الأحد 13 حزيران , 2021 01:31

انتخابات الرئاسة ستزيد من حضور إيران الإقليمي

يفرض الاستحقاق الجديد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسه كنموذج عن الديموقراطية والاحترام الفعال لحق الشعب في تقرير مستقبله والمشاركة في رسم النهج السياسي والاقتصادي في المرحلة المقبلة عبر اختيار المرشح الرئاسي الذي يمثل تطلعات المواطن الإيراني. في المقابل تُطرح جدلية تقدير الموقف بين ديموقراطية الجمهورية الإسلامية التي تصر على إجراء الانتخابات في وقتها في جو من النقاشات والمناظرات والحراك السياسي الفعال رغم كل الضغوطات والحصار الي يمارس عليها منذ عقود، وبين الديموقراطية الأميركية التي واجهت مراحل صعبة عند الاستحقاق الأخير بين جو بايدن ودونالد ترامب والظهور المسلح والخوف من التفلت الأمني. والانتخابات الرئاسية التي ستنتج رئيسًا مختلفًا وفريق عمل مختلف إلا ان الأكيد حضور إيران القوي لن يتراجع في المنطقة، بل سيزيد مهما كانت طبيعة الرئيس، كما أنها لن تتخلى عن حلفائها، لكن التحديات الداخلية ستفرض نفسها على المشهد السياسي.

تحولات الديموقراطية: مقارنة بين الانتخابات الإيرانية والأميركية

لم تتوقف مسيرة الانتخابات في إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من اربعين عاما الى اليوم. والمقصود من هذه الإشارة أن المتغيرات الداخلية مثل الحرب المفروضة على إيران، والحصار، والعقوبات، والتحولات المختلفة في داخل الإقليم على المستوى الدولي، لم تغير في هذا المسار الذي اختارته إيران في الاعتماد على الشعب. ما يطلق عليه بالديمقراطية الدينية بالمصطلح الحديث، يعني ان إيران التزمت الاعتماد على الانتخابات وعلى الرجوع الى مرجعية الناس في اختيار من يمثلهم في المؤسسات التشريعية والمؤسسات الأخرى. لم يتأثر هذا المسار باي من التحديات والتحولات سواء الداخلية او الإقليمية والدولية وهذه مسألة باتت ملازمة لهوية الجمهورية الإسلامية.

لو حاولنا المقارنة مع بلدان أخرى عريقة في موضوع الممارسة الانتخابية تدعي انها حريصة على الديمقراطية في العالم مثل الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر نفسها مسؤولة عن دعم الديمقراطية في العالم وتبشّر بهذا الامر وتبرر لنفسها التدخل في شؤون الدول بعنوان حماية الديمقراطية او حماية حقوق الانسان، يتبيّن ان هذه الديمقراطية واجهت تحدي صعب بل وكادت تنهار في المواجهة بين ترامب وبايدن. حيث تعرّض مبنى الكونغرس للاحتلال وكان هناك خوف من حرب أهلية، وحصل التسلم والتسليم تحت حماية الجيش وكان هناك مخاوف من عملية صدام واسعة، حيث ظهر السلاح في الشوارع وبالتالي تبين ان هذه الديمقراطية غير عميقة، وتحدث ترامب عن تزوير في الانتخابات. إذا هناك فرق كبير بين الانتخابات الامريكية وتاريخ الانتخابات في إيران.

تجري هذه الانتخابات اليوم في ظل مناقشات ومناظرات واستقرار داخلي وشعبي وتباين بين القوى السياسية لكن هناك توافق على اجراء الانتخابات. أيضا بالمقارنة مع الانتخابات الإسرائيلية التي اضطر الإسرائيليون معها الى اجراء أكثر من انتخابات للكنيست لتشكيل حكومة، مما يدل على وجود ازمة داخلية حقيقية لدى الكيان. اليوم نسمع تهديدات باللجوء الى الاغتيالات، وتخوفات أمنية داخلية على الرغم من ان هناك من قدم الكيان كجوهر الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط في منطقة ليس فيها ديمقراطية.

أي مقارنة اليوم بين هذه النماذج سوف تكون في مصلحة التجربة الإيرانية التي أصرّت على اجراء الانتخابات في كل الظروف تحت ضغط الحرب، في مرحلة البناء والاعمال، وفي مرحلة التباين في وجهات النظر بين اصلاحيين ومحافظين، إضافة الى مرحلة تضييق الخناق على مؤسسات إيران المالية والاقتصادية. هذا يعني ان توجه هذه الانتخابات هو جزء من نظام الجمهورية الإسلامية، ويختلف في طبيعة الممارسة وطبيعة الأهداف والحضور الشعبي. في الولايات المتحدة على سبيل المقارنة، تتحكم القوى المالية والمؤسسات الكبرى التي تبيع السلاح وتهيمن على الشركات العالمية، في دعم هذا الحزب او ذاك، وتوظف الاعلام وبالتالي رأي الشعب الخاضع الى هذا الاتفاق والخداع الإعلامي الذي تحركه الشركات الكبرى، وهذا طبعا ليس جوهر الديمقراطية حتى في الكتابات الغربية نفسها.

ما هو متوقع من هذه الانتخابات، يختلف بين الناخب الإيراني وبين القوى الإقليمية والدولية. بالنسبة للناخب الإيراني كما لاحظنا سواء قبل المناظرات الانتخابية، او اثناء المناظرات، هناك أولوية تفرض نفسها هي الأولوية الاقتصادية والاجتماعية بسبب العقوبات الطويلة التي تفاقمت في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، الذي لم يترك شيئا الا وفرض عليه عقوبات حتى على الشركة التي تقوم بتصنيع لقاح لفيروس كورونا وعلى رئيس هذه الشركة الذي كان يقوم بالإشراف على العمل لإنتاج هذا اللقاح.

الأولوية اليوم، بالنسبة للناخب الإيراني وهذا طبيعي، ان يرى الخطط والبرامج التي تريد ان تتعامل مع هذا الواقع وتحد من التدهور في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وان يكون هناك رؤى للتعامل مع هذا الوضع من العقوبات، ومن بناء الاقتصاد الوطني. هذه مسألة مهمة بالنسبة للناخب الإيراني وهو يريد من المرشحين النزاهة والكفاءة ونظافة الكف ومحاسبة الفاسدين والفاشلين في إدارة البلاد.

لم يعد هناك مشكلة في إيران بين وجود تيارين إصلاحي واصولي او محافظ، فكل تيار لديه رؤية مختلفة لحل المشكلات الاقتصادية، هذه وجهات نظر موجودة في المجتمع، وهي وجهات نظر طبيعية، فالناخب له حرية الاختيار لكن في نهاية المطاف، المقياس هو من يخدم الشعب، ومن يخدم الجمهورية الإسلامية، ومن يحافظ على استقلال البلاد وسيادتها، ومن يبني اقتصادا مستقلّا ذاك الذي اطلق عليه السيد القائد مصطلح " الاقتصاد المقاوم"، يعني الاقتصاد المنتج والمستقل الذي لا يعتمد لا على الغرب ولا على الاتفاق النووي، ولا على مصير النفط. هذا ما يتوقعه الناخب الإيراني، في حين ان خارج الإقليم هناك من يفكّر، ان كان من مصلحته ان يأتي رئيس محافظ ام رئيس إصلاحي؟ وهل ستختلف سياسات الجمهورية الإسلامية في حال اتى رئيس إصلاحي او ستكون سياسات متشددة في حال أتى رئيس محافظ او اصولي؟

يبدو أن الولايات المتحدة الامريكية والغرب أيضا يفكرون بنفس الطريقة، وربما هذا ما يتوقعه الاخرون من هذه الانتخابات، لكن نعتقد أن التوجهات الاستراتيجية الخارجية الأساسية لن تتغير مع وصول الرئيس، طبعا هذا لا يعني أن توجهات الرئيس الإصلاحية او المحافظة لن يكون لها تأثير كما حصل في الانتخابات السابقة. ما بين الرهان الكلي على الاتفاق النووي كما كان توجه الرئيس روحاني، وما بين التحفظ وعدم وضع الرهانات كلها في سلة الاتفاق النووي، هناك اختلاف بين اتجاه واخر. لكن هذا لا يتوقعه العالم او الغرب من رئيس جديد يستطيع أن يتعاون معهم أكثر، وبالتالي هذه الانتخابات تأتي في وقت دقيق وحساس، وفي زمن مفاوضات تجري الان في فيينا بين إيران وبين الأوروبيين من جهة، والولايات المتحدة بشكل غير مباشر من ناحية أخرى.

تختلف هذه الانتخابات عن تلك السابقة التي تحصّل فيها الرئيس روحاني على نسبة عالية من الأصوات، وكان الرهان حينها على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الامريكية، وتم تسويق هذا الاتفاق النووي بأنه هو الخلاص للازمة الاقتصادية في إيران، لهذا السبب كانت أصوات الناخبين معلقة بهذا الاتفاق، وذهبت الى الرئيس روحاني بشكل كبير ظنّا من الناخبين واستنادا الى ما يروّج له الرئيس روحاني بأن هذا الاتفاق سيكون الحل للمشكلة الاقتصادية والاجتماعية والمالية المفروضة على إيران. لكن يتبين بعد ذلك بفترة وجيزة، بأنّ ترامب لم يلتزم بهذا الاتفاق وخرج منه، ولم يكن هناك وجهات نظر أخرى، او سيناريوهات وخطط اخرى للتعامل مع هذا الوضع.

خرجت الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق، وبدأت تسقط الرهانات عليه، كما بدأت المعالجات الاقتصادية تبحث عن حلول للازمة وللتعامل مع العقوبات. اليوم، لم يعد الناخب الإيراني يتعلق بهذا الاتفاق، وهذا أحد أسباب تراجع الرهانات عليه. وحتى الاتجاه الإصلاحي لم يعد يتحدث عن هذا الاتفاق بنفس الحماسة السابقة، لأنه خسر الرهان وانعكس هذا الفشل بشكل سيئ على انطباع الشعب الإيراني. لا يفكر الناخب الإيراني اليوم في هذا الاتفاق، بل يفكر كيف يجب ان يحل المشكلة الاقتصادية اعتمادا على القوة الذاتية، والاقتصاد والإنتاج الذاتي، وعلى تطوير الهياكل والبنى الاقتصادية، وعلى محاربة كل أنواع الفساد الموجود والمحتمل، أي أن خيارات الناخب تغيرت ولم يعد هناك أي جدوى من الرهان على الاتفاق النووي في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات.

هناك توقعات إيجابية بان يطول الامر، وبأن بايدن قد يماطل في هذه العودة، وقد ينتظر نتائج الانتخابات، وقد يطالب بتقديم تنازلات، وقد يمارس ضغوط. وبالتالي لا يستطيع الناخب الإيراني ان ينتظر كل هذا الامر. لا يتوقع الناخب الإيراني الكثير من هذه المفاوضات، وهو لن يرهن خياراته بنتائج المفاوضات، لان الاتفاق النووي كان منجزا وتم التراجع عنه. وبالتالي، ستتوجه خيارات الناخب الإيراني اليوم بشكل مختلف الى كيفية المحافظة على اقتصاد إيران واستقلالها وعدم الاعتماد على الغرب، فالرهان على الغرب أدى الى كوارث اقتصادية في السنوات السابقة. أنجزت إيران في العقد الماضي-على الرغم من كل الحصار والصعوبات والتهديدات-حضورا قويا في الإقليم، وقد أكد السيد القائد على بعض محاولات المقايضة بين الاتفاق النووي وحضور إيران في المنطقة، بالقول اننا لن نتخلى عن حلفائنا، وهذا رد على تلك الاغراءات والوعود. طبعا يتبادر للذهن هنا سؤال من هم حلفاء إيران في المنطقة؟ انهم حركات المقاومة في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين، ومواجهة المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في سوريا. أنجزت إيران هذا الحضور وهو مستمر وقوي، والذي لولاه لما كان بايدن ليفكر في العودة الى الاتفاق النووي، ولما كانت ادارته -كما الإسرائيلي والخليجي- لتلمس مفاعيله القوية والعالية في فلسطين وفي غزة في الحرب الأخيرة.

مع الانتخابات الرئاسية لن يتراجع هذا الحضور مهما كانت طبيعة الرئيس القادم، ان كان اصلاحيا او محافظا او اصوليا، فهذا لن يؤثر على موقع إيران، لان حضورها تحقق في ظل عقوبات وحصار وتضييق مالي وسياسي. اليوم، وعلى الرغم من كل ذلك تعترف الولايات المتحدة بهذا الحضور وتتفاوض على أساسه. كما أنّ الغرب نفسه يفاوض إيران بغض النظر عن الرئيس المقبل. إذا ستكون إيران بالمحصّلة أكثر حضورا في الإقليم، وعندما يتقدم التفاوض حول الاتفاق النووي كما هو مرجّح-حتى لو طال الوقت لأشهر إضافية بعد انتخاب الرئيس- فان إيران ستكون أكثر حضورا لأنها ستستفيد من رفع العقوبات واستعادة قسم كبير من أموالها المحتجزة في الخارج، وسيكون عليها ان تلتفت أكثر الى معالجة مشكلاتها الداخلية. من هذا المنطلق، فانّ طبيعة الرئيس تختلف، شخصيته تختلف، فريق عمله أيضا يختلف في التعامل مع المسائل القضائية والسياسية والإدارية والاقتصادية، لكن هذا الامر لن يتم بمعزل عن حضور إيران القوي في الإقليم. الأكيد ان حضور إيران القوي لن يتراجع في الإقليم، بل سيزيد مهما كانت طبيعة الرئيس، كما أنها لن تتخلى عن حلفائها، لكن التحديات الداخلية ستفرض نفسها على المشهد السياسي.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: د. طلال عتريسي




روزنامة المحور