الخميس 16 شباط , 2023 05:18

زيارة رئيسي إلى الصين: أمريكا لا يمكنها أن تتخطى ذلك

الرئيس الصيني ونظيره الإيراني

لطالما كانت الإمبراطورية الصينية حريصة جدًا على علاقاتها بالإمبراطورية الفارسية، حيث شكّلت الأخيرة نقطة ارتكاز أساسية لطريق الحرير الذي أوصل قوافلها إلى العالم. دعم السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية والثقافية كان مصلحة للإمبراطوريتين منذ غابر العصور، وهو الأمر الذي يتجدد اليوم، لكن هذه المرة ليس فقط كتعاون بين حضارتين، بل مع إضافة دور عالمي يتلخّص بإحداث توازن دولي، من أجل الوقوف بوجه الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية.

على وقع 21 طلقة مدفعية وصل الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي على مبنى الكابيتول في الصين، تم الترحيب به ضمن استعراض من قبل حرس الاحترام كترحيب بروتوكولي، ثم تقديم أعضاء الوفود رفيعة المستوى، ومشاهدة الرئيسين لاستعراض رسمي، بدأت بعده محادثات ثنائية افتتح بها السيد رئيسي جولته في بكين.

تعزيز خطاب "التعددية القطبية"

مصطلح التعددية القطبية هو من أكثر المفاهيم الرائجة عالميًا بشكل عام في الفترة الأخيرة، وفي ذلك المكان من العالم بشكل خاص. في الواقع، لا تحدث جميع التطورات في الغرب، في مرحلة ما من تاريخ العلاقات الدولية، زُعِم أن جميع التطورات كانت تحدث في الغرب. ثمة مشاهد جديدة يشهدها العالم اليوم، تتمثل بالصراع في أوكرانيا، الذي أصبح صراعًا بين الأحادية والتعددية، وتتمثل أيضًا بهذا النوع من التحالفات الاستراتيجية.

قبل توجهه إلى بكين نشر السيد رئيسي مقالا في الصحيفة الرئيسية الصينية قال فيه: "يعتبر البلدان الأحادية واللجوء إلى التدابير القسرية، بما في ذلك العقوبات القمعية، السبب الجذري للأزمة وخلق انعدام الأمن، ويؤكد البلدان مجددًا على الحاجة إلى بذل جهود مشتركة لتحقيق تعددية حقيقية وتحقيق العدالة والإنصاف الدوليين وإقامة حوكمة عالمية عادلة".

الواقع أنّ الصين كقوة اقتصادية عظمى ذات مكونات مثل النمو الاقتصادي المستدام، واحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي، والناتج المحلي الإجمالي الضخم، وأحجام التجارة الكبيرة مع البلدان الأخرى، والاستثمارات الأجنبية، لديها الأسباب اللازمة للعب دور عالمي. لذلك، كان تطوير العلاقات مع هذا البلد على جدول أعمال السياسة الخارجية للعديد من البلدان. بالطبع، ثمة تحديات في مسألة تطوير العلاقات بين طهران وبكين كدولتان تقفان في وجه الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تحديات في الداخل الإيراني، لكن الصين يمكن أن تظهر كقطعة من لغز السياسة الخارجية المتوازنة للدول كما عبر أحد المراقبين. ويمكن أخذ هذه النقاط من تغريدة حسين أمير أباد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني قبل مغادرته إلى الصين، حيث أكد: "العلاقات الثنائية المتنوعة والتعددية والسعي لتحقيق سياسة خارجية متوازنة على جدول الأعمال".

التمويل الصيني للمشاريع هو الرد الصحيح على ما يسمى العقوبات

مسألة تمويل المشاريع في إيران أنشأها الصينيون من الماضي أو في بداية ما يسمى العقوبات، فتمويل المشاريع في إيران بشكل أساسي هو الرد الصحيح على الاجراءات الاقتصادية العدائية بحسب التصريحات الإيرانية. لكن أحد الأسئلة حول كيفية تأثير العقوبات على العلاقات الإيرانية الصينية، من أجل أن تكون منفصلة قدر الإمكان، وتأثيرها على العلاقات الدولية بينهما، وبالتالي يرى العديد من المراقبين أن الحلّ يكون في إطار التجارة الثنائية. يقول أحد الخبراء الاقتصاديين ماجد شاكري لوكالة مهر نيوز: " بغض النظر عن مسألة العقوبات، فإن هيكل الاستثمار الصيني في إيران ممكن دائمًا وقابل للتنفيذ. في الجولة الأولى من العقوبات والأداء التجاري الصيني في مجال التمويل المتعلق بعامي 2011 و2012 سجّل رقمًا كبيرًا جدا حتى أكبر بكثير من الفترات التي سبقت العقوبات". ويضيف: "فالصينيون كانوا يبذلون جهودا مكثفة نحو الحصول على قروض من سريلانكا وباكستان، وهو ما لم يكن ممكنا، وفي غياب هذه الدول، دولة مثل إيران التي تعد أكبر شكل من صادراتها من النفط، ومن ناحية أخرى، فإن الصين يمكن أن يكون لها كأكبر مستهلك علاقة إيجابية في مجال الاستثمار".

إلى ذلك، قال ليو تشونغ مين، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي، لصحيفة جلوبال تايمز "إنه على الرغم من عدم اليقين في الظروف الخارجية فيما يتعلق بالوضع الدولي، فإن الصين وإيران تشتركان في مواقف مشتركة أو متشابهة". وذلك في إشارة إلى مسألة الإجراءات الاقتصادية العدائية التي تمارسها الولايات المتحدة على البلدين القادرين على تقديم الكثير لبعضهما.

 

حفظ السلام في آسيا أساسي لتغيير النظام العالمي

في خطاب ألقاه أمام المسؤولين والأساتذة والطلاب في جامعة بكين العريقة (1898)، أشار الرئيس الإيراني إلى الخلفية التاريخية للعلاقات الإيرانية الصينية، قال: "أصبحت الصين عالمية من خلال طريق الحرير القديم، وقد استمر هذا الازدهار من خلال هذا الطريق التجاري الذي يمرّ في إيران. لم يكن فقط الطريق الأكثر أهمية في تسهيل التجارة والتعاون بين دول مختلفة، ولكن أيضًا لعب دورًا كسلسلة ثقافية، فقد ربط مجتمعات مختلفة عبر التاريخ".

وفي جزء آخر من خطابه في جامعة بكين، أكد السيد رئيسي أن عالمًا جديدًا يتشكل: "العالم الجديد يتطلب نظامًا جديدًا تصبح فيه التعددية الحقيقية وأقصى قدر من التآزر والتضامن والتباعد أكثر انتشارا من الأحادية من أجل إنشاء نظام عادل في نهاية المطاف".  وقال رئيسي: "بالنظر إلى مكانة آسيا في قلب التغيير العالمي الناشئ، فإن الحفاظ على السلام وتعزيزه في هذه المنطقة الشاسعة ليس خيارا فحسب، بل ضرورة".

وشدد على أن قوة إيران هي قوة بناء الأمن وقدراتها الإقليمية تدعم السلام والاستقرار في البلدان وتستخدم فقط لمواجهة تهديد القوى المهيمنة، وأضاف: "أحد النجاحات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التغلب على التحديات العابرة للحدود مثل الإرهاب والتطرف في غرب آسيا.

الطريقة الوحيدة لمواجهة التهديد الأمريكي هي المقاومة

في اجتماع مع كبار المفكرين والعلماء الصينيين، أكد السيد رئيسي على أهمية دور مراكز البحوث في دراسة الوضع الحالي للعالم ومشاكله، فضلًا عن توفير حل موجه نحو المستقبل لتحسين الوضع السياسي والثقافي والاجتماعي للمجتمعات، وقال: "إن الهيمنة الثقافية والاقتصادية هي أحد الأساليب الجديدة لنظام الهيمنة على الأمم، اليوم يفترض بالباحثين والمثقفين في الدول المستقلة أن يكونوا كساعة حادة لحماية ثقافة بلادهم وهوياتها الحضارية في مواجهة غزوات نظام الهيمنة". وأضاف: "الطريقة الوحيدة لمواجهة تهديد الولايات المتحدة وحلفائها هي الوقوف والمقاومة".

وشدد رئيسي على أن نظام الهيمنة تحول إلى إجراءات مثل "فوبيا إيران" و"فوبيا الصين" بسبب المخاوف من تعزيز قوة الدول المستقلة، لكن من المؤكد أن مستقبل العالم لن يشهد الأحادية وستنتشر التعددية في العالم، الذي باتت الاستعدادات له واضحة بالفعل.

تعميق الشراكة الاستراتيجية

نظرا لأهمية دور الاتحادات والجمعيات والمعاهدات الدولية في تنمية التجارة، ونزع فتيل الإجراءات الاقتصادية الأمريكية العدائية أو ما يسمى العقوبات، أصبحت إيران عضوا رسميا في منظمة شنغهاي للتعاون منذ 2021، تشكل الدول الأعضاء فيها ثلث سكان العالم، وحاليا الهند وكازاخستان والصين وقيرغيزستان وباكستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان هم الأعضاء الرئيسيين، ودول أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا كمراقبين وجمهوريات أذربيجان وأرمينيا ومملكة كمبوديا ونيبال وتركيا. وسري لانكا شريك أيضا في حوار المنظمة. وفقا لصحيفة جلوبال تايمز الصينية، من المتوقع أن يزيد الجانبان التنسيق في إطار المنصات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون، "مما يضخ قوة إيجابية في السلام الإقليمي والعالمي"،  بحسب الصحيفة. 

من ناحية أخرى، يعتقد الخبراء أنه نظرًا لحصة الصين البالغة 70 في المائة من اقتصاد المنظمة، فإن متابعة تنفيذ اتفاقية "التحالف الاستراتيجي" التي تبلغ من العمر 25 عاما، من خلال إنشاء مشاريع شنغهاي داخل المنظمة، يمكن أن تسهم في تنمية التجارة.

تفعيل"الاتفاق الاستراتيجي"

من المفترض أن حجم الاستثمارات الصينية في إيران يتماشى مع العلاقات السياسية، واجه برنامج "التحالف الاستراتيجي"، بما في ذلك في مجالات الطاقة والتجارة والبنية التحتية، واجه العديد من العقبات، خاصة مع تشديد الولايات المتحدة العقوبات على إيران والصين. عام 2021 وقع البلدان وثيقة تعاون مدتها 25 عاما بقيمة 400 مليار دولار، استثمر الصينيون حوالي 227 مليون دولار في إيران في العامين الماضيين، في هذا الزيارة ناقش الجانبان إمكانات التعاون الاقتصادي والثقافي وخطط التعاون طويل الأجل لتنفيذ هذه الاتفاقية، كما ركّز الجانبان على كيفية دفع التعاون العملي لتجاوز العقبات. وعقب الاجتماع الثنائي، شهد زعيما البلدين التوقيع على عدد من وثائق التعاون الثنائي في مجالات الزراعة والتجارة والسياحة وحماية البيئة والصحة والإغاثة والثقافة والرياضة.

علاقات ومكانة مميزة

بالنسبة للصين، تتميز إيران عن غيرها من الدول في منطقة غرب آسيا بأنها قادرة على تحقيق أمن الطاقة. حيث تؤمن إيران طاقة متحررة من الهيمنة الأمريكية في حال قررت الولايات المتحدة حجب بترول وغاز الدول الخليجية العربية عنها، كما أنها تؤمن طريق إمداد الصين بالطاقة من خلال ممرات برية لا تسيطر عليها الاساطيل الأمريكية، كما أن موقع إيران الجغرافي هو نقطة ارتكاز أساسية في طريق الحرير. إلى ذلك فإن كلا الصين وإيران يواجهان الهيمنة الأمريكية.

في الوقت الذي استهدف فيه ترامب تغيير النظام من خلال إطلاق حملة "الضغط الأقصى" وسياسة "تصفير" صادرات النفط الإيرانية، أصبحت الصين أكبر مشتر للنفط الإيراني من خلال تجاوز العقوبات النفطية. وتحتل الصين الآن مكانة بارزة بين شركاء إيران الاقتصاديين بصفقات تجارية يبلغ مجموعها 12 مليار دولار واتفاقية استراتيجية مدتها 25 عاما. وعلاقات ومكانة مميزة. الواقع أن الصين هي أكبر مصنع في العالم، بل هي مصنع العالم، والولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخطّى ذلك.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور