم حتی النهاية. وکان أیضاً یعرف مخطّطات العدوّ وأهدافه وأسالیبه، وکان یمتلك تلك القوّة الضروریة للتمييز بین العدوّ رقم واحد وبقیة الأعداء. لذلك کان یقول دائماً "ما تملکونه من هتافات أطلقوها في وجه أمریكا".

عندما ننظر إلی هذه الخصوصيات والخصوصیات الکثیرة الأخری التي کان الإمام یتمتّع بها، وعندما نلاحظ أنّ الإمام کان جامعاً لکلّ هذه الأبعاد المتعددة والمتنوعة جدّاً في شخصيته الإلهیة والإنسانية نستذکر الأنبیاء والأولیاء علیهم السلام فقط. لذلك یقول سماحة القائد: "لا يُمكن مقارنة الإمام بأيّ من القادة السياسيين حول العالم. لأنّه حسب معرفتنا، بعد الأنبياء والأئمة المعصومين علیهم السلام، نحن لم نعرف قائداً كانت له كل هذه العظمة. ولقد استفاد الشعب الإیراني استفادةً قصوى من هذه الفُرصة وهذه النعمة الإلهية. لکنّ المهمّ أن نعرف - حسب تعبیر القائد - أنّ الإمام ليس إمام الأمس فقط، وإنّما هو إمام اليوم وإمام الغد أيضاً، وأنّ الإمام لیس إمام الشعب الإیراني فقط، وإنّما هو إمام المستضعفین في العالم أیضاً. والشعوب المسلمة والمستضعفة یمکنها أن تستلهم الدروس من الإمام لکي تبني مستقبلها وتأخذ مقدّراتها بیدها وتحوّل مسارها وترسم مصیرها".

هذا بعضٌ من خصوصيّات شخصيّة الإمام الخمينيّ أعلى الله مقامه ويبقى الكثير ليُقال حول هذه الشخصيّة الإلهيّة العظيمة.


الكاتب: السيد كميل باقر زاده




روزنامة المحور