الجمعة 10 شباط , 2023 11:01

من هم أعداء الثورة الإسلامية؟ (7)

السيد كميل باقر زاده

بعد الحلقة السادسة من سلسلة محاضرات "مفهوم الثورة الإسلامیة في فکر قائدها الإمام السیّد علي الخامنئي"، التي أعدّها المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر زاده، والتي خصّ بنشرها موقع الخنادق الإلكتروني. يجيب السيد باقر زاده في الحلقة الـ 7 علی هذه الأسئلة: من هم أعداء الثورة؟ وما سبب عداوتهم للثورة الإسلامية؟ ما الأجزاء والعناصر التي تتشكل منها جبهة أعداء الثورة الإسلامية؟ وما هي أسالیب وطرق الأعداء في مواجهة الثورة الإسلامية؟ وما هو الطریق الصحیح لمواجهة العدوّ؟

نص المحاضرة:

من الواضح جدّاً أنّ الثورة الإسلامية لديها أعداء وهذا ممّا لا شكّ فیه، کما أنّ ثورات الأنبیاء کانت تواجه أنواع مختلفة من العداوات. لکن أحیاناً، قد یصعب علی البعض -السُذَّج- أن یعترفوا بوجود العدوّ ومؤامراته، ولذلك نجدهم یتّهمون القائد والقوی الثورية بأنّهم أسری ل‍ "وهم المؤامرة". یقول الإمام الخامنئي: "البعض بمجرّد أن نقول "عدوّ"، يقولون كم يكرّر فلان قول: عدوّ، عدوّ! حسناً ألا نقول [كلمة] عدوّ؟ لقد كرّر الله في القرآن الكريم اسم الشيطان كلّ هذا القدر. لكان ذَكر الشيطان مرّة وانتهى الأمر، ما الذي يجعله تعالى يكرّر هذا الاسم؟ لكي لا ننسى أنا وأنتم هذا العدوّ. لا بدّ من مراقبة هذا العدوّ باستمرار. لأنّ العدوّ لا يجلس عاطلاً عن العمل، وهو يتحرّك باستمرار. هذا ليس وهم المؤامرة، بل معرفتها ورؤيتها. عندما أرى المؤامرة وأشاهدها، لا أقدر على إخفائها عنكم، ولا بدّ لي أن أخبركم".

لذلك نلاحظ أنّ جزءاً مهمّاً من خطابات سماحة الإمام الخامنئي یتعلّق بمعرفة العدوّ ویترکّز علی مخطّطاته وکیفیة مواجهته. لقراءة المزید حول آراء سماحة القائد في هذا الموضوع یمکنکم مراجعة کتاب "معرفة العدوّ" من إصدرات دار الثورة الإسلامية، وهو کتاب قیّم جدّاً في هذا المجال، ویتحدّث القائد فیه بالتفصيل حول تعریف العدوّ، وضرورة معرفته، وماهیّة العدوّ وصفاته، وعلل وأسباب العداء، وأهداف العدوّ وسیاساته ومخطّطاته وأسالیبه وأدواته وساحاته، والشرائح المستهدفة من قبل العدوّ، والعناصر المساعدة للعدوّ، وأیضاً أسالیب التصدي للعدوّ. بعد مطالعة هذا الکتاب سیدرك الإنسان عمق رؤية القائد ونظرته الواقعية لمسألة العدوّ.

بالمختصر الشدید یمکن القول إنّ الطاغوت في کل عصر هو العدوّ رقم واحد للثورات الإلهیة. وذلك لأنّ الثورة ترفض -وبکلّ قوّة- حاکمیة الطاغوت، وتهدف إلی تحقيق حاکمية الله في المجتمع. الطاغوت بشتّى أنواعه وبمختلف أشكاله هو المتضرّر الأکبر من فوران برکان الثورة، لأنه ومع انتصار الثورة سیفقد الطاغوت سیطرته علی المجتمع وعلی الشعب، ولذلك یشعر دائماً بالخوف عندما ینهض شعب مسلم یقف خلف قیادته الإلهیة الحکیمة، وهذا هو سرّ عداوة الطواغیت للثورة. یقول الله تعالی: "وکذلك جعلنا لکلّ نبيّ عدوّاً شیاطینَ الإنس والجنّ، یوحي بعضُهم إلی بعضٍ زخرفَ القولِ غُرورا".

والثورة الإسلامية في إیران لیست مستثناة من هذه القاعدة، ولذلك نری أنّها تواجه جبهة من الأعداء والطواغیت والشیاطین. نحن أمام "جبهة الاستکبار"، وهذه الجبهة تتشکّل من عناصر متنوعة، من أمریکا إلی الصهاینة وحتی بعض الحکومات الرجعية التابعة لأمریکا في المنطقة. طبعاً قائد هذه الجبهة هو الطاغوت الأعظم والشیطان الأکبر في عصرنا یعني أمریکا.

لکن ما هو سرّ هذه العداوة؟ ماذا یرید الأمریکیون من إیران؟ هم يتشدقون بكلام كثير، لكن محور كلامهم هو شيء واحد. فهم يقولون: يا شعب إيران! لقد كان بلدكم تحت سيطرتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية إلى ما قبل الثورة. ما أخذته ثورتكم من أيدينا عليكم أن تعيدوه إلينا. هذا هو كلام الأمريكيين. بل أکثر من ذلك؛ أمریکا ومع تقدّم الثورة الإسلامیة في طریقها نحو أهدافها تری أنها یوماً بعد یوم تخسر هیمنتها علی المنطقة وتواجه فلتان السیطرة علی العالم، وبانتصار الثورة الإسلامية تشهد الخارطة السیاسية في العالم تغییرات أساسية لها دلالات مهمة، ومع صحوة الشعوب المسلمة وبروز طلائع الحضارة الإسلامية القادمة تفقد الحضارة الغربية التي تقودها أمریکا جاذبیتها وبریقها ونفوذها، وخلاصة الکلام کما قال سماحة الإمام الخامنئي "إنّها بداية عصر ما بعد أمریکا".

یعني أمریکا في مواجهة الثورة الإسلامیة ومشروعها الحضاري تری نفسها وکیانها وحضارتها أمام خطر وجودي وأنّها لیست أمام مسألة بسیطة یمکن التغاضي عنها. إذاً من الطبیعي جدّاً أن تحاول أمریکا الحدّ من تأثیر هذه الثورة، وتستخدم کل ما لدیها من قوّة وإمکانیات وأذرع وذیول وعبید لإطفاء هذه الشعلة المتوهّجة التي تضيء الدرب أمام مستضعفي العالم. "یریدون لیطفؤوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو کره الکافرون".

الموضوع المهم هو أن نعرف أسالیب وأدوات العدوّ في حربه ضدّ الثورة الإسلامیة. في الحقیقة، مارس العدوّ أسالیب متعددة في مواجهة الثورة، وشنّ حروباً متنوّعة لإیقاف هذه الظاهرة الشعبیة الإلهیة. في تقسیم عام یمکن القول إنّ العدوّ جرّب نوعين أساسیین من الحروب في مقابل الثورة الإسلامیة؛ الحرب الصلبة والحرب الناعمة، وحالیاً یمارس هجوماً مرکّباً ضدّ الثورة.

ربّما أوّل إجراء قامت به الولایات المتحدة وجبهة الاستکبار بعد انتصار الثورة کان إثارة فتنة القومیّات ودعمهم للحرکات الانفصالية في کردستان وبلوشستان ومناطق أخری بذریعة النزعات القومیة. ثمّ أقدموا علی دعم المنافقين وقاموا بسلسلة عملیات إرهابیة في المناطق المختلفة لاغتیال قیادات الثورة وعلماء الدين والمفکّرین وأصحاب الإمام الخمیني وحتی الناس العادیین. ثمّ اصطفّوا ضدّ الثورة خلال الحرب المفروضة التي استمرّت ثمانیة أعوام، ودفعوا النظام البعثي العراقي للهجوم علی إیران الثورة ودعموا صدام المجرم في هذه الحرب. ثمّ نظّموا هجوماً فکریاً وثقافیاً وإعلامیّاً واسعاً ضدّ القیم الإسلامية والثوریة وضدّ المبادئ العقائدية والأسس الفکریة للنظام الإسلامي لإبعاد الناس وخصوصاً الجیل الجدید عن الثورة وقیم الثورة. ثمّ حاولوا تطبیق نموذج الثورات الملوّنة والمخملیة في إیران للإطاحة بالنظام الإسلامي بعد انتخابات عام 2009، بتحشید جمیع العناصر المعادیة في الجبهة الداخلیة والخارجیة واستخدام کل الطاقات عندهم.

ثمّ لجؤوا إلی فرض الحصار الاقتصادي علی إیران الثورة ووضعوا العقوبات الاقتصادیة ومارسوا -علی حدّ تعبیرهم- الضغوط الاقتصادية القصوی للانتقام من الشعب الإیراني الثوري، بذریعة الملف النووي. ثمّ شنّوا حرباً أمنیّة ومعلوماتیة کبیرة لإیقاف النهضة العلمیة والتطور العلمي والصناعي في البلاد واستهدفوا العلماء النوويين وغیرهم من العلماء، وقاموا بأعمال التخریب في المنشئات والمراکز العلمیة.

بعد کلّ هذه المراحل وبعد تجربة أنواع الحروب الصلبة والناعمة، نری أنّ جبهة العدوّ تشنّ الیوم هجوماً مرکّباً ضدّ الثورة. یقول سماحة الإمام الخامنئي: "إنّ هجوم العدوّ هجوم مرکّب. أي له جانب اقتصادي وآخر سیاسي وآخر أمني وآخر إعلامي وهناك جانب دبلوماسي. لقد شنّ هجوماً جماعیاً من کافّة الجهات".

حسناً، تبقی مسألة أخیرة وهي الاستراتیجیة الصحیحة في مواجهة العدوّ ومعرفة الأسلوب الفعّال للتصدي لمؤامرات العدوّ. عندما نتتبّع في کلمات الإمام الخامنئي نجد أنّ الاستراتیجیة الأساسیة التي یطرحها سماحة القائد في مواجهة العدوّ هو "نظریة المقاومة". یری سماحة الإمام الخامنئي أنّ المقاومة جدوی مستمرّة، وأنّ تکلفة المقاومة هي أقلّ بکثیر من تکلفة الاستسلام مقابل العدوّ. من حیث الأسلوب یری القائد أنّه من الضروري جدّاً الخروج من موضع الانفعال والدفاع نحو الهجوم المرکّب والفعّال. یقول سماحته: "إنّني أقول یجب أن ندافع، لأنّ الدفاع أمر ضروري. لکن لا یمکن البقاء دائماً في حالة دفاعية. العدوّ یشنّ هجوماً مرکباً، في المقابل نحن أیضاً یجب أن نشنّ هجوماً، ویجب أن تکون حرکتنا مرکبّة أیضاً".

أمّا من حیث الأولویات، یری سماحة الإمام الخامنئي‌ أنّ "جهاد التبیین" الیوم یقع في رأس سلّم الأولویّات في مواجهة الحرب الناعمة والهجوم المرکب الذي یشنّه العدوّ، ویعتبره فریضةً حتمیةً وفوریّةً علی الجمیع، ویقول إنّ التبیین هو أساس عملنا. لأنّنا نتعامل مع القلوب ومع الأذهان، وینبغي أن تقتنع القلوب والأذهان. وإن لم تقتنع القلوب والأذهان فإنّ الأجسام لا تتحرك ولا تنهض، لذلك علینا جمیعاً أن نتحرّك الیوم في میدان التبیین ومواجهة محاولات العدوّ للتحریف وإثارة الفتنة وقلب الحقائق والتأثیر علی وعي الناس وعقول الناس وقلوبهم.

إذاً عرفنا أوّلاً أنّ العدوّ حقیقة واقعیة ولیس موجوداً وهمیّاً، وثانیاً عرفنا ماهیة العدوّ وعناصر جبهة الاستکبار، وثالثاً عرفنا سرّ عداوة العدوّ للثورة، ورابعاً عرفنا الأسالیب المتعددة التي یستخدمها العدوّ، وخامساً عرفنا الاستراتیجية الفعالة والأسلوب الصحیح لمواجهة العدوّ.


الكاتب: السيد كميل باقر زاده




روزنامة المحور